يتدحرج اليمن نحو حرب مفتوحة بعد سيطرة الحوثيين على البلاد، دون أي قتال يذكر مع أي قوة محلية هناك، فلا جيش ولا تنظيمات ولا أحزاب، وظهر الحوثيون كقوة وحيدة مهيمنة باستثناء بعض المقاومة من مقاتلي القاعدة والقبائل، وهي مقاومة ضعيفة ومهلهلة ولا قيمة لها من الناحية الإستراتيجية حتى الآن على الأقل.
يبدو أن الحوثيين “يسكرون” بالانتصارات التي حققوها، وهي انتصارات حقيقية وملفته وكبيرة، ولابد من الإقرار أنهم تعاملوا بشكل مثالي مع انتصاراتهم، بحيث سيطروا على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر من العام الماضي دون أن يسيطروا على السلطة كلها ودون الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وبالتالي ضمنوا السيطرة على البلد دون تحمل أي أعباء تجاه المواطنين، فهناك رئيس يفترض أن يكون مسؤولا عن إطعامهم وتوظيفهم وتأمين الخدمات لهم. وهو ما أراح الحوثيين من “وجع الرأس” والدخول في مواجهة مباشرة مع المطالب اليومية للناس.
لكن الحوثيين الذين أسكرتهم نشوة النصر بدأوا يفقدون السيطرة على أنفسهم تماما، وانتقلوا من مرحلة السيطرة “شبه الكاملة” على الدولة إلى “السيطرة الكاملة” بعد خطفهم لمدير مكتب الرئيس أحمد عوض بن مبارك يوم السبت الماضي، وبعد ذلك السيطرة الكاملة على الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الإعلامية ودفع مقاتليهم إلى محاصرة مقر الرئيس ومسكنه، الأمر الذي يعني من الناحية العملية انتهاء “المرحلة الانتقالية” للحوثيين وصولا إلى حكم اليمن وإدارته بشكل مباشر، بعد اقتحام الوزارات والإدارات العامة ومصادرة الأختام والسيطرة على البلديات والمعسكرات ونشر مقاتليهم في الشوارع وتشكيل ما يسمى “اللجان الشعبية” وإدارة القضاء والمحاكم.
هذه القوة الكبيرة وهي عبارة عن مليشيا قبيلة دينية في الوقت نفسه ذهبوا إلى أبعد من السيطرة، إذ أعلنوا أن “احتجاز بن مبارك جاء خطوة اضطرارية بسبب محاولة تمرير ما وصفتها بالتجاوزات في مسودة الدستور الجديد، وحذروا الرئيس اليمني مما أسموه “الاستمرار في أن يكون مظلة للفساد والإجرام” ودعوه إلى “أن يدرك حساسية الوضع حتى لا يكون مظلة لقوى الفساد والإجرام”.
وأكد القيادي الحوثي محمد البخيتي أن خطف بن مبارك، جاء على خلفية ما وصفه بإصرار الجهات الأخرى على تمرير مسودة الدستور التي تنص على تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، وهو ما يرفضه الحوثيون.
وإذا كان الحوثيون هم سادة الميزان داخليا، فإن القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، سلمتهم اليمن على طبق من ذهب، فقد لعبت كل التشابكات الخارجية من أجل تهيئة الظروف لصالح الحوثيين، فإيران ربحت اليمن بأقل التكاليف عن طريق الحليف الأيديولوجي والسعودية كان همها القضاء على الإخوان المسلمين هناك، وأمريكا مشغولة بمحاربة القاعدة، والقبائل المعارضة للحوثيين عبارة عن “كيانات” هشة لا يوجد بينها أي رابط حقيقي، باستثناء بعض المكاسب أو الامتيازات التي تتمتع بها، وهذا ما ساعد الحوثيين على بسط نفوذهم على اليمن والتحكم بمجريات الأمور هناك.
الأكيد أن سيطرة الحوثيين “الهادئة” على اليمن لن تطول كثيرا، فالقوى المضادة والمعارضة للحوثيين لابد أن تتحرك للحفاظ على مكتسباتها على الأقل، وهو ما يعني الذهاب إلى حرب أهلية شاملة على الطريقة الصومالية أو اللبنانية، فاليمن على موعد مع الصوملة أو اللبننة.