عبدالله العليان/مواجهة الفساد ومخاطره وآثاره

تعاني دول كثيرة من آثار ومسببات الفساد الإداري والمالي، وخلقت هذه الآثار والمسببات متاعب كبيرة، وأزمات وصراعات خطيرة، وأصبحت هذه الدول تعاني منه منذ عقود، لعل أكبر هذه الآثار التخلف والتراجع على كل المستويات، بما يخلقه هذا الفساد من مشكلات للدولة والمجتمع، بحيث أسهم الفساد في تدمير لأخلاقيات العمل، وقيم المجتمع، ويصيبه بالانكماش والتراجع، مما يؤدي إلى ما يسميه بعض المهتمين، إلى شيوع حالة من الذهنية المفارقة للقيم السائدة، تجعل البعض من هؤلاء الفاسدين يسعون إلى تبرير ما يقومون به من أعمال مخالفة ويجد لها من الذرائع من يبرر له استمرار فساده ومخالفاته، في غياب الوازع والضمير الذي عندما يفقد المرء، يجعله يتمادى في أفعاله هذه التي بلا شك تسهم في تدني مستويات كفاءة الاستثمار العام، وضعف مقومات الجودة في التحتية العامة، لكونها تحد من الموارد المخصصة للاستثمار، وربما تزيد في كلفتها، أو توجيهها التوجيه السلبي الذي يجعل الدولة تخسر مبالغ طائلة دون أن تكون هذه المبالغ قد وضعت فيما خطط لها، بالصورة التي روج لها، أو قيل إنها وضعت وفق مخططات سليمة وعلمية، أو ربما يدخل عامل الوساطات في اختيار المشروعات الإنشائية، مما يسفر عنه تدني نوعية المنشآت العامة، لكن لم يتحقق هذا بطرق ناجعة وسليمة من الأخطاء الكبيرة.
وعندما تتفاقم مضاعفات الفساد، مع مرور الزمن، تصبح كما يقول د. محمود الفضيل، “الدخول الخفية” الناجمة عن الفساد والإفساد هي الدخول الأساسية التي تفوق أحيانا في قيمتها (الدخول الاسميّة)، مما يجعل الفرد يفقد الثقة في قيمة عمله الأصلي وجدواه، وبالتالي يتقبل نفسيا فكرة التفريط التدريجي في معايير أداء الواجب الوظيفي والمهني والرقابي. فتتم تعلية العمارات بلا (تراخيص)، ويتم تسليم المباني والإنشاءات دون أن تكون مطابقة للمواصفات، ويتم غش المواد الأساسية، ويجري تهريب السلع للاتجار بها في السوق السوداء، ويتم التعدي على أراضي الدولة بالاغتصاب والإشغال غير القانوني”.
وفي غمار كل هذا يفقد القانون هيبته في المجتمع، ولأن المفسدين يملكون تعطيل القانون، وقتل القرارات التنظيمية في المهد. وعندما يتأكد للمواطن العادي، المرة تلو المرة، أن القانون بات عميقا، وأن الجزاءات واللوائح لا تطبّق ضد المخالفين، الصريحة والصارخة، لأمن المجتمع الاقتصادي والاجتماعي، فلابد للمواطن العادي من أن يفقد ثقته في هيبة القانون وقوته، وتصبح مخالفة القانون هي الأصل واحترام القانون هو الاستثناء، وهكذا عندما تضيع الحدود الفاصلة بين “المال العام و”المال الخاص”، ويتم الخلط المتعمد بين “المصلحة العامة و”المصلحة الخاصة”، تنهار كل الضوابط التي تحمي مسيرة المجتمع من الفساد، وتتآكل كل القيم التي تعلي من شأن الصالح العام.
فالآثار المدمرة للفساد، ليست قضية أخلاقية فقط، كون لها آثارها الخطيرة، وتكلفتها المدمرة على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ومنها أنه يؤدي إلى زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة، وضعف مستوى الإنفاق على السلع والخدمات، التكاليف الإضافية الناجمة عن ممارسة الفساد وفق تقرير البنك الدولي، ولذلك فإن من أساسيان تقليص وحصار الفساد، ثم القضاء على هذا المرض الخطير، هو توسيع ممارسة الرقابة والمحاسبة والمساءلة، والإصلاح الإداري والمالي، إصلاح هيكل الأجور والرواتب.
ويرى د. محمود الفضيل، أن إصلاح الهياكل المالية والأجور والرواتب قد لا يكفي وحده للقضاء على الفساد، فلابد من القضاء على (الفساد الكبير)، وهذا يحتاج إلى توسيع نطاق الديمقراطية والمحاسبة والإصلاح الإداري والمالي الشامل.
ومنذ فترة كشفت مؤسسة الشفافية الدولية، عن مساوئ ومخاطر الفساد، واستغلال السلطة والنفوذ، فتقول: (إنّ إساءة استخدام السلطة، والتعاملات السرية، والرشوة، هي مشكلات مستمرة في تخريب المجتمعات في شتى أنحاء العالم، وأن جميع الدول ما زالت تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية، من إصدار التراخيص المحلية وحتى إنفاذ القوانين واللوائح)، مشيرة في فقرة أخرى من التصريح: (إن الفساد في القطاع العام ما زال من بين أكبر التحديات العالمية، ويجب أن تكون المؤسسات العمومية أكثر انفتاحاً فيما يخص عملها وأنشطتها وأن يكون المسؤولون أكثر شفافية في صناعة القرار، ويمكن أن تساعد آليات إتاحة الحصول على المعلومات القوية وتوفر قواعد حاكمة لسلوك شاغلي المناصب العامة في تحسين درجات الدول، في حين أنّ نقص المساءلة في القطاع العام مقترناً بعدم فعالية المؤسسات العامة يؤثر سلباً على مدركات الفساد هذه).
والحقيقة أنّ قضية استغلال النفوذ من أجل العبث بمقدرات الوطن وثرواته ـ كما قالت ـ هذه المؤسسة، مقدمة جلية لتخريب المجتمعات ونشر الفوضى، والاحتقان والمشكلات التي تجعل الدول تتراجع، وتتحول إلى دول مضطربة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فإنّ البديل الذي يتصدى، هو الشفافية والرقابة الصارمة، وتوفير، كما قالت المؤسسة، (قواعد حاكمة لسلوك شاغلي المناصب العامة).
والحقيقة أنّ قضية استغلال النفوذ من أجل العبث بمقدرات الوطن وثرواته ـ كما قالت ـ هذه المؤسسة، مقدمة جلية لتخريب المجتمعات ونشر الفوضى، والاحتقان والمشكلات التي تجعل الدول تتراجع، وتتحول إلى دول مضطربة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فإنّ البديل الذي يتصدى، هو الشفافية والرقابة الصارمة، وتوفير، كما قالت المؤسسة، (قواعد حاكمة لسلوك شاغلي المناصب العامة).
ولا بد للدول من استخدام القانون الصارم لضرب الفساد ومحاصرته، وتطبيق العقاب القانوني، من أولويات القضاء هذا الخطر الكبير على موارد الدولة والمجتمع، وزيادة الفاعلية الرقابية المتعددة أصبحت من الضرورات المهمة، ولعل أهمها، خلخلة البنية الإدارية التي أقام عليها هذا الفساد بما يسهم في تجهيز أطر إدارية وقانونية في هذا القطاع، وعقاب من سولت له نفسه، بالتلاعب وتجاوز الأمانة التي كلف بها للحفاظ على مقدراتها وليس استغلالها بصورة أو بأخرى.
ومن هنا لابد من تطوير وتجديد السياسات التي تسّير نظما في هذه القطاعات بما يضمن سلامة الأداء، ومصداقية الممارسة الأدائية للعمل المالي، والشفافية، وفقا لمعايير وخطط تكفل الكفاءة، وأن تكون منسجمة مع القانون وقواعد الإدارة المنظمة بضوابط اللوائح الرقابة المالية والتشريعية، وغيرها من الرقابات الأخرى التي تراها الدولة ضامنة لمنع الفساد والتجاوزات للمال العام. ولذلك على أجهزة الرقابة المتعددة في الدولة، أن تضطلع بمهام كبيرة لتحقيق هذه الأهداف في القضاء على مؤشرات الفساد، بما في ذلك مسألة “الرشاوى”، و”السمسرة” “والعمولة” المرتبطة بمصالح خاصة لعمل عام، وهذه للأسف تؤسس لذهنية سلبية لدى البعض، حيث يعتبرها ظاهرة طبيعية، لكنها تشكل مخاطر لكونها بيئة حاضنة للفساد الإداري والمالي، لو تركت تتغلغل في الإدارة، واستنزفت موارد الدولة في مشاريع، ظهر فشل بعضها! ومن المهم أن تقوم المؤسسات التشريعية في هذه الدول، بصياغة لوائح ونظم تحدد دور المراقبة الإدارية، للكثير من المؤسسات لتحصينها من التجاوزات والجرائم التي تمس العام، من الرقابة المشددة، إلى جانب العقوبة المغلظة، وهذه ستكون الضامن الرئيس في ضبط المخالفات والتجاوزات التي لا تراعي الأمانة والرقابة الذاتية، لضمان انسياب العمل الإداري والمؤسسي، من خلال معايير سلامة العقود الإدارية والمالية، والشفافية في التصرفات، مع الالتزام بوضع الضوابط التي تحجم الفساد، مهما كانت طرقه وأساليبه لاختراق النظم والقوانين واللوائح، وهذا ما يجعل أي مساس أو تجاوزات محط الأنظار والمتابعة الدقيقة، سواء من الأجهزة الرقابية، وهذا ما نراه هاما وضروريا، لإبعاد المخاطر والمشكلات التي يفرزها الفساد الإداري والمالي.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير