عيسى الشعيبي/ماراثون استعادة سيناء

في معرض احتجاجه على معاهدة كامب ديفيد، الموقعة قبل أكثر من ثلاثين عاماً وسط معارضة عارمة من جانب الجماعة الوطنية المصرية، لخص شاعر العامية ذائع الصيت، أحمد فؤاد نجم، المشهد السياسي القائم آنذاك في بر مصر، عبر إحدى قصائده الشهيرة قائلاً، بحسرة يشوبها الغضب: “رجعت سينا وضاعت مصر”.
لا أدري ما إذا كان الراحل، صاحب هذا الموقف النقدي الساخر، قد بدّل موقفه لاحقاً، بعد أن وقعت سيناء فريسة للإهمال والنبذ، ومن ثم للإرهاب، واتضح من دون مراء أن أرض الفيروز لم تعد إلى الحضن تماماً، بفعل القيود والتقسيمات التي فرضتها تلك المعاهدة على عدة الجيش المصري وعلى عديده، لاسيما في المنطقة المحاذية لقطاع غزة.
وها هو هذا المثلث الصحراوي المشاطئ للبحرين الأبيض والأحمر، ناهيك عن قناة السويس، يعود الآن إلى صدارة المشهد في أعقاب المذبحة الأخيرة التي راح ضحيتها عشرات الضباط والجنود المصريين، ليبعث بقوة كل تلك الأسئلة المعلقة في سماء القاهرة منذ أمد طويل، حول سر إهمال سيناء كل هذا الوقت، وتركها أسيرة للفراغ والفوضى والفقر.
ومع أن سيناء تمثل ذخراً استراتيجياً، وخط الدفاع الأول عن “الكنانة”، إلا أنها كانت دائماً ضحية الإقصاء والتهميش، فضلاً عن الرخاوة السياسية، لاسيما في عهد حسني مبارك.
وأحسب أن الواقفين وراء المذبحة الأخيرة، كانوا يدركون سلفاً أن رد الفعل الكلاسيكي على عمليتهم هذه لن يتجاوز كثيراً سقف ما درجت عليه ردات الفعل السابقة، وأن ما سيتم دفعه من ثمن يستحق المجازفة. غير أن ما بدا عليه الرئيس عبدالفتاح السيسي إثر هذه العملية الاستفزازية جاء، وهو يلوّح بقبضته القوية، مفارقاً لما كانت عليه الحال في السابق، بعد أن أدرك الجنرال الآتي من رحم المؤسسة الأمنية، أن الأمر يخاطب قيادته؛ يتحداه ويختبر مدى قدرته على استعادة زمام الموقف، ليس في سيناء فقط، وإنما على رأس النظام الذي حل فيه محل الإخوان المسلمين الرافضين له شخصيا.
وعليه، فقد بدت استجابة السيسي لهذا التحدي الأمني العسكري السياسي المركّب، استجابة نابعة من حسن الإدراك بأن هناك فرصة سانحة لإثبات زعامته، وفاعلية نظامه، واستدراك ما قد يمس بشعبيته الجارفة؛ وذلك بالإمساك بلحظة مواتية، والخروج إلى الحرب هذه المرة، وتغيير قواعد اللعبة، بتدابير تبررها حسابات الأمن القومي الصارمة.
ومن سوء حظ قطاع غزة، أن أقداره مرتبطة بأقدار سيناء، وأن سكانه هم أول من سيتلقى تداعيات هذه النقلة النوعية في المجابهة الماراثونية مع الإرهاب، خصوصاً أن هناك اعتقاداً مصرياً كان ينضج تدريجياً فوق نار الخصومة الشديدة مع “حماس”، مفاده أن الأمن في سيناء صنو الأمن في غزة، وأن الأنفاق هي أسّ البلاء كله.
وعليه، فنحن نقف أمام منعطف شديد، قد ترتد فيه مقتضيات المعركة الوشيكة لاستعادة سيناء، على علاقات مصر مع القطاع المجاور. وبالتالي، فإن الأوضاع الصعبة في غزة سوف تزداد صعوبة، وقد يحدث ما لا يحمد عقباه، لاسيما في ظل الاتهامات المصرية لفرع “الإخوان” الغزي بالتورط في هذه العملية، التي استنكرتها السلطة الفلسطينية، وكل الفصائل، عدا “حماس” المتعلقة بوهم عودة مرسي إلى قصر الاتحادية.
تبقى ملاحظة أن ما شرع به المصريون في سيناء منذ نحو عام، قد أخذ يطوي في واقع الأمر قيود معاهدة السلام من دون بهرجة إعلامية، خصوصاً ما يتعلق بالملحق الأمني؛ وأن الرفض الإسرائيلي المعهود لتغيير قواعد انتشار القوات في تلك الرقعة الجغرافية، التي تبلغ مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية، قد خفُت، إن لم نقل إنه تبدد، في ظل صمت أميركي يرقى إلى حد الإقرار بتبدل الواقع الذي أملى في حينه تلك الشروط المجحفة.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري