خليل العناني/”عاصفة الحزم” بين الحسم العسكري والحل الدبلوماسي

أكثر من أسبوعين مرا على بدء “عاصفة الحزم” ولا يبدو في الأفق أي حل سياسي للأزمة اليمنية. فبالرغم من استمرار عمليات القصف الجوي ضد مواقع الحوثيين ومليشيات الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح خاصة في صنعاء وعدن، فلا يبدو أن الحسم العسكري سيكون أمرا سهلا أو يمكن تحقيقه في الأمد المنظور. في المقابل، ثمة تحركات دبلوماسية محمومة من جميع الأطراف الإقليمية من أجل تحقيق اختراق سياسي في جدار الأزمة وتحقيق مكاسب معينة.

الحسم العسكري
تمثل الهدف الرئيسي لعملية “عاصفة الحزم” التي انطلقت في 26 مارس/آذار الماضي في وقف تمدد الحوثيين نحو مدينة عدن، حيث كان يقيم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد خروجه من صنعاء، ودفعهم للعودة إلى طاولة الحوار مرة أخرى، وذلك بعد أن رفضوا وانقلبوا على الشرعية في اليمن، وسعوا لفرض أجندتهم السياسية على بقية الفرقاء السياسيين.

ومع تطور العمليات العسكرية أصبح الهدف هو نزع سلاح الحوثيين وضمان عدم حصولهم على السلاح مرة أخرى، وذلك قبل أن تتم دعوتهم إلى طاولة الحوار مجددا. وبينما تدور رحى الحرب بين قوات التحالف من جهة، وبين جماعة الحوثيين ومليشيات صالح من جهة أخرى، تتضاءل فرص الحل السياسي والخروج من الأزمة الراهنة.
ورغم الضربات الموجعة التي تعرضت لها القواعد العسكرية للحوثيين خاصة في صنعاء وعدن، فثمة مقاومة شرسة تمارسها قوات صالح وبعض جيوب الحوثيين. وقد غيّر الحوثيون تكتيكهم العسكري، حيث تراجعوا ونقلوا معاركهم من المدن الكبيرة ومن المواقع الساحلية نحو المحافظات والمدن الأصغر مثل شبوة ولحج وعتق.

وفي الوقت الذي تحاول فيه القبائل ولجان المقاومة الشعبية في عدن وغيرها من المدن التصدي لتوغل قوات الحوثيين ومليشيات صالح، فإن الهدف الآني لعمليات “عاصفة الحزم”، حسبما صرح المتحدث باسمها العميد أحمد عسيري، هو العمل على عزل الحوثيين في أماكن محددة خاصة في عدن، وقطع الإمدادات عنهم من أجل دفعهم للاستسلام والتراجع. ومع تزايد الضربات الجوية وزيادة الضغط العسكري، فقد بدأت الانشقاقات تظهر في معسكر الحوثيين-صالح، وهرب العديد من قادة المليشيات التابعة للأخير. وبوجه عام يمكن القول إن المعركة العسكرية لن تُحسم بسهولة أو في وقت قريب.

الهجوم البري
بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع على بدء عملية “عاصفة الحزم” تبدو المعركة حامية الوطيس بين الطرفين، فقد تم القيام بحوالي 1200 غارة بمعدلات مختلفة تراوحت بين 35 و120 غارة يوميا، ورغم ذلك لم يحدث تحول نوعي أو مفاجئ في موازين المعركة على الأرض وبشكل يدفع الحوثيين وصالح للاستسلام والرضوخ.

لذا فإن مسألة التدخل البري تبدو أمرا مهما من أجل حسم المعركة على الأرض، ولكن اللجوء لهذا الخيار لا يزال محل دراسة وربما خلاف داخل قوات التحالف. فمن جهة لم تنجح السعودية في إقناع باكستان بإرسال قوات ومقاتلات للمساعدة في الحرب على الحوثيين. صحيح أن هناك التزاما باكستانيا بالدفاع عن المملكة في حال وجود أي تهديد خارجي لها ولأراضيها، لكن البرلمان الباكستاني قد صوّت بالإجماع على عدم إرسال قوات هجومية واتخذ موقف الحياد من الحرب الدائرة في اليمن.

ومن جهة ثانية، فإن التزام بعض الدول بإرسال قوات برية إلى اليمن لا يزال محل نقاش وخلاف داخلي. فعلى سبيل المثال فإن الموقف المصري يشوبه كثير من الغموض والتخبط بشأن إمكانية إرسال قوات برية، وهو ما عبرت عنه تصريحات الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي أدلى بتصريحات متناقضة بشأن مدى التزام مصر بإرسال قوات برية إلى اليمن.
ومن جهة ثالثة، ثمة تساؤلات كثيرة بشأن طبيعة المهام والمدة الزمنية التي قد يستغرقها أي هجوم بري في اليمن. والأمر لا يتعلق فقط بالمسائل العسكرية واللوجستية والفنية، ولكن بمدى قبول الشعب اليمني بتواجد قوات أجنبية على أرضه.

صحيح أن قطاعا كبيرا من اليمنيين يبدو مؤيدا لعمليات “عاصفة الحزم”، لكن بدون وجود خطة واضحة ومحددة الأهداف بشأن المدى الزمني وأهداف التدخل البري، قد يدفع البعض إلى رفضه وعدم الترحيب به، لذا تبدو مسألة التدخل البري شديدة التعقيد وذات حساسية عالية ومرتفعة التكاليف.

حرب دبلوماسية
بموازاة العمليات العسكرية في اليمن، فإن “حربا” دبلوماسية تجري على الساحتين الإقليمية والدولية، ذلك أن إحدى النتائج الرئيسية لعملية “عاصفة الحزم” أنها قامت بخلط الأوراق الإقليمية وأعادت تعريف أوزان القوى المؤثرة بها. فالمعركة قد أشعلت نوعا من “الحرب الباردة” بين السعودية وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى.

من هنا كان دخول إيران على خط الأزمة واستخدامها لغة ولهجة تؤكد تورطها في الصراع اليمني ودعمها الحوثيين أمرا متوقعا. ويبدو أن طهران قد فوجئت بعملية “عاصفة الحزم” وجرأتها وقدرتها على حصد تأييد دولي وإقليمي أصاب طهران بقدر من عدم الاتزان، خاصة أن العملية جاءت وسط انشغال إيران بمفاوضات ملفها النووي مع القوى الغربية في مدينة لوزان. ولكن بعد توقيع الاتفاق المبدئي في الثالث من أبريل/نيسان الجاري، صعدت طهران لهجتها ولغتها.

فقد شن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي هجوما ضاريا على السعودية، وشبه أفعالها في اليمن بما يفعله “الكيان الصهيوني في غزة”. في حين استخدم قائد الجيش الإيراني عطا الله صالحي لغة مشينة ومبتذلة في مهاجمة السعودية، وذلك بعدما اتهم عسيري طهران بتدريب عناصر من الحوثيين.

ولم تكتف طهران بالهجوم على السعودية، وإنما قامت بتحريك سفينتين باتجاه خليج عدن ومضيق باب المندب بحجة “حماية المصالح الإيرانية هناك”، وهو ما رآه البعض استفزازا واضحا وصريحا للسعودية، ودعا العميد عسيري للقول إن قوات التحالف تحتفظ بحق الرد على أي محاولة إيرانية لتزويد الحوثيين بالسلاح. بل وصل الأمر إلى أن هدد قائد القوات البرية الإيراني العميد أحمد رضا بوردستان السعودية “بتفجيرات في الرياض”.

كما سعت إيران للضغط على بعض الدول المشاركة في “عاصفة الحزم” مثل باكستان من أجل إقناعها بعدم إرسال قوات برية إلى السعودية، والتوقف عن المشاركة في العمليات العسكرية الدائرة، وحاولت تحييد تركيا ودفعها بعيدا عن التحالف مع السعودية وهو ما وضح خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إيران مؤخرا.
فرص الحل السياسي
الحرب هي السياسة لكن بطريقة أخرى، لذا فإن الهدف النهائي لعملية “عاصفة الحزم” هو التوصل لتسوية سياسية في اليمن تضمن تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولها إعادة الشرعية متمثلة في عودة الرئيس هادي إلى السلطة في صنعاء. وثانيها نزع أسلحة الحوثيين واستئناف نشاطهم السياسي كفصيل مدني منزوع السلاح. وثالثها معاقبة الرئيس المخلوع صالح على نقضه اتفاقه مع شركائه الخليجيين.

لذا تحاول الأطراف الخليجية استصدار قرار من مجلس الأمن يمكنه تحقيق ذلك، ولكن ثمة ممانعة روسية في هذا الصدد، ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة نشاطا دبلوماسيا من أجل فرض حظر سلاح على الحوثيين وإقناعهم بالتخلي عن انقلابهم والعودة للحوار.

في الوقت نفسه، ثمة جهود دبلوماسية تقوم بها بعض الأطراف والدول -خاصة قطر- وذلك من أجل البحث عن مخرج للأزمة اليمنية وإعادة الأطراف إلى طاولة الحوار. وكانت الدوحة قد أبدت استعدادها لاستضافة الحوار اليمني الذي دعا إليه المبعوث الأممي جمال بن عمر قبل بدء عملية “عاصفة الحزم”، وتبدو الزيارة الأخيرة لأمير قطر للرياض جزءا من محاولة البحث عن حل سياسي للأزمة في اليمن.

إن أي خيار أو حل سياسي للأزمة اليمنية لا بد أن يمر بتسوية إقليمية بين هذه الأطراف عاجلا أم آجلا، لذا لم يكن غريبا أن تصاحب عملية “عاصفة الحزم” جهود دبلوماسية محمومة قامت بها كل الأطراف المتنازعة من أجل حسم المعركة والخروج بأقل قدر من الخسائر.

وفي ظل اختلاط أوراق اللعبة الإقليمية في ما يخص الأزمة الحالية في اليمن، فإنه من الصعب تصور إمكانية التوصل لحل يرضي جميع الأطراف. ودون قيام هذه الأطراف بمراجعة حساباتها وتقديم بعض التنازلات الحقيقية، فإنه من غير المتوقع أن نرى نهاية قريبة للأزمة أو لغارات “عاصفة الحزم”.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري