عروبة الإخباري – يرى سمو الأمير الحسن بن طلال رئيس منتدى الفكر العربي ان هذه المنطقة ستبقى مسيرة وليست مخيرة ما دامت الشعوب العربية بعيدة كل البعد عن تقرير مصيرها.
وتحدث خلال حوار مع جريدة النهار اللبنانية عن ما آلت اليه احوال العرب و الفتنة المذهبية واشكال التطرف وهموم المنطقة .. نص الحوار
■ بداية، سمو الأمير، لا يخفى على أي متابع ان الهم السياسي اليوم طاغ ويحتاج إلى رؤية تحليلية واستشرافية من شخص في موقعكم. ان ما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط يسميه البعض النكبة الكبرى، فيما صارت فلسطين النكبة الصغرى ويجري تحميل المسؤولية حينا للمؤامرة الخارجية، وحيناً للانحطاط الداخلي واخفاق الادارات. أين ترون مكامن الخلل التي أوصلتنا إلى ما وصلنا اليه؟
– دعني أولاً أعود إلى عامي 1956 – 1958 حيث اتضح أن مكامن الخطر في الغزو الثلاثي لمنطقة قناة السويس، أي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل التي تلقت دعما خلال تلك الفترة وكانت في بدايات مشروعها النووي، وقد جرت المنازلة بين عضوين من مجلس الأمن فرنسا وبريطانيا، فيما أميركا شحنت التنافس مع الاتحاد السوفياتي. والاقصائية الأميركية السوفياتية في تلك الفترة. اما اليوم فقد حل مكانها التنافس والاقصائية الأميركية الروسية، وكأنما الماضي يذكر بالحاضر.
الطمع الدولي في امكانات الإقليم، ثلاث دول قوية في الإقليم تركيا وإسرائيل وإيران، أما العرب فكم محتقر بسبب خلافاتهم وخصوماتهم الداخلية من جانب، وبسبب ان وجودهم هش وهامشي على الممرات المائية وحقول النفط. نرى اليوم اقتتالاً حول حقول النفط. الغاز أصبح الآن واقعاً متوسطياً، يقال إنه غزاوي لكنه حقيقة يشتمل على كل دول شرق المتوسط . دخل الفرد في إسرائيل اصبح الآن 35 الف دولار، أي يتجاوز اعلى دخل في أي دولة عربية . واصبحت إسرائيل الدولة الخامسة في مجال الغاز في العالم.
فاقول في عام 1956، بدأت الكارثة بالتدخل الأجنبي بذريعة محاربة القومية العربية، فيما كانت القومية العربية منشغلة بصراعات عربية ومقاربات عربية (مصرية سورية) إلا أنها، ويا للاسف، هي الاخرى لم تحقق نجاحا كبيرا نهاية الخمسينات والسيتينات، وربما من بين الاسباب الكارثة التي حلت ببغداد عام 1958. وهنا لا اقول فقط نهاية العهد الملكي والاستقرار الذي كان يسعى إليه (الملك) فيصل الأول بنظرته التعددية إلى مشروع النهضة العربية التي تجسدت بالدولة العراقية، ولكن أقول إن الجميع يتذكرون الحلف المركزي (ناتو الإقليم: السنتو) في أنه جمع الولايات المتحدة والعراق وباكستان وإيران وتركيا.
وساتوقف قليلاً لأقول إن هذه الصورة لا يمكن تصورها اليوم . جسرت في تلك الفترة ميثاق بغداد الذي سمي خطأ حلف بغداد، لم يكن حلفاً عسكرياً لكنه كان ميثاقاً اقتصادياً الغاية منه تجسير الفجوة التي أدت إلى فتنة اليوم: فتنة السني – الشيعي وفتنة العربي – العجمي.
فالميثاق هدف إلى الغاء فكرة عربي وعجمي عبر التعاون بين دول أسست مثلاً: شبكات للمياه في باكستان، جامعة الشرق الأوسط في تركيا. وقبل أيام عقدنا هنا في الاردن الحوار العربي التركي، كما زرت مسقط رأس سليمان ديميريل، ومحصلة ذلك ذكرنا الاتراك بأن استمرارية الحاكمية الرشيدة التي انشأت المشاريع الاقتصادية الكبرى ولم تتجاهل فقراء الاناضول، كانت هي المعادلة الصائبة، الرأسمال الانساني مع الاستثمار المادي(…).
وفي الاطار نفسه، إن مكامن الخطأ في منطقتنا قد تكون في أداء الحركات القومية العربية والإسلامية الحديثة، وفي طريقة الجمع بين مثلث السياسة والمال والمجتمع المدني، والتي اجتهدت جميعاً، ولكن ينبغي أن لا ينعزل الإنسان فقط في المادة المكتوبة لحزبه أو تنظيمه (إن كان بعثياً لا يؤمن الا بدستور البعث، أو كان قومياً، أو ماركسياً، أو إسلامياً) كي لا يصبح الإنسان منغلقاً ولا يعرف الصالح العام الذي يسمو فوق الانتماءات الضيقة.
كذلك انقسمت المنطقة نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي. وطبعاً كل عشر سنين تشهد المنطقة حرباً جديدة، (إذ شهدت المنطقة حرب 1967، 1973، الحرب الجزائرية المغربية، 1981 الحرب الايرانية العراقية، 1990 غزو العراق الكويت و2003). أقول هل أُعطينا عملياً فرصة أن نقول إن القيادات العربية مسؤولة عن كل الخلل؟
وعودة الى سؤالكم هل كانت هذه الحروب مرتبطة بأسباب خارجية؟ عندما تحدث صدام حسين عن اهمية التعامل في سلعة البترول من خلال يورو بترو بدلا من بترو دولار هل كان مخطئاً؟ هل كان ذلك مبرراً؟ هل قطع خطاً أحمر؟ من هنا عمليا هل سمح بالحلول العربية أو الحلول الإقليمية داخل الاقليم؟
عصر القبائل والاتنيات
■ الوضع القائم وهو نكسة حقيقية في العالم العربي، الا يستدعي حال طوارئ، خصوصاً ان هناك دولا لا تزال لديها مقومات الصمود وتحافظ على تماسكها، السعودية، مصر، الاردن؟
– اتفق معك تماماً، فحالة الطوارئ قائمة ولكنها ليست مُعَرَّفَة الا بالباب الأمني، وفي باب التحالفات الأمنية ضد أمر ما، انني لا أقلل من المخاطر التي بدأت بدخول المجاهدين إلى افغانستان لمواجهة الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة، هل كان من اهداف الامة الاسلامية مواجهة الاتحاد السوفياتي، أم كان من اهداف المعسكر الغربي ان يواجه الاتحاد السوفياتي؟
يا للاسف، نحن كنا حلفاء واداة في الوقت نفسه للنيل من الوجود السوفياتي في افغانستان، بعد ذلك طالبان ثم القاعدة والانصار، واليوم داعش وغيرها، وحقيقة الامر ان الكراهية للعرب المسلمين تجاوزت أي حدود ممكن ان يتصورها الانسان.
■ هل معنى ذلك ان الائتلاف الدولي الجديد ضد “داعش” ليست مهمته ازالة خطر الارهاب بقدر ما يؤسس لصراع جديد على الساحات العربية؟ وهل هذا مقدمة لوستفاليا جديدة في المنطقة؟
– أنا معك تماماً. نحن نعيش حروباً أهلية قد تدوم عقوداً. نحن في هذه المرحلة نعيش ما قبل وستفاليا. وستفاليا أقامت الدول، نحن نعيش ما قبلها، نعيش عصر القبائل والاتنيات والعرقيات واشكال التطرف التي سببها فشل الحاكمية الرشيدة.
■ وماذا عن الحركات الاسلامية المتطرفة ونموها؟
– التدخل الاميركي قوّى بكل تأكيد الشيعة ضد السنة، وهنا الغرابة أن الاميركيين عندما تدخلوا في يوغوسلافيا السابقة أبقوا الصرب في معسكراتهم، فيما اتخذوا قراراً بتسريح 400 الف عسكري في العراق كما قيل، لا أعرف الارقام بالتأكيد، وارتكبت أبشع المجازر في حق السنة، فليس من الغريب عملياً ان تكون ردة الفعل عنيفة، وكما قالوا عند التدخل الصدمة والرعب.
أقول إن هنالك تقاطعاً ما بين اليمين المتطرف الإسلامي الذي لا يقبل الا بدحر الاعداء وتقسيمهم وقتلهم في أبشع الصور، وفئة اليمين المتطرف المسيحي الذي يميل بأفكاره الى اليمين الصهيوني المتطرف المؤمن بالتعجيل في نهاية الأيام، فهؤلاء جميعا لا مجال عندهم لكلمة وسط، وفي هذا السياق منطقتنا مسيرة وليست مخيرة ما دامت الشعوب العربية بعيدة كل البعد عن تقرير مصيرها.
هويتنا مهدّدة بالزمان
■ كان الاردن سباقا في الحديث عن هلال شيعي في المنطقة، ألا يزال هذا المشروع قائما؟
– أجدد التأكيد وفي كل مناسبة أن الهلال الشيعي هو جزء من البدر الإسلامي. أقول في هذا المجال إن الشيعة العرب هم شيعتنا وأن الجعفرية في إيران وفي غير إيران والزيدية في اليمن قريبة منا فقهاً. وأقول لابد من العودة لحوار مذاهب لنبذ هذه الحروب وهذه الفتنة.
وأعتقد أن الإشارة إلى هلال شيعي لا بد من أن يكون مضمنا بالاندماجية في إطار كمال البدر الإسلامي جغرافياً ودينياً، لأن حقيقة الأمر والواقع يقول إن هنالك تكامل بين أهل السنة والجماعة، شيعة آل البيت.
إن الامام الشافعي يقول من (لا يصلي على محمد وآل محمد فلا صلاة له)، فلماذا هذا التقسيم؟ ولماذا هذا التحجيم؟ حقيقة الأمر لم يكن هناك تشاور ما بين المذاهب الاربعة لاهل السنة والجماعة والشيعة بجعفريتها وزيديتها وبينهم وبين الاباضية، وخصوصاً في عُمان وربما في الجزائر وشمال إفريقيا، أقول إن الحوار سيذهب إلى من هو أعلى صوتاً أو أقوى سلاحاً وعتاداً، وبالتالي سنرى المدارس التي لا تؤمن بالحوار أصلا، لأنها مرتبطة إما بالنصوص وإما بالانتماءات الخارجية والداخلية، والاختراق قائم بكل تأكيد، لنفوذ قوى اقليمية ودولية، وبالتالي إن هويتنا العربية الاسلامية مهددة بالزوال إذا لم نحترم الفوارق ونعظم الجوامع. فقد كنا نؤمن بأن الهوية العربية مبنية على التنوع والقبول بالآخر كما هو الواقع منذ بداية التاريخ.
وفي السياق ذاته ما نراه اليوم من تقسيم وترويع وتهديد للصائبة المندية على سبيل المثال والاسماعلية والفئات المختلفة. لا نستطيع التحدث عن العلويين في سوريا من غير التذكير بان اخصب المناطق في سوريا هي المناطق العلوية، وربما القتال الذي حول المدن السورية إلى اطلال ينظر له من الجانب التركي بانه اجحاف بالهوية السنية في سوريا وتدميرها، ولكن المنطقة القريبة لتركيا والمنطقة المستثمرة من سوريا حيث الموانئ هي المنطقة العلوية. أعود واقول إنه كالسجاد المزركش. لو وضعنا الخارطة الإثنية والطائفية وفوقها الخارطة المائية وفوقها خارطة الغاز والنفط والممرات المائية لا يحتاج الإنسان إلى ان يكون عبقرياً اذا توقع الانفجار الجديد في مكانه الصحيح. وأقول عملياً إن قضية أسعار البترول تعكس الصورة نفسها.
وهنا نرى ان الممثلين العرب لأهداف الألفية للقاء المقبل هم (ست دول): مصر وتونس والجزائر والمغرب والسعودية والامارات، هذه الدول تمثل المجموعة العربية في الأمم المتحدة للتوفيق بين اهداف التنمية المستدامة واهداف الالفية. ونرى هنا أن افريقيا ممثلة بأربع دول: مصر والمغرب والجزائر وتونس، في حين ان دول الخليج ممثلة بالامارات والسعودية. وياللأسف أن منطقة الهلال الخصيب لا يمثلها أحد. هل هذا مقصود عملياً ان نصبح منطقة تابعة، تحت تأثيرالصهاينة الذين كانوا عرابي فكرة إسرائيل الكبرى على حساب الهلال الخصيب؟
ثم ماذا عن السؤال المحق، الدولة العبرية؟ أي بمعنى آخر هل هي دولة صهيونية أم دولة عبرية؟ أرى في قضية الهوية أن المؤتمر الاوروبي أو لقاء عام 1946 عندما تحدث تشرشل في زيوريخ عن وجوب قيام انتماء أكبر، انتماء أوسع، ساهم في خلق فكرة الأوروبي الالماني البافاري. طيب لماذا لا نستطيع ان نتحدث عن العربي اللبناني الطرابلسي أو السوري الحلبي العربي؟
■ هل تعتقد ان هذا كاف لحل في المنطقة؟ هذا يتطلب حلاً آخر في المنطقة، هذا يتطلب تسويات عدة تشمل الجميع وتتيح اقامة الدولة الفلسطينية وتوجد حلاً للاكراد مثلا… هل تعتقد ان هذا حلم مستحيل؟
– اعتقد ان هذا ليس مستحيلاً اذا قبلنا أن مسار هلسنكي الذي كان مساراً موسوعياً وموضوعياً في آن معاً، الحديث عن المنطقة ككل وموضوعياً في الخطوات المتدرجة على سبيل المثال: الباب الاول الباب السياسي القضية الفلسطينية كانت قضية عربية اسرائيلية والجميع خضعوا للرغبة الفلسطينية في ان يمثلوا أنفسهم في قرار المنظمة انها الممثل الشرعي والوحيد. الاتفاقان المصري الاسرائيلي، والاردني الاسرائيلي لم يقدما حلاً للمشاكل الفلسطينية لانهما لم يكلفا ذلك أصلاً، ولا يريدان تجاوز الارادة الفلسطينية.
ويا للأسف لبنانياً وسورياً لا أرى أملاً في الافق ان تكون هناك اية مبادرات ثنائية، فلم يبق في الساحة إلاّ الحديث عن المؤتمرات الاقليمية تارة يجتمعون في جنيف1 وجنيف 2 للحديث عن الموضوع السوري واصدقاء سوريا، وأخرى يتحدثون عن لقاءات حول العراق وايران، وبعد ذلك يتحدثون عن مجموعة اصدقاء اليمن إلى آخر ذلك. تارة يتحدثون عن سنجار وعن كوباني ودول جوار ليبيا ودول حوض النيل، فأين النظرة الاقليمية (التخطيط الجهوي) والمنطقة مهددة برحيل 45 مليون مصري من منطقة الدلتا بسبب الفيضانات و45 مليون ايراني بسبب الجفاف؟
■ اليوم أمامنا: داعش، بوكو حرام، القاعدة، انصار الشريعة، طالبان وكل هذا التكفير وهذه العودة إلى الجاهلية هل المشكلة في النصوص وعدم اجراء اصلاحات هيكلية في المؤسسات الدينية أم المشكلة في الجهل والامية، أم المشكلة في فشل الانظمة العربية؟
_ انني لا اؤمن بحوار الاديان اذا كان الحوار حوار نصوص، كما لا أؤمن بالحوار داخل الدين الواحد اذا كان الأمر أمر نصوص وليس أمراً محكوماً بالقيم الانسانية، لأن الكل يلجأ إلى النص الذي يروقه، وهذا ما يسيٌس الدين لغايات أهل الكنى كما قلت المقنعين الذين لا يظهرون وجهاً للعالم الخارجي في النقاب عند النساء.
واتساءل مرة اخرى المشكلة مشكلة نصوص، نعم كانت وما زالت. الاحزاب القومية لا تتحاور بسبب النصوص الملزمة لها، لا أحد يؤمن بالهيمنة الثقافية، ولكننا نقبل بالهيمنة الثقافية الأميركية. لا أحد يؤمن بالسلطوية ولكننا نرى السلطوية تتكرر مع كل تجديد للانتخابات لكل رئيس دولة في العالم الثالث، فالعالم الثالث عالمنا الاول، ان لم نحقق تعاوناً سياسياً واقتصادياً مدنياً. في المناسبة احيي المجتمع المدني قي لبنان. أقول عندكم مزايا أساسية في أن مجتمعكم المدني حي ونابض.
على مفترق طرق
■ هذا الخطر بات حقيقة داهمة كيف نواجهه، هل نستاصله بالعنف الذي حمله؟ هل يزال بتعصب طائفي مضاد، هل يمكن ضرب التوحش بالديكتاتورية أو العكس؟ علينا دائما ان نختار بين الديكتاتورية والتوحش، اليست هناك خيارات أخرى؟ سموكم تعرفون المنطقة عن كثب ومتأصلون في الاسلام ومشبعون بالفكر الانساني… ما هو العلاج الذي تصفونه لهذه الافة؟
_ نحن على مفترق طرق ان قررنا ان التنوع هو أمر نستطيع ان نؤسس له. أعود مرة ثانية إلى التجربة الموضوعية الاوروبية. بعد حربين اهليتين حصدتا عشرات الملايين من البشر اتفق الاوروبيون على مجتمع الصلب والفحم. لماذا لا نستطيع ان نتفق على مجتمع الطاقة والمياه، الطاقة والتعليم، الطاقة والصحة؟ لماذا لا نستطيع ان نعظم كرامة المواطن خارج الاطار المفروض علينا وهو الديموقراطية وصندوق الاقتراع؟ لاننا لا نعلم تماماً كيف تدار صناديق الاقتراع وكيف تدار الديموقراطية.
ان قوانين اللعبة تحددها المصالح الخاصة في غياب المصلحة العامة. ان عدنا إلى تعريف الصالح العام، من يتحمل الحوارات التي أجريناها في اقرار الميثاق الأجتماعي العربي؟ من يتحمل مسؤولية الميثاق الاقتصادي؟ لماذا الصكوك في لندن وباريس ونيويورك؟ لماذا البنوك في الخارج؟ ولماذا غياب صندوق الزكاة العالمي؟ وكما قال لي احدهم ان المشكلة في كلمة العالمية.
مرة اخرى أقول النهضة العربية لا بد من ان تستأنف، فاذا كان الحراك اليوم يذهب إلى الانضمام إلى الحركات المتطرفة يأسا واختناقاً واحباطاً من الاوضاع السائدة، فحقيقة الامر اصبحنا في منطقة (غاية في الحضارة على مدى التاريخ) لكننا لا نعرف الا الابيض والاسود ولكنني لا اعتقد أنه هكذا تدار المواجهات القائمة. المسألة ليست حقاً وباطلاً ولكن المسألة مناطق نفوذ، مناطق فوضى (الفوضى الخلاقة) كما سموها ومناطق استقرار. فالاستقرار النفسي يحتاج إلى خروج الاصوات العاقلة ومع شديد الاسف لا استطيع أن اصفق وحدي.
■ ما يميز هذا الشرق هو التنوع الاتني والديني والثقافي، المسيحيون يهاجرون أفواجاً وأفواجاً هرباً من التمييز، الايزيديون ينقرضون بفعل الابادة ومثلهم الكاكائيون والصابئة والبهائيون، حال الدروز والنصيريين والاسماعيليين ليس افضل… هذا الشرق يتصحر ونفقد اهم كنز لدينا. ما هي كلمتكم في هذا الصدد؟
– السفير الفرنسي المندوب الدائم للامم المتحدة قال لي نحن واياكم خدعنا طرف ثالث عندما كنا مجيشين وسائرين نحو دمشق، فقلت هناك فرق أساسي بيننا وبينكم فجيش فيصل الاول كان جيش أحرار العرب. العراقي كان يقاتل في ذلك الجيش باعتقاده كالحجازي والمصري بانه كان يدافع عن وطنه وعن ترابه الوطني.
أقرباؤنا الذين رفعوا العلم على السرايا في بيروت كانوا جزءاً من هذا الواقع المتنوع. وأما انتم الفرنسيون فذهبتم إلى المغرب بليوتي المتحضر قياساً بالمتوحش الجنرال غورو الذي اتى ليفعل فعلته هنا في سوريا. هذا جزء من الجواب.
الجزء الآخر من الجواب لو تقرأ ما هو مكتوب على أسفل هذه الصورة (صورة لعبد القادر الجزائري كتب تحتها):
وما المرء بالوجه الصبيح افتخاره لكنه بالعقل والخلق الاسمى
وان جمعت للمرء هذي وهذه فذال الذي لاينبغي بعده نعمى).
الانسان لا ينظر إلى صوركم انما ينظر إلى قلوبكم فلا أستطيع ان أميز بين انسان وآخر على رغم الاحباط. أقول إنني لست مهماً، المهم هو المعذب في هذا العالم، والمهم ان نستذكر أنه ولد في الاردن 30 الف سوري. ماذا سيكون مصير هؤلاء بعد سبع سنين وهنا وفي لبنان وتركيا؟هل ستكون المناطق الحرفية على الحدود فرص عمل ام مناطق قتال؟
■ سمو الأمير ماذا تقول للبنانيين؟
– اقول لأهلي وأخوتي في لبنان أننا نحن وإياكم حمالين أسٌية سوية، وحسب المثل لأن ( كل ما دق الكوز بالجرة ) لا تقع الضربة الا على من هو رأس المال الحقيقي أي رأس المال الانساني. أي القدرة على التفكير. وليس من المصادفة ان لبنان وتونس يبقيان شعلة فنيقية في اطار المتوسط. أقول للبنانيين انتبهوا للمحيط المتوسطي، وحاولوا معنا ومع اليونان وايطاليا مع الجوار القبرصي والجوار في البحر الاسود ان تحيوا فكرة اهمية شرق المتوسط كتواصل وليس كفاصل.