قبل يومين من القمة بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي التي تعقد اليوم في كامب ديفيد، كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يبحث في موسكو سبل تطويق «الهجمة السعودية» التي قلبت الطاولة على رأس إيران في اليمن وسورية، ويناقش كيفية منع سقوط سريع لنظام بشار الأسد بحجة «عدم وصول المتطرفين» إلى السلطة، وكي لا تضطر واشنطن إلى التراجع عن سياساتها في المنطقة، ويضيع الاتفاق مع طهران، «الغالي» على قلب باراك أوباما.
وفي الواقع لم يبدر من موسكو طوال عام مضى منذ بداية الأزمة الاوكرانية، ما شجع كيري على الذهاب إليها، لا في الموضوع الاوكراني ولا السوري، وهو الذي اتهم روسيا قبل أسابيع بـ «الكذب علناً» في شأن تدخلها في اوكرانيا وإرسالها السلاح والرجال لدعم المنشقين عن كييف. وعلى رغم أن الأميركيين سربوا في بعض الإعلام كلاماً عاماً عن مؤشرات إلى «تراجع» روسي في الدعم المقدم إلى الأسد وعن «يأس» موسكو من إقناع الرئيس السوري باعتماد «إصلاحات»، فإن أحداً لم يعرف ما هي هذه المؤشرات ولا إلى ماذا تستند المعلومات عنها.
وكان التبدل في سياسة المهادنة السعودية الذي أسفر عن إطلاق العملية العسكرية المستمرة في اليمن، ثم ما ذكر عن تغيير في مقاربة الملف السوري أدى إلى قضم المعارضة بفصائلها المتنوعة، وخصوصاً الإسلامية، مزيداً من مناطق سيطرة النظام، أثارا قلق الإدارة الأميركية التي سارعت إلى الضغط لفرض هدنة في اليمن وأطلقت تحذيرات من تنامي «التهديد الإرهابي» للتنظيمات المتطرفة، لا سيما في العراق وسورية.
وإذا كان مشروع الاتفاق مع إيران الذي ينوي أوباما تقديمه إلى الكونغرس واجه عقبات وصعوبات جمة قبل التطورات الأخيرة في اليمن وسورية، فما الذي سيحصل إذا باتت طهران في موقف صعب وثبت عجزها عن نجدة حلفائها «الحوثيين» أو منع المعارضة السورية من تحقيق مزيد من التقدم؟ عندها سيقول معارضو الاتفاق في مجلسي الشيوخ والنواب أن الإدارة تقدم إلى الإيرانيين أكثر مما يستحقون فيما نفوذهم الاقليمي في حال تراجع واضح، وسيشكل رفض الاتفاق نكسة كبرى لاستراتيجة أوباما في إقامة «توازن» في الشرق الأوسط يقوم على إعطاء إيران دوراً إقليمياً يهدد بتعميق النزاعات.
لكن ما الذي يمكن أن يقدمه بوتين لمساعدة أوباما؟ لا بد أن الأميركيين يراهنون على قدرة موسكو على إقناع الأسد بتليين موقفه ولو شكلياً، والقبول ببعض اقتراحات يمكن صياغتها على لسان المبعوث الدولي دي ميستورا توحي بأنه مستعد فعلاً لقبول تسوية سياسية تشمل ضم معارضين «معتدلين» إلى حكومة مشتركة، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ضعضعة صفوف المعارضة التي بالكاد تمكنت من تنسيق جانب من جهدها العسكري. وترى واشنطن أن مجرد إظهار ليونة من جانب النظام السوري سيتيح لها إمكان الضغط لوقف الدعم الخليجي المتزايد للمعارضة، ويمهد ربما لعقد مفاوضات جديدة على غرار جولتي جنيف تسمح بتجميد النشاط العسكري وتخفيف الضغط عن دمشق.
في المقابل قد يكون تخفيف اللهجة الأميركية في شأن اوكرانيا وعدم فرض عقوبات جديدة على روسيا، بل إلغاء تلك التي فرضت حتى الآن بسبب ضم القرم، بين الإغراءات التي قدمها كيري إلى بوتين، إضافة إلى تأجيل برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية في تركيا إلى موعد لم يحدد.
وعلى رغم اللهجة الودية التي سيتضمنها البيان الختامي لقمة كامب ديفيد، وتعابير إعادة تأكيد علاقات التعاون الوثيق بين الجانبين، فإن ثمة ما تغير في أداء دول الخليج العربية وعلاقتها بالولايات المتحدة، وخصوصاً أن أوباما الذي يقترب من نهاية ولايته الثانية يظهر علامات ضعف متزايد.