تتزايد الشركات المتعثرة يوماً بعد يوم، وخلال عامين فقط تم إغلاق (1500) مصنع وتسريح (8) آلاف عامل ، وهناك (400) منشأة أخرى مهددة بالإغلاق،هذا إضافة إلى مئات أخرى على مدى السنوات المنصرمة، تقترب القيمة الاستثمارية الإجمالية لها من (2000) مليون دينار.و كانت الأصوات والاستغاثات تتعالى بين الفينة والأخرى من المستثمرين و الاقتصاديين و الخبراء تطالب الحكومة بالتدخل للمساعدة أو الإنقاذ. و لكن دون تجاوب أبدا. ما الذي يقنع الحكومة أن هذا وضع خطير لا يجوز أن يستمر ؟ ما الذي يقنع الحكومة أن مساعدة المصانع و الشركات والمنشآت المتعثرة على الخروج من عثراتها واجب وطني،وهو أسهل بكثير من بناء منشآت جديدة مماثلة ؟ ما الذي يقنع الحكومة أن حل مشكلات المستثمر حتى لا يحمل استثماره ويرتحل إلى بلد آخر أسهل بكثير من إقناع مستثمر جديد للقدوم إلى البلاد ؟ وما الذي يقنع الحكومة أن الاقتصاد الحديث هو التصنيع و الصناعة، وهو المنشآت الصغيرة والمتوسطة والكبيرة معا؟ إن الظروف السياسية الملتهبة والمعقدة التي تمر بها المنطقة دون معرفة نهاياتها، تترك انعكاسات اقتصادية واجتماعية سلبية للغاية،و علينا التعامل معها. ولعل إغلاق الأسواق العراقية والسورية واللبنانية نتيجة للصراعات في سوريا والعراق قد وضعت المنتج الأردني في أزمة حقيقية. فالصادرات إلى هذه البلدان تراجعت ،و العراق الذي يشكل ثاني أكبر سوق تصدير للأردن لم يعد آمنا، فتوقفت الصادرات إليه تقريبا. وهنا على الدولة أن تأخذ زمام المبادرة وتتخذ الخطوات اللازمة للمحافظة على الإنتاج المحلي بكل الوسائل حتى تعوض تراجع الصادرات. إن أرقام البطالة التي نشرتها دائرة الإحصاءات العامة تثبت مرة تلو المرة أن قدرة الاقتصاد بوضعه الحالي على توليد فرص عمل قدرة محدودة. فالبطالة تقترب من 13% ، وهو الرقم الذي تتأرجح حوله منذ 20 عاما. والبطالة أعلى لدى الحاصلين على شهادات الثانوية و ما فوقها . وهي أعلى بين الشباب حيث تصل أكثر من 18% ،في حين أنها في المحافظات أعلى من العاصمة. هل يمكن أن تقتنع الحكومة أن بنية الاقتصاد الوطني كما هي الآن، وبنية الإدارة الحكومية، لا تستطيعان أن تستوعبا من قوى العمل إلا ما لديها الآن أي 40% للإدارة الحكومية و35% للقطات الاقتصادية المختلفة و10% للإغتراب و 13% متعطلين و 2%بين بين. إن بعضا من البلدان الناهضة نظرت إلى الأزمات المزمنة على أنها نوع من التحدي، وعملت على توظيف ظروف الأزمات المحيطة بها، لإعادة بناء اقتصاداتها في اتجاه مزيد من الإعتماد على الذات من خلال الصناعة الوطنية و التصنيع. وهذا ما يتوجب إدراكه، إذا كان موضوع فرص العمل وزيادة دخل الفرد ومواجهة تكاليف المعيشة التي يتكبدها المواطن، تقلق الحكومة وتدفعها إلى التفكير في البحث عن حلول . إن المساعدات والقروض والهبات والمعونات لا تغير من جوهر الأوضاع الاقتصادية أبدا، لأنها السمكة التي يتم استهلاكها في وجبة واحدة،و لكن ما تحتاجه البلاد هو المشاريع الإنتاجية التي تعلم الصيد و تتيح الفرصة للحصول على كل الاحتياجات . إن الاقتصاد لا يمكن أن يتغير تلقائياً وبدون دخول المؤسسات الرسمية، كشريك مساعد وليس كمتحكم، وكمشجع وليس كمعطل، ومتعاطف وليس لا مبالي. و لا يمكن أن تتغير بنية الإقتصاد دون مشاريع إنتاجية كبرى و دون مشاركات القطاعات الأربعة: الرسمي والخاص و والأهلي (الثالث) والعلمي التكنولوجي(الأكاديميا). لقد كثرت المطالبات بإعادة إنشاء “بنك للإنماء الصناعي”، فمتى تأخذ الحكومة زمام المبادرة لتكون شريكا في شركة مساهمة عامة لهذا الغرض؟ كذلك فإن الحاجة تتزايد بقوة لإقامة “بنك تنمية المحافظات”، و “وزارة تنمية المحافظات”، إذا أردنا للمحافظات أن تخرج من أزمة الفقر والبطالة التي تعانيها منذ سنين، و تتحول إلى كتل إقتصادية فاعلة. و لكن لا شيء يتحقق إلا الوعود والأماني . وأخيراً . هل يمكن للحكومة أن تضع برنامجاً بالتعاون مع العلماء والخبراء” لتحويل الأزمة في المنطقة إلى فرصة انطلاق للإقتصاد الوطني” ؟ هل يمكن تحويل جزء من المستوردات التي تعدت 12 مليار دينار إلى صناعات وطنية ؟ هل يمكن النظر إلى الخسائر الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على البطالة وانعدام فرص العمل المستحدثة بسبب غياب المشاريع الجديدة وتعويض هذه الخسائر عن طريق تمويل جزئي للمشاريع التي ينبغي القيام بها حسب الإمكانات التكنولوجية والميزة التنافسية وفق رؤية واعية تهدف إلى تصنيع الإقتصاد وتخفيض المستوردات و تحويل المحافظات إلى مراكز إنتاج نشطة؟ هل يمكن التعامل مع إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة من خلال خطة وطنية طويلة المدى تقوم على الشراكة والتأهيل و التثقيف و التعويض الإجتماعي؟ الأسئلة كثيرة ، وعدم الإجابة عليها والتجاوب مع متطلباتها يعني استمرار الاعتماد على المساعدات والقروض ويعني استمرار المعاناة للمواطن والإحباط لدى الشباب في حين أنهم ينتظرون بناء مستقبلهم بطريقة أفضل.