على وقع صراخ رجب طيب اردوغان قبل يومين “في وجه” جو بايدن وتنديده بوقاحة اميركا، هبط فلاديمير بوتين في انقرة في زيارة قيل انها تتركز على الجوانب الاقتصادية، باعتبار ان الخلافات بين البلدين حول الملفين السوري والأوكراني تتجاوز خلافات انقرة مع واشنطن على الملف السوري.
قيل ان الزعيمين اتفقا على”ضرورة وقف العنف في سوريا”، وهذا كلام لياقة بلا معنى، اما القول “ان مواقفهما تتطابق في ما يتعلّق بتقدير الوضع في سوريا” فقد استرعى الإنتباه انطلاقاً من التناقض في مواقف البلدين حيال الأزمة السورية ومصير الرئيس بشار الأسد.
المعروف ان اردوغان يطالب بإسقاط الأسد و”داعش”، لكي ينضم الى التحالف الدولي ويسمح له باستخدام قاعدة انجرليك، وقد انخرط في نزاع طويل مع واشنطن حول هذه النقطة تحديداً، ولهذا علّق على زيارة بايدن بالقول:
“أود ان تعلموا اننا ضد الوقاحة والمطالب اللامتناهية، فلماذا يقطع شخص ما مسافة ١٢ ألف كيلومتر ليأتي ويبدي اهتمامه بالمنطقة، بعدما اكتفى الاميركيون بأن يكونوا شهوداً عندما قتل الطاغية ٣٠٠ الف شخص؟ لقد بقوا صامتين امام وحشية الاسد والآن يتلاعبون بالمشاعر حيال كوباني”!
إنطلاقاً من هذا يفترض ان تكون مواقف اردوغان بالنسبة الى بوتين اكثر من وقاحة، فروسيا هي الداعم للأسد بالسلاح والسياسة و”الفيتو” وبإفشال مؤتمر جنيف، وهي التي ساعدته في اسقاط المقاتلة التركية قبل عامين، فمن أين يأتي “التطابق” مع بوتين في تقدير الوضع السوري؟
يبرز هنا سؤال مهم: هل حمل بوتين رأس الاسد الى اردوغان، او على الاقل وعداً برأسه؟ مبرر طرح السؤال ان المعلومات المتداولة في اوساط الديبلوماسية الروسية، توحي بأن موسكو باتت على اقتناع بحتمية خروج الأسد شرط إبقاء هيكلية محددة من النظام، وان عملية الإنتقال السياسي وفق جنيف لا تزال تشكل مدخلاً الى الحل السلمي ولكن في غياب اي دور للأسد. وما يرجّح هذا الأمر ان سيطرة النظام على الارض تقلّصت الى حدود ٣٣ ٪ من مساحة سوريا.
التقارير الديبلوماسية العليا تشير الى ان موسكو تسعى الى إحياء التسوية السلمية على اساس روزنامة متدرجة تبدأ بتنفيذ اقتراح دو ميستورا وقف النار في حلب ثم توسيع رقعته، ثم تشكيل حكومة انتقالية تلملم صفوف الجيش والمعارضة المعتدلة لمواجهة “داعش” وتمهّد لخروج الاسد وحاشيته العسكرية، وان واشنطن لا تعارض الأمر، في حين تنصرف موسكو الآن الى معالجة العقدة الايرانية المتمثلة بالتمسك بالأسد!
سؤال آخر: هل العودة المفاجئة لواشنطن وأنقرة الى موضوعي منطقة الحظر الجوي واستخدام قاعدة انجرليك جاءت نتيجة اقتناع أردوغان بأن الأسد بات خارج الصورة؟
rajeh.khoury@annahar.com.lb