عبد الوهاب بدرخان/”الرئاسة أولاً” تُحسم مسيحياً أولاً

اذا كان استمرار تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية مرتبطاً بالتطورات الخارجية فإن لبنان مرشح لأن يبقى بلا رئيس لسنة ثانية قابلة للتمديد. ذلك أن انتظار حوار أو تفاوض سعودي – ايراني يمكن أن يطول، خصوصاً بعد التصعيد الحاسم في اليمن وتغيّر معطيات الأزمة السورية ميدانياً. ولعل قناعةً كهذه هي التي أعادت الكرة الى ملعب المسيحيين، وتحديداً الموارنة، باعتبار أنهم “أوصياء” على المنصب ومن خلاله على طبيعة النظام، ومسؤولون بالتالي مع شركائهم عن الدولة وبقائها.

لا يعني ذلك أن الطوائف الاخرى ليست لديها خلافات وانقسامات، أو لم تكن لها صولات وجولات في تعطيل المؤسسات. ولا مفاضلة بين الطوائف. لكن لا مصلحة للمسيحيين في تعريض الرئاسة، والنظام، والدولة، للمجازفات بذريعة أن حلفاءهم المسلمين محكومون بصراعات القوى الاقليمية. فالواقعية باتت تقتضي ايجاد “حل مسيحي” للشغور الرئاسي، انطلاقاً من المصلحة الفئوية إن لم تكن الوطنية. وتعني الواقعية الآن الاعتراف بالحقيقة: فالجنرال ميشال عون مرشح مزمن، ويمكن أن تكون لديه كل المزايا المطلوبة، إلا أن ادارته لطموحه قادته الى خيارات سياسية أبعدته موضوعياً، ولأسباب لا يجهلها، عن كرسي الرئاسة.
من شأن رواد التنظير لـ “الديموقراطية التوافقية”، و”الميثاقية” الذين خاضوا حروباً قذرة من أجلها، أن يذكّروا أنفسهم قبل سواهم بأن ديموقراطية كهذه لا يمكن أن تأتي إلا برئيس “توافقي”. أما القول بأن طائفتي رئيسي المجلس والحكومة تأتيان برجليهما “القويين” فلا ينفي أنهما محكومان بالعمل “توافقياً”، وتكمن قوتهما هنا في أمرين: أولهما أن يكون هناك وفاق فعلاً، والآخر في الحفاظ على التوافق لا في فرض المواقف. والدليل أن الرئيس تمام سلام، بصفته ركيزة وجود الحكومة واستمرارها، يقوى أو يضعف بحسب بورصة التوافق بين الوزراء الذين أصبح كلٌ منهم “رئيساً” في غياب الرئيس.
لم يكن عهدا الرئيسين الياس الهراوي وإميل لحود “وفاقيين” لأن نظام الوصاية السوري كان يدير الحكم، قبل أن يتولّاه وكلاء طهران ودمشق. لذلك بدا عهد الرئيس ميشال سليمان اختباراً أول لـ “الديموقراطية التوافقية”. كان سليمان انتُخب بعد أزمة خيضت باسم “الميثاقية” وحسمها “حزب الله” باستباحة بيروت عسكرياً، ولم يدّخر مدّعو “الميثاقية” جهداً في إفشال سليمان و”توافقيته” بل استعدوه عندما استقوى بمكانة الدولة فوق “الدويلات” وبالمصلحة الوطنية ضد تورّط “حزب الله” في القتال ضد الشعب السوري.
الواقع أن اختزال أزمة الحكم الراهنة وعاهاتها في “ضرورة أن يكون الرئيس مسيحياً قوياً” ليس سوى صياغة خادعة يريد اصحابها نسف “اتفاق الطائف” ومعه “التوافقية” و”الميثاقية” لمصلحة نظام حكم يغلّب فئة على فئة، إثباتاً لغلبة طرف اقليمي على آخر. فهذا هو المطلوب من “المرشح القوي” الذي يقول “حزب الله” إنه مرشحه الوحيد.

Related posts

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار