رندة حيدر/القدس قنبلة موقوتة

تعتقد الحكومة الإسرائيلية ان في امكانها مواجهة الهبة الشعبية لسكان القدس الشرقية باستخدام المزيد من القوة والبطش والقتل، وبفرض عقوبات جماعية على هؤلاء السكان وتحويل حياتهم اليومية جحيما، وبالتجسس عليهم عبر عيونها وعملائها على الأرض ومناطيدها في الاجواء. وهي تظن ان القوة والبطش وحدهما سيردعان الفلسطينيين، ويكبحان تمردهم، ويمنعان حوادث الدهس، وينهيان الاحتجاج الشعبي والمواجهات مع الشرطة المستمرة منذ أسابيع.
ولكن بعد الاربعاء الماضي الذي شهد هجومَي دهس قام بهما فلسطينيان على إسرائيليين وأوقعا اصابات عدة، بدأت الحكومة الإسرائيلية تدرك بأن البطش والقتل والقمع بكل وسائله التي تتقنها لم تنفع، وان القدس الشرقية تكاد تتحول قنبلة موقوتة قد تنفجر في اي لحظة بين يديها.
فمن أهم الاسباب التي أدت الى نشوء هذا الوضع المتفجر في القدس، هو التاريخ الطويل من القمع الإسرائيلي الذي حوّل القدس الشرقية مدينة معزولة عن الداخل الفلسطيني بعد بناء جدار الفصل قبل اكثر من عشر سنين، وهو التاريخ الطويل من المحاولات الإسرائيلية لتغيير الطابع العربي للمدينة وتهويدها، والاحباط واليأس اللذان يعانيهما سكان القدس نتيجة فقدان الامل في الحياة الكريمة. لذا ما يجري اليوم في شوارع القدس هو ردة فعل الفلسطيني الذي لم يعد لديه ما يخسره وبات مستعداً للقيام بأي شيء للتعبيرعن غضبه ورفضه، وهو لا ينتمي بالضرورة الى تنظيم سياسي أو ينفذ تعليمات قيادة سياسية، بقدر ما يتصرف بدافع من الثورة الفردية على الواقع. ما يجري هو مواجهة عنفية غير متكافئة بين فعل الرفض الفردي، وآلة القمع الإسرائيلية.
في مواجهة هذه الظاهرة يتصرف الائتلاف اليميني الإسرائيلي الحاكم مثل وحش ارعن يتخذ القرارت المتطرفة العشوائية من طريق فرض المزيد من القيود والعقوبات على فلسطينيي القدس الشرقية، والرد على الهجمات بالموافقة على بناء المزيد من الوحدات السكنية في القدس الشرقية، ومن خلال تصريحاته النارية بعدم التنازل عن السيادة الإسرائيلية على القدس كلها، فضلا عن زياراته الاستفزازية للحرم القدسي الشريف. في هذه الاثناء تصب حكومة نتنياهو جام غضبها على السلطة الفلسطينية وتتهمها بالتحريض على احتجاج المقدسيين، وعلى حركة “حماس” التي في رأيها تشعل النار في القدس لتغطية اخفاقها في غزة.
يعمل اليمين الإسرائيلي بعماه السياسي على تأزيم الامور وهدم الجسور مع الاطراف الفلسطينيين والعرب الذين يمكن ان يساهموا في التهدئة مثل السلطة الفلسطينية والأردن. ومثل هذا التوجه العدائي من شأنه التعجيل في الانفجار الكبير الذي لن ينحصر بالقدس بل قد يجرف معه مدن الضفة كلها.

Related posts

كيف نخفف من خسائر الحرب؟* ماهر أبو طير

كلمة السر «في سرك»!* بشار جرار

كيف نتكيّف سياسياً مع المرحلة “الترامبية”؟* حسين الرواشدة