هذا الأسبوع، وتحديداً بعد غد الثلثاء، سيكون برنامج إيران النووي على مشرحة الكونغرس الأميركي كما لم يكن في أي مرة من قبل، منذ أصبح هذا البرنامج هماً دائماً للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أكثر من عقد من الزمن، ومنذ بدأت المفاوضات الأميركية والغربية المعقدة مع طهران لحلّ مشكلة هذا البرنامج.
لقد احتاجت العلاقة الخاصة بين أميركا وإسرائيل إلى الخلاف القائم حالياً حول برنامج إيران النووي لتتعرض لهذه الانتكاسة التي تمثل سابقة في علاقات البلدين، تشير إليها الاتهامات المتبادلة بينهما في شأن المواقف المتناقضة من هذا البرنامج.
بنيامين نتانياهو سيحمل الهمّ الإيراني إلى منصة الكونغرس خلال زيارته الاستثنائية إلى واشنطن وخطابه المثير للجدل أمام أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب. زيارة وخطاب لم يسبق لهما مثيل طوال التاريخ الطويل من العلاقات الخاصة الأميركية الإسرائيلية. فهذه من المرات القليلة، وربما كانت المرة الوحيدة، التي يزور فيها رئيس حكومة إسرائيل الولايات المتحدة، من دون أن يجتمع خلالها مع الرئيس الأميركي. وهذه أيضاً المرة الأولى على الإطلاق التي يقف فيها رئيس وزراء إسرائيل فوق منصة الكونغرس، محسوباً على أحد أطراف الصراع الحزبي الأميركي، أي الحزب الجمهوري، متجاوزاً بذلك حرص إسرائيل التقليدي على المحافظة على العلاقات مع الحزبين، مهما كان الانتماء الحزبي لرئيس حكومة إسرائيل، وأياً كان الحزب الذي يحتل البيض الأبيض.
منذ وجه رئيس مجلس النواب جون بونير الدعوة إلى نتانياهو لمخاطبة الكونغرس في شأن برنامج إيران النووي، أثارت هذه الدعوة جدلاً وانقساماً حادّين بين مؤيدي الدولة العبرية في العاصمة الأميركية. طرف منهما يرى أن لا مصلحة لإسرائيل في الدخول في مواجهة كهذه مع الإدارة الأميركية، لأنها تستعدي قسماً كبيراً من الأميركيين على الدولة العبرية، وهو الحزب الديموقراطي الذي تنتمي إليه أكثرية اليهود الأميركيين. أما الطرف الثاني فيرى أن المغامرة التي يرتكبها أوباما في الاتفاق الذي يزمع التوصل إليه مع إيران هي مغامرة خطرة على أمن إسرائيل، وتستحق بالتالي المواجهة التي يقوم بها نتانياهو مع أوباما أمام ممثلي الشعب الأميركي.
عبّر جون كيري وزير الخارجية وسوزان رايس مستشارة أوباما للأمن القومي عن الموقف الأول بوضوح. كيري اعتبر نتانياهو مخطئاً في تقييمه للمفاوضات الجارية مع إيران. أما رايس فقالت إن ما يقوم به رئيس وزراء إسرائيل سيؤدي إلى تخريب عميق للعلاقة الخاصة التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة.
غير أن نتانياهو يرى أن هناك ما يستحق المخاطرة بهذه العلاقة التاريخية ويقول: أنا أحترم البيت الأبيض ورئيس الولايات المتحدة. لكن في قضية مصيرية كهذه، يمكن أن تحدد إذا كنا سنبقى على قيد الحياة، عليّ أن أفعل كل شيء لتجنيب إسرائيل هذا الخطر.
وهكذا يتهم نتانياهو إدارة أوباما بالتفريط بمصلحة إسرائيل وبأمنها لمصلحة دولة أخرى تعتبر تقليدياً معادية لمصالح أميركا، ليس حيال إسرائيل فقط، بل لمصالح أميركا في منطقة الشرق الأوسط كلها. ومثل هذا الاتهام لا يدين فقط جهل أميركا بحقيقة النوايا الإيرانية، بل يتجاوز ذلك إلى إدانتها بوضع رغبتها بالتعاون مع إيران في أزمات المنطقة فوق المصلحة الإسرائيلية المباشرة.
من الصعب تقييم زيارة نتانياهو وخطابه أمام الكونغرس بعيداً عن علاقته الصعبة مع إدارة أوباما منذ وصوله إلى البيت الأبيض. بهذا المعنى يمكن القول إن تشريح نتانياهو لسياسة أوباما يتجاوز الخلاف حول إيران، خصوصاً أن الاتفاق الموعود معها ليس في الأفق حتى الآن. إنها زيارة انتخابية لتحريض الأميركيين وممثليهم على رئيسهم. لكنها أيضاً جزء من حملة نتانياهو الانتخابية ليظهر للإسرائيليين أنه أكثر السياسيين حرصاً على أمنهم … ولو اقتضى ذلك مواجهة مع سيد البيت الأبيض.