عروبة الإخباري – ناشد معلم في وزارة التربية والتعليم رائد خاطر والد المعتقل في سجن ‘موقر2’ محمد خاطر الملك عبدالله الثاني السماح له بالمبيت بجوار ابنه في سجنه لليلة واحدة ، لاشتياقه ولوعته للقائه وضمه إلى صدره.
وتاليا نص الرسالة كما وردت:
مناشدة الى أبو الحسين الملك عبدالله الثاني وأمنيتي في حياتي ووصيتي عند الممات.
بسم الله الرحمن الرحيم أنا المواطن رائد خاطر، أناشدكم وألجأ إليكم بعد الله، بأن تتكرموا عليّ وأنتم من تغيثون الملهوف، وبعد أن تَقَطَّعت بيّ السُبُل، وكثرت همومي وآلامي وأحزاني، ونزف قلبي جراحاً عميقة، وما عدت أحتمل بُعد ولدي عني لسنوات مضت، لا يعلم كيف قضيت بها الأيام والليالي الا الله، وما عرفت بها طعماً للذة الحياة .
أناشدكم سيدي بأن تسمحوا لي أن أبيت بجوار ولدي وفلذة كبدي في سجنه لليلة واحدة فقط، فلقد حوكم ولدي بالسجن لمدة عشر سنوات، قضى منها قرابة الثلاث سنوات، ولقد مللت من زيارتي له في السجن، وما عادت قواي قادرة على الذهاب لزيارته وقطع المسافات الطويلة التي أتعبتني، ويتقطع قلبي في كل زيارة وأنا لا أرى ولدي إلا من خلف الحاجز الزجاجي، ولا أستطيع سماع صوته إلا من خلال سماعة الهاتف، ولا يبعدني عنه مسافة سنتمترات لاحتضانه وضمه لصدري ومعانقته عناق الأب المكلوم لولده البار.
لكن هذا الحاجز يمنعني من ذلك، وأنتم تعلمون سيدي ما هو حنان الأب وعطفه، وكيف يكون اشتياقه لولده وفلذة كبده، ناهيك سيدي عمّا تعانيه والدته من حسرة وألم والتي لم تجفّ دمعتها ولم تعرف طعماً للنوم منذ دخوله السجن، وأخوته الذين يحلمون كل ليلة وكل يوم برجوعه لتكتمل الفرحة ويشقوا طريقهم جميعاً في بناء وطنهم وخدمته.
كيف لا وأنت أب لأبناء ينتظرون عودة ابيهم لحظة بلحظة متشوقين متلهفين لاحتضان وتقبيل والدهم الغائب، فلقد حُرمت من هذه المشاعر الجياشة منذ سنتين ونَيِف، ولم أَر ولدي منذ سجنه وجهاً لوجه، وحتى الزيارة الخاصة وهي حق لكل أب حُرمت منها ومُنعت، رغم أنني تقدمت لأكثر من خمس مرات طلباً لزيارته ،مُرفِقاً تقاريري الطبية لعله يَرِقُ قلب أحد المسؤولين، لكن الرفض كان مصيرها في كل مَرَّة .
نعم،هذا هو حلمي الذي أحلم به وهذه أعظم أمنية لي في هذه الحياة المبيت لليلة واحدة في سجن ولدي لأحتضنه وأضمه لصدري وهذه نشوة المشتاق الملتاع على فراق ولده، فأنا رجل أنهكني مرض السرطان الذي أتعالج منه في مركز الحسين للسرطان وما زلت، فحقاً أنهكتني جرعات الكيماوي المؤلمة ،وجلسات الأشعة الحارقة ،ومُنعت عن الكلام من أثر المرض وتبعاته ،وهذا ابتلاء من الله.
وابتليت بسجن ولدي وهو الابن الأكبر وهو من كان يرافقني برحلة العلاج ،ويتنقل بين مركز الحسين للسرطان لمتابعتي وبين كليته كلية الفنون الجميلة في الجامعة الاردنية لمتابعة دراسته ومحاضراته ليحقق حلماً كان يراوده منذ طفولته بأن يدرس في هذه الكلية التي عشقها وجدّ واجتهد ليبدع في تخصصه.
كيف لا وهو من رسم لوحات تعبر عن حبه لوطنه الذي عشقه على جداريات المدارس والمؤسسات والدوائر، وهو من فاز بالمركز الأول على مستوى مدارس المملكة بمسابقة الخط العربي عن لوحة خطها وكتب فيها (لا للإرهاب.. الأردن واحة أمن وسلام ) ورسمها على شكل دلة قهوة بعد أحداث تفجيرات فنادق عمان المؤلمة ،ليُتَّهم هذا الفنان البار لوطنه بتهمة الإرهاب ،وينتهي بعدها حلمه لإكمال دراسته وهو ابن التاسعة عشر من عمره وينتهي كل شيء في حياته وحياتنا من قبله ،وها هو الآن خلف القضبان ،منتظرين رحمة الله بأن يفرج عنه ،وهذا قدر الله فينا .
سيدي لي رجاء أن تلبوا طلبي هذا ورغبتي، فحقاً ما عدت أحتمل فراقه، فقلبي يتمزق أشلاء ويزداد شوقاً يوماً بعد يوم، متلهفاً للقائه وعناقه والتحدث معه، داعياً الله أن يطيل في عمري لأحقق هذه الأمنية، فأنا رجل أجلي محدود وأيامي معدودة، فقد ينتهي أجلي وأموت ويأخذ الله أمانته وأنا لم أحقق حلمي الذي أتمنى بمعانقة فلذة كبدي وضمه لصدري كباقي الآباء وأتلوع حسرة إن حصل لي مكروه ولم أعد باستطاعتي زيارته في سجنه والجلوس معه.
وإن فارقت الحياة قبل رؤيته، فوصيتي لكم سيدي أن تسمحوا لولدي بالخروج من سجنه لساعات حتى وهو مكبل اليدين لوداعي وعناقي والذي حُرمت منه في حياتي بأن يتحقق في مماتي وأن يشارك في جنازتي وحمل نعشي والصلاة عليّ.
وإن استحال هذا الطلب بخروجه لساعات فوصيتي الأخيرة أن تُدخلوا جثماني لسجنه لينظر اليّ النظرة الأخيرة ويعانقني ليستشعر بحنين الأب واشتياقه وليعرف مدى محبتي له ومعزته في قلبي ويودع والده الوداع الأخير، وداعاً بلا رجعة ويتلقى عزائي في سجنه، وسأقابل وجه ربي صابراً محتسباً على الابتلاء في مرضي وسجن ولدي.
وإن كان هذا الأمر مستحيلاً فوصيتي لأبنائي وأهلي أن لا يشيّعوا جنازتي ولا يقوموا بدفني إلا بعد أن يخرج ولدي محمد من سجنه وينهي مدة حكمه العشرة سنوات .
هذه هي امانيَّ سيدي وهذه وصيتي وأسأل الله ونحن في شهر الرحمة شهر رمضان الفضيل أن يُرحم قلب أب مكلوم متلهف للقاء ولده متمنياً أن تتحقق هذه الأمنية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .