عندما اندلعت الثورات العربية قبل 4 أعوام في تونس لم يتصور أحد أن “الثورة المضادة” ستكون بهذه القوة والشراسة، ولم يكن يدور في مخيلة أي عربي أن قوى الشر يمكن أن تعود إلى المشهد وتسيطر عليه من جديد، كأن الشعوب لم تقدم الغالي والنفيس من أجل الظفر بحريتها.
في مصر تمكن العسكر من القبض على زمام السلطة وأدخلوا البلد في أتون أزمة تتعمق يوما بعد يوم، وتحولت مصر إلى معتقل كبير لتغيب السجون أكثر من 42 ألف معتقل كما نشرت التقارير الدولية، ولكي تسجل أكبر وأضخم مجزرة في يوم واحد هي “مجزرة فض رابعة” كما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، ولتضع البلاد في أسوأ حقبة في تاريخها الحديث كما تقول منظمة العفو الدولية، وتدحرج عنف الانقلابيين الدمويين في عنفهم ليطال الطلاب في المدارس والجامعات، وتوحش “الآلة الأمنية العسكرية” إلى درجة غير مسبوقة.
وفي ليبيا المجاورة التي تمكنت ثورتها من الإطاحة بنظام القذافي الدكتاتوري، انقلبت الأمور رأسا على عقب، وفي تحول ليبيا إلى فردوس للحرية والعدالة، فإذا بقوى “الثورة المضادة” تنقض على الشعب الليبي وثورته وتحول البلاد إلى ساحة للحرب والقتل، في مسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء في حالة من مذهلة من الانقلاب على مكتسبات الشعب وتضحياته الغزيرة التي تجاوزت أكثر من 70 ألف شهيد.
أما في اليمن فكان الوضع أكثر “دراماتيكية” فقد تمكن نظام علي صالح من تحقيق حالة من التعادل مع الثورة بحيث تكون النتيجة “لا غالب ولا مغلوب” وخرج الرئيس السابق “خروجا مشرفا”من السلطة، إلا أن ذلك لم يمكن القوى الثورية من لعب دور مهم، بل تحول السجال بين مختلف الأطياف إلى حالة من “السفسطائية العبثية” التي منحت علي صالح ونظام الفرصة لتحقيق المكاسب في إطار “الثورة المضادة” التي سرعان ما حولها الحوثيون إلى “جيش مليشيات” معبأة بالثأر والايديولوجيا، وانقضت على البلد بسرعة وشراسة ليذوب في مواجهتها “الجيش النظامي” وكل القوى الأخرى ويسيطر على العاصمة صنعاء، وتتوالى سقوط المدن اليمنية الواحدة تلو الأخرى، مما شكل هزيمة مدوية للدولة وجيشها ومؤسساتها وتحول “الثورة المضادة” إلى قوة تحكم اليمن وتسيطر عليه، في مشهد أقرب إلى قصص الخيال منه إلى الحقيقة
وفي شمال العالم العربي لم تنجح الثورة السورية بالقضاء على نظام الأسد منذ أكثر من 3 سنوات ونصف رغم التضحيات الضخمة التي بلغت أكثر من ربع مليون شهيد ونصف مليون جريح، وتنكب الثوار طريقهم وغرقت المعارضة السورية في الخلافات والصراعات على أوهام وأباطيل، مما أتاح لمليشيات حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية “عصائب أهل الحق وأبو الفضل العباس” أن تخوض معركة كبيرة ضد الشعب السوري وثورته بمساندة جيش الأسد وقوات الدفاع العلوية، فكانت هذه القوى “جيش الأسد والمليشيات الشيعية” هي أول ذراع عسكرية لـ”الثورة المضادة”.
وفي العراق عملت حكومة المالكي السابقة وحكومة العبادي اللاحقة على خنق أي محاولة للخروج بالعراق من مأزق الطائفية والدم والقتل، وحولت العراق إلى مستنقع لإقصاء المسلمين “السنة” مما أثار موجة غضب كبير بين المسلمين العراقيين تم قمعها بشراسة ودموية وعنف.
هذه الظروف في العراق وسوريا، مهدت الطريق أمام قوة جديدة غامضة للبروز، والتحرك بسرعة وشراسة وحيوية في مواجهة النظامين الحاكمين في بغداد ودمشق، وتمكنت في غضون شهور قليلة من السيطرة على ثلث العراق وثلث سوريا، وتحولت هذه القوة الغامضة “الدولة الإسلامية” التي غيرت اسمها من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” والتي أطلق عليها أعداؤها اسم “داعش” وأصبحت هي اللاعب الأساسي في المشهد العراقي والسوري، وتحولت إلى جيش وتحولت دولتها إلى “دولة الخلافة” وتهاوى أمامها الجيشان العراقي والسوري، وتشكل حلف من 40 دولة لمواجهتها، أعلن زعميها صعوبة هزيمة “الدولة الإسلامية” وأن الأمر قد يستغرق 30 عاما.