سألت الباحث التركي العامل حالياً في مركز أبحاث أميركي جدي في بداية اللقاء عن الفروقات بين الرئيس السابق لتركيا عبد الله غُل ورئيسها الحالي رجب طيب أردوغان. أجاب: “عبد الله غُل رجل مؤمن حقيقة بإسلامه ومؤمن في الوقت نفسه بالديموقراطية. أردوغان يمارس الطقوس الإسلامية لكنه “حيوان سياسي” تحرِّك غرائزه وطموحاته، فضلاً عن أنه ليس ديموقراطياً. عبد الله غُل كان مؤمناً بأوروبا وبدخول بلاده الاتحاد الأوروبي. واعتبر ذلك هدفاً وطنياً مهماً. أما أردوغان فإن الاتحاد الأوروبي أو بالأحرى الانضمام إليه أو السعي إلى عضويته كان أداة يستعملها لتحقيق مشروعه السياسي. أردوغان فاسد وغُل غير فاسد. في أحد اجتماعات مجلس الوزراء دخل غُل القاعة حاملاً صحيفة أميركية هي “نيويورك تايمز” وكان العنوان الأبرز في صفحتها الأولى: “الإسلاميون الإصلاحيون في تركيا”. وبعدما أطلعهم على الصفحة والعنوان قال: “لو دفع أحد لهذه الصحيفة 50 مليون دولار لتضع هذا العنوان في صفحتها الأولى، على رغم عدم صحته، لرفضت النشر وإغراءاته. هذا ما يجب أن نصبحه وأن تبقى عليه. قولوا ذلك لأردوغان”. لكن غُل ليس مقاتلاً.
حرّك أردوغان المناطق الريفية حيث الثقافة أقل والجهل ربما أكثر وكذلك التديُّن. واعتمد عليهم لربح معاركه السياسية والانتخابية وحتى الحزبية. لم يعد يهتم بالنخبة والمثقفين والاصلاحيين، فانفصلوا عنه. والمعارضة له تزيد. يريد تغيير الدستور التركي او تعديله لجعل النظام رئاسياً، وتالياً ليركز السلطة عنده وهو يحكم اليوم خلافاً لأحكامه. مصيره إما الحبس أو النفي او الفرار من البلاد أو القتل”. علّقتُ: خرج أردوغان من بيئة فقيرة استناداً إلى معلوماتي. كان يبيع الكعك في الشوارع ليعيش في صباه. في إحدى المرات كان يستقبل وفداً إسلامياً أتى لزيارته فتوجّه معه بعد الاجتماع إلى المسجد حيث صلّوا. وعندما خرجوا منه كانت القلنسوة البيضاء على رؤوسهم كلهم، علماً أن ذلك ممنوع قانوناً. وهناك رأى بائع كعك في الشارع فتوجه إليه واشترى “كعكاته” كلها وراح يضع “الصعتر” في كل منها ويوزعها على الذين معه. إلى ذلك يقول إسلاميون لبنانيون انه مسلم محافظ أو بالأحرى انه مسلم “زيادة” وشعبوي “زيادة” وطموح “زيادة” لتأسيس امبراطورية. لكنهم يستدركون بالقول انه ليس “إخوانياً” وإن إسلاميي تركيا تعرفوا على “الإخوان” متأخرين. أربكان كان يعرف هؤلاء أكثر. وقد أسس بعد ذلك “حزب السعادة”. هذا الحزب هو الإسلامي الذي له علاقة بـ”الإخوان” وليس أردوغان.
ماذا تعتقد أنت؟ هل أردوغان إسلامي إخواني أم لا؟ أجاب: “معك حق “حزب السعادة” هو الإسلامي. أردوغان مسلم مُمارس. لكنه يفعل ذلك من أجل السلطة. عنده كاريزما وقدرة على “البروباغندا” أي الإعلام الدعائي. عنده فريق عمل يحضر له برنامجه الإعلامي كي يحافظ على صورته. لا يشاور أحداً ولا يرتاح إلى أحد. أخطأ كثيراً في الموضوع السوري. تكلّم كثيراً وبصوت عال ضد بشار الأسد لكنه لم يفعل شيئاً. وتسبب ذلك بخسارته العرب كلهم وكذلك المسلمين من دول وجماعات الذين راهنوا عليه مثل مصر والسعودية والشعوب الإسلامية السنية”. عندما اسقطت سوريا طائرة حربية تركية لم تردّ تركيا. فاقترح أحد مستشاري أوغلو عليه الرد “لأننا إذا لم نفعل ذلك سنخسر هيبتنا كلها وسيقتنع الأسد بأننا لا نستطيع فعل شيء” أجابه أوغلو: “نحن لسنا دولة عدوانية”. وتبين لاحقاً وجود معلومات استخباراتية تفيد أن أحد أسباب عدم الردّ هو أن الطيارين التركيين المفقودين أنقذهما السوريون وهما في اللاذقية، وعدم الرد كان لاستعادتهما. هذا ما قاله أوغلو لقريب منه. لكن تبيّن بعد مدة قصيرة أنهما غرقا بعد إسقاط الطائرة وانتشلت جثتاهما من قاع البحر”.
قلتُ: اخبرني عن فتح الله غولن وأردوغان. يقال إنهما كانا حليفين. ماذا حصل بينهما؟ ولماذا يستهدف الثاني غولن وحركته “حزمت” وأنصاره في تركيا كلها؟ أجاب: “غولن داعية إسلامي، يؤمن بالإسلام وبانفتاحه على العالم والديموقراطية. أسّس مدارس كثيرة داخل تركيا وفي عدد من دول العالم يقدّر عددها بالآلاف. في الخارج من يريد من الأتراك المهاجرين تعليم أولاده اللغة التركية يذهب إلى مدارسه. وهي كفيّة جداً تعلم الإنكليزية أيضاً والعلوم الأخرى. نخبة المجتمع التركي معه. التقت مصالحه ومصالح أردوغان الذي كان يريد شريكاً يؤمّن الدعم والتمويل. فتحالفا وعملا سوية”.
لماذا اختلفا إذاً بل تعاديا؟ سألت.
sarkis.naoum@annahar.com.lb