قد يكون إلقاء الضوء على استمرار الاتصال الديبلوماسي بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد وجمهورية مصر العربية في “الموقف هذا النهار” يوم السبت الماضي، وعلى محاولة مسؤولين سوريين توسيط القيادة المصرية مع حليفتها المملكة العربية السعودية لحل الخلافات المحتدمة جداً بين دمشق والرياض، قد يكون ذلك كوَّن انطباعاً عند كثيرين أن القيادة المشار إليها ربما تكون ميّالة إلى الأسد. لذلك من الضروري متابعة التطرّق الى هذا الموضوع اليوم بغية تقديم المزيد من الإيضاحات للمهتمين، وذلك استناداً الى معلومات مصادر لبنانية جدية متابعة لمصر.
ما هي المعلومة الأهم عند المصادر المذكورة؟
هي التي تؤكد أن موقف مصر من الوضع المأسوي في سوريا ينطلق من مصالحها الحيوية والإستراتيجية، ومن حرصها على أمنها واستقرارها وعلى ترتيب أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. فهي ليست مؤيّدة للرئيس الأسد ومتمسّكة ببقائه، إذ أنها ليست طرفاً في ما يجري في بلاده مثل دول كثيرة عربية ومسلمة وأجنبية، لكنها تخشى أن يؤدي انهياره إلى إنفراط الجيش النظامي في سوريا أو ما تبقى منه منذ اندلاع الثورة. وتنبع خشيتها من حرصها على استقراره وعلى استمرار وحدة مؤسساتها. فسوريا عملياً صارت مقسّمة قطاعات يسيطر على قسم منها النظام، وتسيطر على قطاعات أخرى التنظيمات التي تحاربه، والتي تتقاتل في ما بينها في الوقت نفسه. لكن استمرار وحدة جيشها، رغم عدم سيطرته على جغرافيا بلاده كلها، أبقى الدولة في شكل ما ولم يدفع الدول المعادية له، إلى سحب الاعتراف بالدولة السورية الشرعية ومؤسساتها. في حين أن حال العراق ليس كذلك. اذ تكرَّس تقسيمه العملي في الأشهر الأخيرة بين مناطق سنّية وكردية وشيعية، وتزايدت الحروب فيه من أجل توضيح حدود هذه المناطق. كما أن جيشه الكبير على الأرض انهار أو “فرط”، وصار يحتاج الى إعادة بناء ولم يعد قادراً على القيام بدوره. وهذا الواقع دفع “النظام” في العراق وإيران الداعمة له الى قبول المساعدة الدولية بقيادة أميركية لمنع “داعش” وحلفائه من إنجاز انتصار كبير. ودفع في الوقت نفسه المرجعية الشيعية العليا في النجف إلى إصدار فتوى رسمية بالتعبئة الشعبية دفاعاً عن الأرض والمقدّسات. فإذا تعرض جيش سوريا إلى مصير مماثل لجيش العراق فإن القيادة السياسية العليا المصريةـ ممثّلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، تخشى أن يُستهدف جيشها، وأن يعرّضها ذلك الى الفوضى وإلى تطورات سلبية. وهذا أمر ترفضه وستفعل كل ما في وسعها لتلافي حصوله. فجيوش الدول الثلاثة مصر وسوريا والعراق هي من أكبر الجيوش وأقواها أو هكذا كان بعضها. والتخلص منها يجعل المنطقة كلها مفتوحة أمام الارهاب المتنوّع وأمام المطامع الخارجية إقليمية كانت أو دولية. إنطلاقاً من ذلك يدفع الرئيس السيسي جراء خلفيّته العسكرية وخلفيّته الوطنية في اتجاه المحافظة على الجيش السوري التي بدورها ستجعل التسوية السياسية للحرب الأهلية المذهبية في سوريا ممكنة. ذلك أن الجيش سيكون حاميها.
هذا الموقف للسيسي يقدِّره كثيرون في بلاده وخارجها، وخصوصاً من الذين أيّدوا الثورة الأولى التي شهدتها ثم الثانية. لكن بعضهم يلفت إلى ضرورة تحصين الداخل المصري كي لا ينجح الارهاب التكفيري في استهدافه، وكي لا يفسح انهيار جيش سوريا، إذا حصل، في المجال أمام استهداف مصر جيشاً اولاً وشعباً. فالجيش هو القوة الأساسية العسكرية والسياسية في مصر. ولا بد من المحافظة عليه، لكن لا بد في الوقت نفسه من فتح أبواب الحياة السياسية أمام الجميع في البلاد، طبعاً باستثناء الارهابيين والمخرّبين، وذلك بمنع الإرهاب من النجاح في تكوين بيئات شعبية حاضنة له. ويعني هذا الأمر ضرورة التعاطي مع الإسلاميين بمن فيهم “الاخوان المسلمين” غير المتورطين المؤيدون لهم، بانفتاح وعدم معاملة الجميع كارهابيين. فالعمل العسكري وحده لا يستطيع القضاء على الارهاب. ويعني الأمر نفسه فتح الباب أمام القيادات الشبابية التي أطلقت الثورة الأولى وشاركت في الثانية للاشتراك في العملية السياسية وعدم استهدافها سواء لأن “العسكر” يعتبرون عادة أنهم لا يخطئون وأن كلمتهم هي الأولى، أو لأن نخباً معينة بعضها من العهد السابق تنصح باستعمال القوة العسكرية من جهة والقضاء من جهة أخرى لضرب المعارضة خوفاً من أن تكون إرهابية.