يمكن اعتبار الرئيس العراقي الراحل صدام حسين “الأضحية الأغلى ثمناً” في العصر العربي الحديث على الأقل، فقد تم إعدامه يوم عيد الأضحى، دون أدنى اعتبار لقدسية هذا اليوم، وكونه مصدر فرح للعرب والمسلمين في كل مكان، وبالتالي فإن إعدام الرئيس صدام حسين في يوم فرح المسلمين هو مبعث حزن دائم لن يختفي أبد الدهر، فقد ارتبط شنق صدام وعيد الأضحى إلى الأبد، وأصبح سمة وعلامة بارزة ومحفورة في الذاكرة والوجدان.
لم أكن يوماً من مؤيدي صدام حسين أو مشايعيه، وأذكر أنني عندما زرت بغداد في منتصف التسعينيات كدت أختنق من كبت الحريات وانتشار الدولة البوليسية في كل ركن وزاوية، وسيادة حالة الريبة، وحين نزلت في فندق الرشيد، كان شيء فيه يشي أنك تحت المراقبة الأمنية الخانقة، وشاهدت الفقر يخيِّم على البلد الذي كان يرزح تحت حصار خانق، لكن رغم كل مظالمه وعتوه وجبروته، فقد صنع عراقاً قوياً واستطاع أن يؤسس قاعدة علمية في البلاد، ونشر الجامعات في كل مكان، وبلغ العراق في عهده تقدما في جميع الأصعدة، ما عدا الحريات التي كان يكفر بها طبعا، حتى بدأ الحصار، الذي أخذ يضرب مفاصل البلاد العلمية والصحية والصناعية.
استطاع صدام حسين أن يبني قاعدة بشرية مؤهلة كانت الأكثر تطورا في العالم العربي، بل إن تقريراً أمريكياً ذكر أن الفجوة العلمية بين العراق والغرب كانت 50 عاماً عام 1990 في حين كانت الفجوة بين الدول العربية والغرب أكثر من 500 سنة، وصرف موارد الدولة على البعثات العلمية، وكان الطلاب العراقيون ينتشرون للدراسة في كل أنحاء العالم على حساب الدولة، فقد كانوا يحصلون على منح ورواتب وامتيازات أثناء الدراسة، وفي بعض الأحيان كان نصف الفصل الذي أدرس فيه من الطلاب العراقيين، وفي زمنه لم تكن الكهرباء تقطع رغم الحصار وعدم توفر قطع الغيار.
صحيح أن صدام حسين كان ديكتاتورا وربما كان يعتبر نفسه “نصف إله” لا يسمع سوى صدى صوته، إلا أنه جلب للعراق الاستقرار والأمن، ولا أقول ذلك كتبرير للديكتاتورية بل كوصف لما هو موجود، وكان العراقي آمنا في بيته وعمله وفي الشارع، وكان ليل العراق كنهاره من حيث الأمن، حيث لا يجرؤ أحد على العبث لأن رأسه سيعلق في التالي إن فعل.
يمكننا أن نقول أي شيء عن صدام.. عن حسناته وسيئاته، وإيجابياته وسلبياته، وإنجازاته وإخفاقاته، إلا أن ما يجمع عليه العالم كله، ويجمع عليه أصدقاؤه وأعداؤه أنه كان رجلا بكل ما في الكلمة من معنى، قويا رابط الجأش، صانعا للقرار، وأفضل دليل على ذلك أنه لم يرتجف وهو يقاد إلى المشنقة، ولم يتلعثم، وكان مكشوف الوجه، عكس جلاديه الذين كانوا يغطون رؤوسهم خوفا وفرقا منه، وهو ما جعله يوبخهم وهو على منصة الشنق ويقول لهم “هل هذه هي الرجولة؟”، وهي عبارة ستبقى أبد الدهر، لأن الذين شنقوه يوم عيد الأضحى ورقصوا حول جثته وهو ميت ليسوا رجالاً ولم يكونوا يوماً رجالاً، بل كانوا مجموعة من شذاذ الأفاق الذي جاءوا على ظهر الدبابات الأمريكية والاحتلال، ببساطة كانوا عملاء للاحتلال الأمريكي الذي سلمهم الرئيس لكي يشنقوه يوم العيد.
سلب شذاذ الأفاق الذين شنقوا صدام حسين العراق، وحولوه إلى مستنقع من البؤس واليأس والدم والقتل والاغتيال والسيارات المتفجرة والموت المجاني، وأغرقوا الشعب العراقي في الطائفية والتفتت والفقر والفاقة والبطالة، ودمروا الجامعات والمؤسسات التعليمية والعلمية والصحية وتدهورت البنية التحتية، وصار وصول التيار الكهربائي أمنية للعراقيين، وانتشر الفساد والرشوة وهربت الكفاءات العراقية إلى العالم وتدهورت الحالة الصحية للمواليد والأطفال وانتشرت الأمراض التي كانت مجرد ذكرى في عهد صدام.
صحيح أن صدام قتل بعض العراقيين لكن من جاءوا على ظهور الدبابات الأمريكيين قتلوا كل العراق وكل العراقيين، ودمروا الحرث والزرع وفتكوا بالبشر والشجر والحجر، ونشروا الكراهية على أساس ديني وعرقي وطائفي ومناطقي.
رحم الله صدام حسين فقد مات رجلاً كما ينبغي أن يموت الرجال، أما من خلفوه فهم يهربون بالآلاف أمام مجموعة صغيرة من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذي لم يسمع به أحد قبل شهور