هل تفكك كوباني سيكولوجيا الترويع التي اعتمدتها “داعش” كاسحة وحشية ساعدتها في اجتياح المساحة الكبيرة الممتدة من الرقة في سوريا الى الموصل في العراق، ومع الهجوم المعاكس الذي يشنه البشمركة مع الجيش بالتعاون مع العشائر في الأنبار، هل بات من الممكن الحديث عن ملامح احتواء للتمدد الداعشي تمهيداً لإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم؟
المعركة ستطول حتماً لكن انطلاقاً من كوباني بالتحديد تتشكل الآن معادلة مثيرة: كلما صمدت تلك المدينة الكردية الباسلة كلما سقطت رهانات رجب طيب اردوغان على معاناتها كمنطلق سيُضطر اميركا الى استجابة شروطه للانضمام الى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”!
على طريقة مصائب قوم عند قوم فوائد، يتفرّج اردوغان على معاناة كوباني، رافضاً التدخل ومانعاً استعمال طيران التحالف قاعدة انجرليك لضرب الارهابيين، ومقفلاً الطريق على المتطوعين الاكراد الذين يريدون الالتحاق بأخوتهم في كوباني، ومكرراً القول: “كوباني تسقط لأن اميركا لم تستجب شروطنا”!
قبل محاصرة كوباني ومنذ اللحظة الأولى لتسليح البشمركة في العراق، وقف اردوغان محذراً من ان “هذا التسليح سيتحوّل قنبلة موقوتة”، طبعاً على خلفية المطالبة الكردية المزمنة بالحصول على دولة، ومع بداية المعارك في كوباني بدا واضحاً ان شروطه للتدخل تهدف الى اصابة ثلاثة عصافير بحجر واحد:
إسقاط الاسد، ودفن الحلم بالدولة الكردية بعد أن تصبح منطقة الحظر الشمالية تحت سيطرته، وفتح الطريق امام استعادة الدور العثماني في المنطقة! لكن كما بدأت تتهاوى سيكولوجيا الترويع الداعشية في كوباني امام صمود الأكراد المدعومين بالغارات الجوية، التي بدأ التحالف يكثّفها في الأيام الاخيرة، بدأت تتهاوى مراهنات اردوغان على استغلال مأساة الأكراد وتوظيفها. اكثر من هذا يمكن الحديث عن قلق عميق مستجد عند اردوغان، بعد اعلان واشنطن الاسبوع الماضي انها أجرت محادثات مع مسؤولين من “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي الذي يقاتل في كوباني وتعتبره انقرة تنظيماً ارهابياً!
المراقبون رصدوا اهتماماً جدياً لدى دول التحالف بإعطاء الأكراد دوراً ميدانياً في الحرب على “داعش”، وخصوصاً بعدما أثبتوا فعالية قتالية في مواجهة الإرهابيين، سواء في كوباني او عبر الدور الحيوي الذي تؤديه وحدات البشمركة في العراق، وفي المقابل برزت معارضة تركية قوية لتسليح الأكراد وإعطائهم دوراً في التحالف يمكن ان يعزز وضعهم، وخصوصاً بعد تدفق السلاح الأوروبي على البشمركة.
ليس واضحاً حتى الآن ما اذا كانت واشنطن تريد ضم الأكراد الى التحالف او انها تنخرط في لعبة عضّ الأصابع مع اردوغان مستعملة “الأسنان الكردية”، ولكن من المؤكد ان معارك كوباني تخلط الأوراق عندما تتراجع سيكولوجيا الرعب الداعشية، وتضطرب حسابات اردوغان العثمانية، وتبرز جدارة البسالة الكردية!