عروبة الإخباري – أن يبلغ عدد الشباب في الأردن نحو 2.5 مليون نسمة، هو أمر يحتمل، في الواقع، وجهين متناقضين.
فهو من ناحية، يمثل دلالة صحة، وبالتالي فرصة للإنتاج والبناء، كون المجتمع الفتي، كما هو مجتمعنا، قادرا بالتأكيد على إحداث فرق في واقعه، اعتماداً على معطيات محلية وليس بالضرورة إقليمية.
هذا الوجه المشرق للقصة. أما الوجه الآخر الخطير، والمحتمَل بالدرجة نفسها، فهو أن ملايين الشباب مؤهلون أيضاً لأن يصبحوا عماد بيئة يسودها الإحباط والشعور بالتهميش، وعرضة بالتالي، في ظل الأجواء المواتية سلباً، لاستغلال طاقاتهم واحتياجاتهم بشكل هدام، بل ومدمر.
فالطاقة الإيجابية الكبيرة التي تتوفر لدى هذه الشريحة، يستلزم استثمارها -لا استغلالها- شروطاً ومعايير محددة. أما إنْ لم تتوفر، بما يولد بالضرورة إحباطات كبيرة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، فإن ذلك يُحوّل الشباب وطاقاتهم إلى قنبلة موقوتة في المجتمع.
ذاك هو واقع الحال لدينا، وهذه هي النتائج المتوقعة من الشباب؛ بسيئاتها وحسناتها. ويبقى لمتخذي القرار توجيه هذه الطاقات بأي اتجاه، وعليهم أيضا، بالتالي، تحمّل النتائج في النهاية.
ما قبل “الربيع العربي”، وتزايد حركة اللجوء إلى الأردن، كانت قضية الشباب واستثمار طاقاتهم بشكل إيجابي، مسألة كبيرة. لكن اختلطت الأوراق وابتعد الحل أكثر، وصار أشد تعقيداً مع حركة اللجوء المتزايد. إذ ينافس ملايين اللاجئين الشباب الأردني على وظائفهم، وحاضرهم ومستقبلهم، بما يضعف إمكانات الأردن والاقتصاد، بشكل واضح، على صعيد استثمار الفرصة السكانية التي طالما تحدثنا عنها بأمل، باعتبارها بوابة واسعة لإحداث نقلة تنموية في حياة المجتمعات المحلية.
إذ إن حركة اللجوء المفاجئة، وكما هي الحال دائماً، تُضعف النتائج المتوقعة من الفرصة السكانية، على نحو ما تؤكد فعلاً بيانات المجلس الأعلى للسكان، والذي كشف في أحدث أرقامه عن تسجيل تراجع ملحوظ في توقعات هذه “الفرصة” للمملكة، من
69 % إلى 66 % للعام 2030، وذلك خلال الأعوام 2009-2014.
2.5 مليون شاب ليس عدداً بسيطاً أبداً، يسهل التعامل معه. والانتباه لهذه الشريحة ضرورة لتحصينها وحمايتها من كل ما حولها من أمراض اجتماعية، من قبيل العنف والمخدرات، وأهم من ذلك تحصينها من التنظيمات الإرهابية التي تتغلغل كالسم في ثنايا المجتمع، بحيث يُفاجأ الوالد والوالدة بتحول فلذة كبدهما، بين ليلة وضحاها، إلى مقاتل في صفوف الإرهاب؛ منحازا للقتل والتدمير بدلاً من البناء والإنتاج.
وللأسف، فإن هؤلاء الشباب إن أسعفهم وعيهم فنجوا من الفكر المتطرف، يظلون -ونظل معهم- مهددين بالاغتراب الذي ما تزال فرص النجاة منه محدودة! إذ صار كل شاب من شبابنا اليوم مشروع مهاجر؛ فلا تكاد تصادف واحداً منهم لا يملك خططاً للرحيل، أملاً في فرصة أفضل، في أي بقعة من بقاع الأرض! فقط لأنه لا يجد نفسه في وطنه، وإن وجد فرصة عمل، فإنها تظل في الغالب الأعم توفر له احتياجاته بشق الأنفس.
ترك الشباب فريسة للبطالة والفقر، مع اتساع الفجوة الاجتماعية، ظاهرة لن ينجم عنها إلا السيئ. ورسم مستقبلنا، بحلوه ولا نتمنى مُرّه، يعتمد فقط على نوعية الخطط التي تدير أمر هذه الشريحة.
والأمر يحتاج إلى خلق خلايا عمل، تنشط في مختلف القطاعات. إذ إن ورش عمل حقيقية لإصلاح قطاعي التعليم والتعليم العالي، يمكنها أن تشغل وتشغّل الكثير من الطاقات المهدورة. ومثل ذلك في قطاع الخدمات المختلفة، ومنها الخدمات الصحية والطبية، القادرة على تحقيق الغاية نفسها. فقط نحتاج أن نبدأ العمل.
اليوم، لدينا فرصة لاستثمار طاقات الشباب في البناء، بدلاً من أن يتحولوا إلى معاول ونيران للهدم والتدمير؛ أي اقتناص الفرصة السكانية كي لا نفقد شبابنا