علي بدوا ن/خطوات بالاتجاه الصحيح .. ولكن

خطوات إيجابية على الطريق الصحيح حتى لو كانت متأخرة جدًّا، تلك الخطوات التي تتالت وتحدثت عن الاعتراف الأولي من قبل العديد من البرلمانات الأوروبية الغربية بالدولة الفلسطيني حال قيامها. وكان أهمها الواقعة التي جاءت من خلال تأييد النواب البريطانيين في غالبية ساحقة الاعتراف بدولة فلسطين خلال التصويت في مجلس العمومي البريطاني. حيث اعتراف المجلس العمومي البريطاني بدولة فلسطينية هي بمثابة توصية من المجلس للحكومة للاعتراف بدولة فلسطينية تعبيرًا عن دعم الرأي العام البريطاني بشكل عام بضرورة إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. فيما أعلنت الحكومة البريطانية “أنها تحتفظ بحقها في الاعتراف بفلسطين كدولة، واتخاذ قرار مستقل فيما يتعلق بموعد استخدام هذا الحق”.
حكومة نتنياهو قلقلة من تلك التحولات في المواقف الأوروبية، حتى وإن كانت تحولات وخطوات مشروطة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وأعلنت حكومة نتنياهو “أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يجب أن يتم فقط نتيجة لمفاوضات السلام” (لاحظوا مفاوضات السلام وليس مفاوضات التسوية). فلم يَكد قادة حكومة نتنياهو ليَصحو من خطوة دولة السويد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، حتى جاءتهم خطوة غير محسوبة على الإطلاق، من خلال تصويت مجلس العموم البريطاني وبأغلبية ساحقة هذه المرّة، زاد على (274) عضوًا ولم يعارضه سوى قلّة لا تتعدّى (12) عضوًا بالدعوة للاعتراف بالدولة الفلسطينية… وصولًا لبرلمانات العديد من الدول الأوروبية.
المهم هنا، أن الخطوات الأوروبية، تُعَبّر عن الانزياح الإيجابي المُتتالي (ولو كان بطيئًا) في مواقف الجمهور والرأي العام في عموم دول غرب أوروبا من القضية الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني، وتأتي في سياق القناعة التي تتشكل كل يوم، بالدعوة لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته، بعد عقودٍ مضنية من مسار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وانطلاقًا من أن مسار التسوية المتعثرة في الشرق الأوسط لا يمكن له أن ينطلق دون الوصول لدولة فلسطينية وتجسيدها فوق الأرض المحتلة عام 1967 وحل قضية اللاجئين بشكلٍ عادل.
إنها لحظة التقاط الحقيقة التي طالما حاولت العديد من دول الغرب الأوروبي القفز عنها وتجاهلها من خلال مواقفها الداعمة للدولة الصهيونية على طول الخط خلال عقود الصراع الطويلة في المنطقة، حيث بدأ الأوروبيون وتحديدًا دول الغرب الأوروبي، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، وتحديدًا منذ انفجار واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى نهاية العام 1987، يدركون بأن طريق التسوية في المنطقة لا يمكن أن يتم دون الاعتراف العملي بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلّة ذات سيادة في حدودٍ مُعترف بها دوليًّا، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفق منطوق قرارات الشرعية الدولية التي قَبِلَ بها الفلسطينيون بالرغم من الإجحاف الكبير الذي تُلحقه بحقوقهم التاريخية على أرض وطنهم فلسطين.
والآن، وبعد مشوارٍ طويل من المفاوضات المختلة والبعيدة عن التوازن، بدأت العديد من مصادر القرار الأوروبي، بما في ذلك من داخل دول الاتحاد النافذة، تدرك وتتيقّن بأنّ الطريق نحو التسوية الحقيقية في الشرق الأوسط، وتحديدًا على مسار الصراع الفلسطيني مع الاحتلال “الإسرائيلي”، وطريق قيام الكيانية الوطنية الفلسطينية وتجسيدها على الأرض بدولة مستقلة، ليس الحوار وطاولة المفاوضات غير المتوازنة التي ما زالت تجرجر نفسها منذ العام 1991، والتي تتحكم بها “إسرائيل” متى وكيف شاءت، متلاعبة بمستقبل شعب آن له أن يجني ثمار نضاله عبر العقود الطوال، بل تأتي عبر الجهد الدولي الحقيقي المُتكاتف مع الجهد العربي والفلسطيني لفرض تطبيق قرارات الشرعية الدولية وإلزام إسرائيل بالقبول العملي بها.
لقد جاء الموقف السويدي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كأول دولة أوروبية كبيرة تقدّم على مثل هذه الخطوة، ليُشكّل تحوّلًا ملموسًا في هذا الاتجاه الساعي للتسوية الحقيقية على أساس الشرعية الدولية، والداعي لكسر التعنت في الموقف الأوروبي عند بعض الأطراف النافذة والمقررة في دول الاتحاد، والتي تتناغم في موقفها مع الولايات المتحدة والرؤية “الإسرائيلية” لعملية التسوية مع الفلسطينيين، وهو الموقف الذي افترق عن مواقف الجمعية العامة للأمم المتحدة، حين وافقت على الاعتراف فعليًّا بفلسطين دولة ذات سيادة في العام 2012.
إنّ الدائرة تتسع كل يوم، والقناعة تترسخ أكثر فأكثر في كل الأوساط الدولية، بأهمية الضغط على دولة الاحتلال “الإسرائيلي” وإجبارها على مشروع تسوية يُعلن ميلاد الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس، وتكريس الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين يُشكلون نحو (65%) من التعداد العام لعموم أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
أخيرًا، إن خطوة خطوات بعض البرلمانات الأوروبية، بمثابة رسالة لبقية دول الاتحاد الأوروبي، للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. كما هو خطوة في الاتجاه الصحيح، لصحوة الضمير البريطاني، حيث تتحمل بريطانيا أكثر من أي دولة في العالم المسؤولية الأخلاقية والإنسانية تجاه مأساة الشعب الفلسطيني، مسؤولية تاريخية متواصلة منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917. ولكن تلك الخطوات تبقى محدودة ما لم تترافق مع وقائع ملموسة على الأرض.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري