منيب رشيد المصري-/السُعار الإسرائيلي ضد المقاطعة

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أيام حربا على الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وفي ذات الفترة عقد رجلا الأعمال اليهوديين من أصل أمريكي حاييم سابان، وشيلدون أديلسون مؤتمرا في مدينة لاس فيغاس الأمريكية، وصف بأنه “سري” كان هدفه البحث في كيفية محاربة حملة مقاطعة إسرائيل، وخلال مؤتمر هرتسيليا السنوي وصف شمعون بيريس رئيس الدولة السابق لإسرائيل المقاطعة بأنها شكل من أشكال “الحرب”، وهناك الكثير من التصريحات لسياسيين إسرائيليين تهاجم المقاطعة بفكرتها وبشخوصها وبداعميها، وأيضا تشمل حملة الهجوم التي تشنها إسرائيل الشركات والأفراد والمؤسسات التي تستجيب لهذه الحملة وتسحب استثماراتها أو أي شكل من أشكال تواجدها في الأرض المحتلة عام 1967، بحكم أن الاحتلال غير شرعي، وأن التعاون معه يشكل خرقا للقانون الدولي، عدا كونه غير أخلاقي من الناحية الإنسانية.
تقول إسرائيل بأن هدف المقاطعة هو سحب الشرعية منها، ونقول نحن بأن هدف المقاطعة هو سحب الشرعية من دولة الاحتلال، وهذا شكل من أشكال النضال السلمي الذي شرعه لنا القانون الدولي. إن أكثر ما تخشاه إسرائيل الآن هو هذا الشكل من أشكال النضال، فهي تعلم تماما أنها ضعيفة في مواجهة هذا الأمر الذي يعتمد أساسا على الحق والمنطق والقانون والحجة والبرهان وهي أدوات لا يمكن أن تمتلكها دولة احتلال، ولا يمكن لها أن تقنع العالم بـــــــ”عدالة” هذا الاحتلال.
الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيلي وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، ومنذ تأسيسها قبل حوالي عشرة أعوام استطاعت أن تفرض نفسها وبشكل قوي على خارطة النضال ضد الاحتلال بوسائل مبتكرة تتجاوب مع التطورات الحاصلة في العالم على الصعيدين الدولي الإنساني والتكنولوجي المعرفي وتطور وسائل الاتصال وحق الوصول إلى المعلومة وغيرها من الوسائل والأدوات التي نجحت الـــــ (BDS) في توظيفها لصالح القضية الفلسطينية، وحصد الثمار الأولى لهذا العمل، مما دفع بإسرائيل ومؤيديها إلى فتح النار بشكل علني وهستيري على الـــ ـ(BDS)، وتحركت آلتها الإعلامية والدبلوماسية والقانونية لمجابهة هذه الحملة التي أقلقت وأوجعت الاحتلال منذ تأسيسها، ويبدو أنه راهن على فشلها لكنها فاجأته بصلابتها وتطورها واستمرارها، وتجاوب العالم معها.
في شهر أيار الماضي وفي قاعة بلدية “أوسلو” النرويجية حصل شخص فلسطيني على جائزة اسمها “Business for Peace” وهي جائزة دولية تمنحها مؤسسة تحمل نفس الأسم (ولجنة التحكيم فيها هي نفسها التي تختار في الجانب الاقتصادي لجائزة نوبل) لخمسة أشخاص حول العالم تمثل سيرتهم المهنية قصة نجاح ولديهم مساهمات إنسانية وأعمال خيرية مميزة، هذا الشخص هو زاهي خوري الذي أعرفه منذ قرابة الخمسين عاما، تتهيأ جهة قانونية إسرائيلية تحمل اسم “شورات هادين”، لمقاضاته على تصريحات قال فيها بأنه يدعم حملة المقاطعة لإسرائيل.
أعتقد بأن رجل أعمال ناجح كزاهي خوري لا يمكن له أن يقول هذا الكلام لولا وجود الاحتلال، فهو كأي فلسطيني يريد العيش بكرامة وحرية في دولة مستقلة ينعم مواطنيها بأمن وسلام، ولا يفتحوا أعينهم صباح مساء على القتل والدمار والاعتقال وغيرها من إفرازات الاحتلال، فلا أحد منا يرغب بالمقاطعة لولا وجود الاحتلال.
زاهي خوري قبل أن يكون رجل أعمال وخير ناجح فهو يعرف نفسه “…أنا رجل أعمال مثابر وموفر فرص عمل، أنا مسيحي مؤمن، وأنا فلسطيني”. وأنا أقول بأن هذا الرجل قدم لفلسطين الشيء الكثير منذ أن عرفته، فهو وظف ثقافته وعلمه ودماثته وعلاقاته الطيبة في الدول العربية وفي أوروبا والأمريكيتين في خدمة القضية الفلسطينية، وكان من أوائل من فكروا بتأسيس إطار في الولايات المتحدة الأمريكية للفلسطينيين والعرب يوازي لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “ايباك” التي هي من أقوى وأكبر المؤسسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل وجل أعضائها من اليهود، كذلك شارك في تطوير مؤسسة التعاون وهي من أهم المؤسسات الفلسطينية التي أنشأت بعد خروج الفلسطينيين من لبنان عام 1982، ثم كان من أوائل العائدين لبناء أسس الدولة عام 1994، واستقر هنا في فلسطين وكان من مؤسسي شركة باديكو ولا زال في مجلس إدارتها، ويرأس شركتها السياحية، وهو مساهم كبير في شركة الكوكاكولا ويرأس مجلس إدارتها.
في مقال نشره زاهي خوري في صحيفة “واشنطن بوست” عام 2012، يقول فيه: “… برتقال يافا فلسطيني، وليس إسرائيليا، وهو علامة تجارية، ومع ذلك فهو مثل العلامات الثقافية الكثيرة التي تدعيها لنفسها الدولة الموصوفة باليهودية، فحتى الأشجار المثمرة التي اعتنى بها شعبي تمت مصادرتها”، ويضيف “إسرائيل لم تجعل الصحراء تزهر، على العكس، …، فقد سلبت أرضا ومجموعة من المؤسسات، وفعليا ثقافة لم تكن لها، …، فعلت ذلك على حساب شعبي”. ويقول في ذات المقال بعد الحديث عن بشاعة الاحتلال ويصف الوضع الاقتصادي الإنساني تحت الاحتلال، ومن ثم يتحدث عن انحازت الشعب الفلسطيني وصموده يقول بأن “كل ذلك يحدث في 22% من مساحة فلسطين التاريخية”.
هذا الكلام بحسب اعتقادي يعني بأن السيد خوري لا ينفي وجود إسرائيل، ويعترف بقرارات الشرعة الدولية، ومتمسك بما تم الإعلان عنه في الجزائر عام 1988، حول حل الدولتين، وكل ما يريده في دعمه لحملة مقاطعة إسرائيل هو نزع الشرعية عن الاحتلال، ولا أعتقد بأن هذا جُرم، بل شجاعة من شخص يعلم تماما بأن هذه الكلام سيعود عليه بحملة تحريض مسعورة قد يخسر جرائها الكثير، ولكن هو كما علمته إنسان وطني قدم ولا يزال لفلسطين الكثير.
شخص بهذا التاريخ وهذه العلاقات وهذا الاحترام الذي يحظى به من قبل العديد من الشخصيات العالمية الوازنة لا بد أن يقوم الاحتلال وعبر أدواته بمهاجمته، كما هاجم قبله وسيهاجم من بعده الكثيرين، بحجة أنهم معادون للسامية، هذه “التهمة” التي لم تعد باعتقادي تنطلي على الكثيرين، فإسرائيل تستخدمها ضد كل من يحاول أن ينتقد احتلالها وجرائمها.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري