ما يخشاه المرء أن يتحول اليمن إلى معترك لصراع طائفي مذهبي ينطوي على شراسة تودي بالوطن والشعب إلى المهالك وربما التقسيم والفوضى. وهو ما بدت نذره مع سيطرة جماعات الحوثيين المنتمية للمذهب اليزيدي الشيعي على العاصمة صنعاء في الواحد والعشرين من سبتمبر الماضي في خطوة لم تعكس أفقا متسعا لدى قيادتهم والتي ابتهجت بالخطوة دون أن تتحسب لنتائجها سواء في المدى المنظور أو على الأمد البعيد. وفي مقابل هذه الخطوة المتسرعة بل والمتهورة. جاء رد الفعل من تنظيم القاعدة الذي يحسب نفسه مدافعا عن أهل السنة في اليمن. والذي توعد بالرد والعقاب وهو ما تجلى في سلسلة من التفجيرات الانتحارية التي قامت بها عناصره في أنحاء متفرقة. وكان أقواها يوم الخميس الفائت في وسط العاصمة- صنعاء- وفي مدينة حضرموت جنوبا مما أسفر عن مقتل أكثر من سبعين شخصا وإصابة العشرات.
ولاشك أن دخول اليمن هذا المنحى الطائفي المذهبي. ينطوي على مخاطر جمة. أبرزها مخاصمة الاستقرار الذي تتطلع إليه كافة القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية. فضلا عن الإقليم ممثلا في منظومة مجلس التعاون الخليجي ثم المحيط القومي في المنطقة العربية. ناهيك عن العالم. ويبدو أن هؤلاء جميعا تركوا اليمن وحيدا يواجه مصيره بمنأى عن أي تدخل إلا من الأطراف صاحبة المصلحة في بقاء الأوضاع متأججة. والسؤال: هل اليمن أقل من العراق وسوريا في الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للأطراف الإقليمية والدولية التي سارعت في الانضمام إلى ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”؟ ربما.
إن المشهد اليمني بات كله خاضعا لهيمنة الجماعة الحوثية. فهي التي تسيطر على مؤسسات الدولة. وتتحكم في حركة الشارع وتقبل بمن تشاء وترفض من تشاء. وتهدد في حالة عدم الإذعان لتوجهاتها ومطالبها بالتصعيد وممارسة فنون الاحتجاج التي تجيدها بقوة. ولعل أنموذج رفضها للدكتور أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب الرئيس هادى عبد ربه منصور رئيسا للحكومة الجديدة بعد أن تم التوافق عليه. بما في ذلك مستشارها للرئيس. والذي سحبته فيما بعد. يؤكد هذه الحقيقة في هذا المشهد البائس الذي ينبئ عن تراجع سافر للسلطة الشرعية في مقابل سلطة الأمر الواقع التي تمارسها هذه الجماعة. متكئة على غطرسة الشعور بالقوة. ويبدو أن هذه الجماعة لم تقرأ بتمعن في ملف تطورات شبيهة شاركت فيها بعض الأحزاب والتنظيمات في بلدان عربية فارتفعت قامتها مستندة إلى عنصر القوة فقط . بيد أنه سرعان ما انهارت الأوطان وغابت الدولة. فانطلق المجال للفوضى والخراب خاصة أن الحقائق التاريخية والجيو سياسية. تؤكد أن الاتكاء على مقوم القوة ليس كافيا لفرض التوجه والمواقف والسياسات والذي قد ينجح لفترة زمنية محدودة. ولكن ثمة مقومات أخرى أهمها الدخول في شراكة وطنية حقيقية مع القوى والمكونات الأخرى وبعيدا عن منطقة الإقصاء والإلغاء والتجاوز وتصفية الحسابات والتي تشكل الإطار الجامع الذي بوسعه أن ينقذ الوطن ويحقق الأمن للشعب.
إن أخطر ما نتج عن هيمنة الجماعة الحوثية على صنعاء يتمثل في تقديري فيما يلي:
أولا: خلخلة سلطة الرئيس الشرعي للبلاد وإظهاره بمظهر العاجز عن إدارة الدولة. خاصة أن الجماعة هي التي تقوم حاليا بمهام الشرطة والإشراف على الأنشطة الخدمية التي كانت تقدمها الدولة. وقد فوجئ سكان صنعاء قبل أيام بظهور عناصرها في الشارع. وهم يرتدون زي رجال الشرطة ويمارسون ضغوطا لضم عشرين ألف من عناصرهم في الجيش الوطني مما يدفع الأمور دفعا إلى المزيد من الاستقطاب المذهبي والطائفي. وقامت في هذا السياق بممارسات رمت من خلالها إلى إثبات تصدرها القوى للمعادلة السياسية والعسكرية والأمنية عبر سلسلة من الاقتحامات لمنازل كبار المسؤولين بالدولة ومؤسساتها. والأخطر هو التعامل مع الأسلحة والعتاد العسكري الثقيل بالذات التي حصلت عليها من المواقع والمعسكرات التابعة للجيش وقوات الأمن بحسبانها غنائم يحق لها نقلها إلى منطقة نفوذ الجماعة في صعدة.
ثانيا: إجهاض أهداف المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والتي شهدت إجماعا من كافة القوى والمكونات – بمن فيهم الحوثيون أنفسهم – وذلك يعني بوضوح. أن الجماعة لم تعد تقبل بالإطار الوطني وتعمل على التحرك بمفردها في الساحة. الأمر الذي لن تقبل به قوى أخرى لها بعضها كان نافذا في المشهد السياسي مثل حزب التجمع للإصلاح اليمنى. والقوى الوطنية والليبرالية والناصرية والقومية. فضلا عن تنظيم القاعدة الذي رأى في التداعيات الناجمة عن السيطرة على صنعاء مجالا خصبا لاستعادة بعضا من شعبيته المهتزة ونفوذه المتناقص. فسارع بإعلان الحرب على الجماعة. بل وعلى من يعتقد أنه يميل إليهم سواء في مؤسسة الجيش أو الشرطة مثلما حدث بهجومه الانتحاري على معسكر للجيش في حضرموت قبل أيام وقتله ثلاثة من أفراده بحجة أنهم مؤيدون للحوثيين. وهو تفكير أهوج ينم عن عدم قدرة على الفرز ويؤكد الطابع الإرهابي للتنظيم.
ثالثا: إمكانية تحول اليمن إلى ساحة أكثر اضطرابا للصراع والفتنة الإقليمية -إن صح التعبير- خاصة بين دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية من ناحية وإيران من ناحية أخرى . فما جرى من سيطرة على صنعاء احتسب بشكل أو بآخر تقدما إقليميا إضافيا تحرزه طهران . وللأسف فإن بعض الدوائر الحاكمة فيها رأت في هذا التطور انتصارا جديدا لها وفقا لمقولة أحد نواب مجلس الشورى الإسلامي والذي اعتبر صنعاء رابع عاصمة عربية تلتحق بالعواصم التي باتت في قبضة إيران إضافة بغداد ودمشق وبيروت. وبالطبع لن تقبل المملكة ولا دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بهذا المنظور للمسألة. ولعل الموقف الذي أبداه وزراء خارجية دول المجلس في اجتماعهم الأخير في جدة يعبر بقوة عن ذلك فقد” أكدوا شجبهم الأعمال التي جرت في اليمن بقوة السلاح وإدانة واستنكار عمليات النهب والتسلط على مقدرات الشعب اليمني، وضرورة إعادة المقار والمؤسسات الرسمية كافة إلى الدولة اليمنية وتسليم الأسلحة كافة وكل ما جرى نهبه من عتاد عسكري وأموال عامة خاصة. وشددوا في الوقت نفسه على أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية الفئوية، حيث إن أمن اليمن وأمن دول المجلس يعدان كلا لا يتجزأ، مبدين أملهم أن تتجاوز الجمهورية اليمنية هذه المرحلة بما يحفظ أمنها واستقرارها ويصون سيادتها واستقلالها ووحدتها، مؤكدين أن ما يهدد أمن اليمن وسلامة شعبه يهدد أمن المنطقة واستقرارها ومصالح شعوبها”.
رابعا: وقد لا يكون ذلك بعيدا عن النتيجة السابقة. ويتمثل في محاولة تمدد الجماعة الحوثية إلى مناطق إستراتيجية في اليمن بعيدا عن العاصمة صنعاء وفي مقدمتها منطقة باب المندب لاعتبارات قد تكون ذات صلة بأهداف قوى إقليمية معينة تسعى لتحقيق مآربها في صراعها مع الغرب غير أن ذلك في حد ذاته قد ينطوي على مخاطر تهدد الأمن القومي العربي وبالتالي لن يقبل النظام الإقليمي العربي بسيطرة جماعة يمنية ذات أهداف طائفية ومذهبية بالسيطرة على هذا المضيق الإستراتيجي. فضلا عن أن القوى العالمية وفي صدارتها الولايات المتحدة وأوروبا لن تسمح بحدوث ذلك وهو ما يدخل المنطقة إلى وضعية صراع إقليميا إضافيا وربما دوليا سيدفع دون شك إلى المزيد من حالة الاستقرار والفوضى سواء في اليمن أو في المنطقة ككل.
ما الحل إذن؟
هو أن تبادر الجماعة بسحب عناصرها المسلحة من العاصمة صنعاء ومن المناطق الأخرى التي سيطرت عليها وأن تلتزم ببنود اتفاق السلم والشراكة الوطنية والذي رغم أنه وقع تحت قعقعة السلاح إلا أنه حظي بقبول وطني وإقليمي ودولي وأن تعيد ما نهبته واستحوذت عليه من سلاح ومعدات ومؤسسات إلى الدولة اليمنية وأن تقبل بالانخراط في عملية سياسية تقوم على المساواة بين كافة المكونات بعيدا عن الإقصاء واللجوء إلى القوة العسكرية تفضي إلى انتخابات جديدة تعيد بناء الدولة اليمنية على أسس المواطنة والقانون والعدالة وهي كلها أهداف نادي بها شباب اليمن في ثورته المجيدة في العام 2011 وذلك لتجنيب اليمن مخاطر الفوضى والانقسام الطائفي والمذهبي فضلا عن الجغرافي.