علي بدوان/مأساة مخيم حندرات الفلسطيني

بات فلسطينيو سوريا، العنوان الأبرز للمنسيين من ضحايا الأزمة الداخلية السورية. هذا الكلام ليس تردادًا لموقف منحاز لطرف أو لآخر كما يعتقد المُتسرعون الذين لا يقرؤون بين السطور، واعتقدوا بأن على الفلسطينيين اللاجئين في سوريا أن يكونوا طرفًا في أزمة دموية ساحقة باتت تهدد وجود سوريا بأسرها كدولة وككيان وكجغرافيا موحدة، بل هو إشعار وإعلاء للصوت العالي من أجل إنقاذ فلسطينيي سوريا في عموم مناطق تواجدهم (مخيمات + تجمعات) فوق الأرض السورية بعد أن باتت معظم تلك المناطق تحت النار المُشتعلة، فيما يتساقط كل يوم الشهداء من أبناء فلسطين.
مخيم حندرات، واحد من تلك المخيمات الفلسطينية في سوريا التي تعرضت لنكبة جديدة عندما غادره جميع مواطنيه باتجاه التشرد والضياع في مناطق مدينة حلب المُختلفة، حيث أقيمت لهم على عجل مساكن مؤقتة في المدينة الجامعية، بينما ذهب بعضهم نحو بعض قرى ريفها مثل (تل قراح) و(المسلمية) و(تل جبين) و(دوير الزيتون) و(منبج) بعد المعارك الطاحنة التي حرقت الأخضر واليابس، ولم تترك الناس في حياتهم العادية، وقد هجره كامل سكانه تقريبًا بعد أن قَدَّموا في اليوم الأول من الخروج منه خمسة عشر شهيدًا وعددًا كبيرًا من الجرحى نتيجة الاشتباكات. وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) قد أصدرت بيانا أدانت فيه عمليات التشريد الجماعي للاجئين الفلسطينيين في سوريا، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها مخيم حندرات. وقالت الأونروا في بيان لها “يتعرض اللاجئون الفلسطينيون في سوريا للقتل وللإصابة وللتشرد بأعداد أكثر من ذي قبل، وذلك في الوقت الذي يستمر فيه النزاع المسلح بإرباك مخيمات اللاجئين في كافة أرجاء البلاد”. وتقدر وكالة الأونروا أن ما يقارب من (235.000) لاجئ فلسطيني تم تشريدهم داخل سوريا قائلة في بيانها المشار إليه أعلاه، إنها “تشعر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين بالقلق تحديدًا حيال الأنباء التي تم تأكيدها اليوم والمتعلقة بتشريد حوالي ستة آلاف فلسطيني يوم الـ26 من أبريل ـ نيسان من مخيم حندرات، وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين يقع على بعد حوالي اثني عشر كيلومترًا من مدينة حلب شمال سوريا”.
فأين يقع مخيم حندرات للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وماذا يميزه عن غيره من مخيمات الشتات..؟
يقع المخيم شمال شرق هضبة حلب، وعلى الطريق المؤدي للمسارب المتجهة نحو تركيا، وعلى مرتفع صخري، وعلى مسافة ثلاثة عشر كيلومترًا عن وسط المدينة يقع مخيم (حندرات) للاجئين الفلسطينيين أو مخيم (عين التل) أبعد مخيم فلسطيني في سوريا عن أرض فلسطين، فيما بعض المخيمات الفلسطينية الواقعة في ريف دمشق ومنها مخيم (خان الشيح) تُبعُدُ أقل من (40) كيلومترًا عن حدود فلسطين الشمالية عن الوطن الأم سوريا.
مخيم حندرات، أو مخيم (عين التل) عاش في الأشهر الأخيرة، وفي ظل الأزمة الداخلية في سوريا وبالأخص منها ما يجري في مدينة حلب، حالة صعبة مع استمرار الأعمال العنيفة والعسكرية على محيطه وحتى داخل بعض أحيائه قبل أن يُغادره كامل سكانه، وقد سقط عدة عشرات من أبناء المخيم شهداءً في المعارك، حاله كحال معظم المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية.
أقيم مخيم حندرات عام 1962 حين استأجرت الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا من الحكومة السورية أراضي (تل حندرات) وعلى مساحة تقارب (200) دونم، ووزعتها على اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين في بعض القرى والبلدات الحلبية مثل قرى (تل رفعت) و(منبج) و(الباب) و(إعزاز)، ولتخفيف الاكتظاظ عن مخيم النيرب الواقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة حلب. ويقدر حاليًّا عدد اللاجئين الفلسطينيين في المخيم وفق معطيات وكالة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) بنحو (6000) لاجئ فلسطيني، فهو أصغر المخيمات الفلسطينية في سوريا تقريبًا من حيث عدد السكان، بينما تشير مصادر الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا بأن عدد سكان مخيم حندرات يقترب من (8000) لاجئ فلسطيني.
يعود معظم سكان المخيم في أصولهم الفلسطينية إلى قرى تتبع مدن حيفا وصفد وعكا بشكل رئيسي في فلسطين المحتلة عام 1948، مثل قرى وبلدات: كفرلام، إجزم، عين غزال، الزيب، طيرة حيفا، ترشيحا، النهر، البروة (بلدة الشاعر محمود درويش)، وقرى سهل الحولة (الزوية والخالصة) وقرية حطين قضاء طبريا.
تُشرف وكالة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) على المخيم من النواحي الثلاثة الإغاثة الاجتماعية والصحة والتعليم، بالرغم من عدم اعترافها به كمخيم مثل مخيم النيرب في حلب على سبيل المثال. وقد نجحت وكالة الأونروا في تشييد وحدات سكنية قبل عدة سنوات لإيواء عشرات العائلات من أبناء المخيم، كما نجحت في رسالتها التعليمية على وجه الخصوص.
مخيم حندرات، لحق الآن بمن سبقه من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا التي بات معظم سكانها ومواطنيها مهجرين ومنتشرين على قوس واسع، كمخيم اليرموك ومخيم درعا ومخيم السبينة ومخيم الحسينية، فيما الأخطار تحيق بعدد آخر من المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية ومنها مخيم (خان الشيح) الواقع في ريف دمشق، ومخيم النيرب قرب مدينة حلب، ومخيم العائدين في مدينة حماة.
إنها التراجيديا المأساوية لرحلة النكبات الفلسطينية المتتالية. فقد آن للشعب الفلسطيني وللاجئيه في دياسبورا المناي والشتات أن يستريح قليلًا، وعلى الجميع في سوريا أن يعملوا على تحييد مناطق التواجد الفلسطيني (مخيمات + تجمعات) كما قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيانٍ لها قبل أيام، وكما أجمعت كل القوى الفلسطينية من أقصاها إلى أقصاها. فاللاجئون الفلسطينيون في سوريا معنيون بهمومهم الأساسية وببوصلتهم المشدودة باتجاه فلسطين. فالجامع الأساسي بين فلسطينيي سوريا هو السائد في تقرير الموقف العام وبإجماع وطني فلسطيني يقول بأن دور الفلسطينيين في سوريا هو دور إطفائي وإيجابي على صعيد البلد ككل.

Related posts

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار

انشاء سوق طوعي لأرصدة الكربون قد يساعد شباب ريادة الأعمال على إيجاد فرص عمل* د. حازم الناصر