صُوَر عبدالملك الحوثي في بغداد كما في طهران، تذكّر برفع صور الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد ومرشد «الجمهورية الإسلامية» علي خامنئي في بيروت، على تخوم الضاحية الجنوبية.
لدى المرشد وكل أجنحة نظامه، بات عبدالملك في مصاف «المظلومين»، لذلك يستحق الدعم بالمال والرجال والسلاح. وتُكرِّر طهران أن ما تفعله لا يتعدى استجابة الاعتبارات «الإنسانية والأخلاقية»… وأنها لا تتدخّل في شؤون الدول العربية، لكنها بالمرصاد لـ «المستكبرين».
حين انقلبت الموازين في اليمن، بفعل «عاصفة الحزم»، وفوجئت جمهورية المرشد بالتدخُّل العسكري لدول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، بات كل المطلوب وقف ضربات التحالف العربي، وأضحت طهران داعية «حوار وسلام». والحال أنها لم تفوِّت فرصة منذ بدء التدخل العسكري إلا واستغلتها في حرب دعائية تتلاعب بالحقائق.
لا تذكر إيران الوقائع التي سبقت «عاصفة الحزم»، حتى يكاد المرء يظن أن من اعتَقَلَ وزراء الحكومة في صنعاء هو الرئيس عبدربه منصور هادي الذي بادر بعدها إلى الاعتكاف، فارضاً إقامة جبرية على نفسه! وتتجاهل طهران أن الذين أغلقوا باب الحوار هم الذين مارسوا نهجها بأمانة، فاتهموا الرئيس اليمني بالخيانة، وطاردوه إلى عدن، بعدما خصصوا مكافأة لمن يساعد في اعتقاله.
وتجاهلت جمهورية المرشد قبل كل ذلك، ابتزاز جماعة عبدالملك السلطة الشرعية خلال جلسات الحوار، فكانت كلما تحقَّق مطلبٌ لها، تُجمِّد الحوار وتطلب المزيد.
بعد فرض التحالف العربي حصاراً جوياً- بحرياً، يحول دون تهريب الإيرانيين السلاح والصواريخ إلى «المظلومين» أنصار الحوثي، السؤال الآن هل يستسلم الحوثيون ويتخلّون عن السلاح، شرطاً لتأهيلهم للحوار، ووقف عملية «عاصفة الحزم»؟ والسؤال يجرّ آخر، حول التحريض الإيراني على السعودية، والتهديدات المبطّنة لدول المنطقة التي باغتت طهران ومنعتها من تكريس سلطة وحيدة في اليمن، لحلفائها الحوثيين «المظلومين» الذين كادوا ان يهددوا الحدود السعودية بالصواريخ.
واضح أن الحملات الإعلامية الإيرانية التي تُحذِّر دول الخليج من «عواقب نيران اليمن»، تتصاعد باستمرار، وفي بعضها تهديد بالثأر «في ساحات الجهاد الاستشهادية» كما يقول رئيس منظمة التعبئة في إيران، محمد رضا نقدي.
ان افتراض رغبة إيران في حوار بين اليمنيين يقود إلى تسوية سلمية لأزمة المرحلة الانتقالية في بلادهم، يتطلّب حتماً تهدئة وضغوطاً تمارسها طهران على حليفها، المتواطئ مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي «باع» وحدات من الجيش اليمني لـ «أنصار الله» في سبيل شراء كرسي الرئاسة لنجله.
في المقابل، يجافي الصواب أن طرفاً يزعم ممارسة السياسة في دكان جمعية خيرية مفتوحة لجميع المظلومين في العالم، يهدّئ حليفه التابع ليُفاوض، فيما هو يحرّض ويُصعِّد ويوزِّع الاتهامات. فالأمر وحده قد يكفي دليلاً على ان الضربة الكبرى لـ «عاصفة الحزم» لم تكن من نصيب جماعة الحوثيين بل حليفها الإيراني الذي لا يكلّ عن ترداد «انتصاراته» في المنطقة العربية.
ولا يكلّ الإيراني أيضاً عن تحذير الجميع، خصوصاً العرب- كما فعل هاشمي رفسنجاني أمس- من أن طرح قضايا تثير إشكالات سيؤدي إلى تأجيج نار «الخلافات بين السنّة والشيعة، ويشكّل خطراً على العالم كله». والأهم أن مباغتة إيران بـ «عاصفة الحزم» فيما هي منهمكة بالمفاوضات النووية، مطمئنّة الى قدرة الحوثي على مصادرة قرار صنعاء، قلبت حساباتها.
والأكثر إيلاماً لطموحات «الإمبراطورية» أن يستعيد التحالف العربي المبادرة في المنطقة، فينقذ اليمن، ولا تتكرر تجربة خسارة العراق الذي مهما أرشده المستشار قاسم سليماني ليتخلص من أنياب «داعش»، لن يصدّق أحد أن إيران تريده دولة موحّدة وقوية.
هل يستسلم الحوثيون أمام ضربات «عاصفة الحزم»؟ المشكلة أن حليفهم علي عبدالله صالح ربما بلغ خط النهاية في معركته الأخيرة، وفي سبيلها لا ضير لديه في تحريضهم على المزيد من الرهانات، وإطالة أمد الحرب… والمشكلة أنهم يمارسون معه اللعبة ذاتها، في مركب واحد.