من المؤكد أن استمرار العجز المالي في ميزانية وكالة الأونروا، وعدم زيادة المانحين لتبرعاتهم إلى الوكالة، سيؤدي لولادة المزيد من المصاعب في عمل الوكالة داخل المخيمات الفلسطينية في مناطق عملياتها الخمس خصوصًا بالنسبة للاجئي فلسطين في سوريا.
فالمعلومات تشير لوجود تقليصات مُتوقعة ستقع في أجندة بعض البرامج التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين في ساحات عملياتها الخمس (قطاع غزة، الضفة الغربية، سوريا، الأردن، لبنان)، حيث ترعى الأونروا كمؤسسة دولية شؤون ما يقارب من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في ساحات عملها المذكورة، ويعتمدون بشكل أساسي على الخدمات التي تقدمها في مجالات الصحة والإغاثة الاجتماعية والتعليم. وبالتالي فإن عدم تجاوب المجتمع الدولي والدول المانحة لنداءات المفوض العام للأونروا لسد العجز المالي، سيكون له تأثير سلبي على طبيعة الخدمات التي تقدمها الأونروا للاجئين الفلسطينيين، وبالتالي على حياتهم داخل المخيمات.
ومن نافل القول بأن عملية التراجع المبرمجة الجارية في أداء ومهام وكالة الأونروا ليس لها علاقة فعلية بأزماتها المالية الظاهرة للعيان، أو بموظفيها الدوليين الذين أظهرت غالبيتهم تعاطفًا قل نظيره مع مجتمع اللاجئين الفلسطينيين، بمقدار ما لها علاقة بالإرادة السياسية الدولية والجهود التي تقف خلفها الولايات المتحدة الأميركية والهادفة لتحقيق الإنهاء التدريجي لعمل الوكالة نظرًا لما يحمله استمرارها من معنى ومغزى سياسي يتعلق ببقاء وديمومة قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث كانت هيئة الأمم المتحدة قد ربطت إعلان قيام وتأسيس وكالة الأونروا عام 1949، وبين إنهاء عملها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الأم في فلسطين.
إن تصاعد عمليات استهداف وجود وكالة الأونروا تزايد في السنوات الأخيرة، أكثر منها في السابق، فقد ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” في 6/12/2011 “أن إسرائيل تُحرِّض على إغلاق وكالة الأونروا بحجة أن هذه الوكالة تُشكّل عقبة أمام أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين بسبب المعايير المختلفة لوضع اللاجئ الفلسطيني. كما كان الوزير “الإسرائيلي” سلفان شالوم قد دعا في تصريح له يوم 7/11/2005 إلى نقل صلاحيات وكالة الأونروا إلى السلطة الوطنية الفلسطينية على طريق حلها. فيما قدم السياسي اليساري الصهيوني يوسي بيلين من حزب ميرتس رؤيته لحل وكالة الأونروا بتاريخ 23/6/2008 في معهد كارنيجي الأميركي حين دعا إلى “حل الوكالة الدولية ــ الأونروا ــ واستبدالها بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)”..
وعليه، إن مساعي إنهاء خدمات وكالة الأونروا وإحالتها على التقاعد لم تتوقف بهدف شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، والرابح الأكبر هو المشروع الصهيوني وسيكون الخاسر الأكبر أكثر من الملايين من لاجئ فلسطيني. فالجهود الخفية لإنهاء عمل وكالة الأونروا وإحالتها على التقاعد، تجري منذ سنوات طويلة على يد الإدارة الأميركية والدولة الصهيونية، وبعض من دول غرب أوروبا، التي تريد إنهاء صيغة عمل الوكالة ومهامها وإحالتها إلى الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، انطلاقًا مما ترسمه تلك الجهات لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أسس غير عادلة تذهب بحقهم في العودة لصالح تكريس حلول التوطين والتهجير.
فإحالة وكالة (الأونروا) على التقاعد يعني فيما يعنيه، إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبار أن وكالة (الأونروا) هي الهيئة الدولية المسؤولة عن مصير اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى وطنهم وديـارهم الأصلية على أساس القرار (194) ووفق قرار إنشائها في العام 1950.
لقد بدأت وكالة الغوث عملياتها بتقديم الخدمات لنحو (800) ألف لاجئ فلسطيني اقتلعوا من أرض وطنهم عام 1948، بكادر لا يتجاوز عديده نحو (1444) أصبح عددهم نهاية العام الماضي بحدود (28000) موظف محلي ودولي ما بين (مدير، إداري، فني، طبيب، معلم، ممرض، مستخدم، سائق…) وأكثر من (14) ألفا منهم يعمل في الضفة والقدس وقطاع غزة، ومن بينهم (100) موظف دولي. واليوم تشرف وكالة الأونروا على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وخدمات الإغاثة والإشراف لنحو خمسة ملايين لاجئ فلسطيني. بعد أن أصبحت إحدى أقدم وأكبر وأوسع مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة في العالم.
لقد تم إنشاء وكالة (الأونروا) في أيار/مايو 1950 بالقرار رقم 302 (د – 4) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وارتبط استمرار عملها مرفقًا بالقرار الشهير (194) الخاص بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى مواطنهم الأصلية وممتلكاتهم على أرض فلسطين التاريخية في اللد وعكا وحيفا ويافا والناصرة وطبريا وبيسان والمجدل وعسقلان وبئر السبع ..الخ، والذي ربط بدوره بين قبول الدولة الصهيونية عضوًا في الأمم المتحدة وبين التـزامها بتجنب معارضة القرار ذاته، ومنذ ذاك الحين إلى الآن تم التأكيد على القرار (194) أكثر من مئة وستين مرة بإجماع العالم بأسره، ما عدا إسرائيل التي تمتنع عن التصويت عليه. فضلًا عن الامتناع الجديد للولايات المتحدة منذ توقيع اتفاق أوسلو في أيلول/ سبتمبر 1993 بحجة ترك الأمور للعملية التفاوضية الجارية.
وفي المنحى ذاته، يتم التجديد لعمل وكالة الأونروا مرتبطًا باستمرار وديمومة القرار (194) الخاص بحق اللاجئين بالعودة وحمايته من عملية التآكل في قوته بعد سلسلة من التداعيات والانكسارات التي حكمت الموقف التفاوضي الفلسطيني والعربي مع الدولة التوسعية الصهيونية، والمحاولات الرامية لإلقاء هذا القرار خارج إطار المرجعية التفاوضية وتفريغه من محتواه، بتحويل قضية اللاجئين إلى عنوان إنساني فقط، يجري حلها على قاعدة التوطين والتهجير دون أية حقوق وطنية وقومية.
إن اسم ومسمى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كما هو معروف يحمل في طياته معنى الوقوف إلى جانب قضية اللاجئين الفلسطينيين في جميع حقوقهم, والاعتراف بهم بشكل رسمي أنهم رحلوا أمن أرضهم المحتلة وهم قابعون في الدول العربية في مخيمات لاجئين, في سوريا والأردن ولبنان إضافة للاجئين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
وهنا، تأتي أهمية الجهود العربية والدولية لحماية وكالة الأونروا وضمان استمرارها بالقيام بمهامها داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها الخمسة إلى حين انتفاء أسباب وجودها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم الأم في فلسطين، طبقًا لقرار إنشائها، وبحل قضيتهم حلًّا عادلًا وشاملًا طبقًا للقرار 194، وهذا الحل هو مسؤولية المجتمع الدولي بأسره، وهو ما عبرت عنه وكالة الأونروا في رسالة سابقة كانت قد نشرتها، وفيها “إننا ندعو المجتمع الدولي وأطراف النزاع للاعتراف بعقود الظلم الذي حل بالفلسطينيين وذلك كخطوة أولى نحو معالجة عواقب ذلك الظلم، دعونا نقوم ببناء الحقائق في أذهاننا من أجل خلق حقائق لسلام عادل ودائم على أرض الواقع. إن قضية اللاجئين والتي لم تجد طريقها للحل تعد واحدة من القضايا الأكثر ارتباطًا وتعبيرًا عن حالة عدم اليقين في الحالة الإقليمية والوضع السائد وبمسألة استمرار النزاع. وبالتالي، فإن معالجة تلك القضية هي شرط ضروري ولا غنى عنه… فالفشل في التعامل مع قضية اللاجئين وإلقائها جانبا لم يخدم سوى محاولة التنصل من وتبديد محورية وأهمية اللاجئين كمجموعة لها دور مفصلي في توفير السلام واستدامته”.