عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – اتابع الحال العماني وقد زرت السلطنة اخيرا والتقيت العديد من ابنائها ، وشعرت ان ثمة شيء يقلقهم ويجعلهم اكثر توترا واسئلة رغم القدرة غير المتناهية من ثقافة الصبر والتوكل وعدم التطير التي عاشها العماني والمنعكسة من تاريخه وتجربته وموقعه الجغرافي ومقارعته العديد من اشكال الاستعمار والتدخلات وبسبب من تصالح مذهبي ظلت مرجعياته تضع الانسان حيث تتوفر كرامته واعتداله وتمييزه . وحيث ادراك المصالح العامة والوعي عليها والاسترشاد بفقه الواقع والتعويل عليه ..
ظلت عمان تحظى باستقرار ملحوظ ميز جغرافيتها عن سواها وامتدادها وظلت قادرة على الامساك بتاريخها والتعامل معه بانفتاح واستقاء العبر والدروس لتظل البوصلة العمانية في الاتجاه الصحيح وقد بدا ذلك واضحا وجليا منذ انطلاقة نهضة عمان الحديثة عام 1970على يد السلطان قابوس الذي لم يغب عن عمان ولم تغب عنه لحظة واحدة طوال اكثر من اربعة عقود متصلة ..
لم يعرف الجيل او الجيلين العمانيين المعاصرين قائدا سواه ولم يقارنوا حالتهم بحالات سبقته فالسلطنة الان في احسن اوضاعها وهي وديعة في يد ابنائها بعد ان نالوا من التمكين العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ما يجعلهم في امان ببلدهم وما يجعل بلدهم في أمن وسلام بين ايديهم ..
كان القلق باديا على وجوه من التقيت بهم وهم نخبة ممن احبوا بلدهم ومكنتهم بلدهم من ان يعبروا لها عن حبهم حين وضعتهم في المكان اللائق لترجمة هذا الحب عطاء كل من موقعه واستطاعته ..
القلق العماني من النوع النبيل لانه قائم من خوف وحرص على قائد ارتبطت النهضة باسمه وارتبطت الطفرة العمانية والمرحلة في رسم عمان واضحة على الخريطة باسمه ايضا ..
القلق النبيل على صحة السلطان قابوس وسلامته ليعود فيعود معه الفرح يمنعك من الخوض في كثير من الاسئلة التي قد لا يفهمك السائل من خلالها . فالعمانيون لا يحبون السفسطة ولغو الكلام ولا يعرفون تقاليد الثرثرة والرطانة كما لا يمتلكون اذنا لاستقبال الاشاعات خاصة حين تصاحبها رائحة كريهة او مس بالقضايا الوطنية او الجوهرية . وهم على يقظتهم لا يسيئون الظن بل ياخذون كلام اخوتهم على احسنه ..
كنت اسال من اين للعمانيين كل هذا الهدوء والصبر والتحلي بالحكمة؟ وكنت اتامل ما اذا كانت الحكمة يمنية او عمانية لادرك ان الحكمة حيث يكون الحكماء بنفس معيار الديموقراطية حيث يكون الديموقراطيون ..هي ليست للجغرافيا وانما للانسان!!
نعم العمانيون قلقون قلقا نبيلا على سلطانهم وامامهم ودليلهم ورائدهم الذي لم يكذبهم منذ حطت طائرته في مسقط ومنذ بيانه الاول في حريتهم ” اذهبوا فانتم الطلقاء ” ليكن لكم السفر والتعليم والثروة ..
كانت عمان مع قدوم السلطان قابوس عام 1970 الى مسؤولياته قد استغلقت طرقاتها أمام الانفتاح والتعليم وقبول الآخر .. كانت مقسمة في تسميات لها تبعيات وكان الولاء مقسم ايضا ولم تكن نوافذ عمان مشرعة ولا حتى طرقاتها مشقوقة ولا أرضها البكر تشي بالتخصيب..
كان قابوس بن سعيد أكثر من حاكم او قائد او زعيم كان ابن عمان التي لم يمحض حبه لسواها ولم يعمل باخلاص لغير تطورها ولم يصحو او يمسي الا على ذكرها.. والعمانيون يدركون انه حملها معه في رحلة علاجه وظل التفكير بها يسبق تناوله لدوائه او حتى قياس حرارته او ضغطه..
فهمت لماذا يقلق العمانيون؟؟ لأن حكم السلطان ابرز بنود رأسمالهم وأسس شراكتهم والقيمة المضافة لكل جهد او عمل انجزوه.. لأن اسمه كان وما زال بيرقهم وموقع اعتزازهم حين يلهجون باسمه او يدللوا على كل خطوة اتخذها..
كنت حائرا في فهم عمان الى ان لمستها في ثقافة ابنائها وفي علاقتهم بالاسلام وتغليبهم للعقل والوعي والبعد عن التعصب.. كان عليّ أن اقرأ الاباضية وهي المذهب الحاكم في عمان لأدرك سر الرشد والتوازن وتغليب المصلحة الوطنية والابتعاد عن الفتن والتزام الواقع والحذر من الخروج على السلطة والابتعاد عن التعصب،وقد كنت قرأت الشافعية في لونها اليمني والعماني والتي استفادت من مزاملة المذاهب الاخرى والاحتكاك بها ،ادرك ان السلطان لم يقنع شعبه فقط بجعلهم يجترون تاريخهم او يعيد رسمه لهم بالوان زاهية باعتباره حاملا لعلم الوراثة للسلطنة والامامة ولكنه قدم اوراق اعتماده لشعبه مستلهما روح العصر ومستفيدا من الدراسة في الغرب حيث تخرج من كلية سانت هيرست العسكرية في بريطانيا وخدم متدربا بالجيش الالماني وحيث جال العالم وخبر الكثير من تجاربه قبل ان يبدا مشوار النهضة ..
كان الانجاز هو اوراق الاعتماد التي لم تقدم في فراغ وانما في اطار من التاريخ والمجد والشرعية بكل دلالاتها من هنا جاء القلق العماني مشروعا وقد غاب السلطان قابوس للعلاج فغاب كثير من الفرح عن وجوه من تحدثت معهم حين كانوا قبل ذلك يتحدثون وكانهم يستظلون براياته او يعتمدون على انجازاته في شواهدهم ..
سيعود السلطان الى حضن وطنه وهو عائد بمشيئة الله وسيعود الفرح الى وجوه العمانيين اولئك الذين ظل عقدهم مع سلطانهم على محبة عمان التي خرجت من الفكرة والرسالة والمذهب وحتى من بين مدافع البرتغاليين المستعمرين الذين تعلموا في عمان قبل هزيمتهم كيف يدير العمانيون اساطيلهم وكيف لا يخشون قلاع المستعمرين وخرجوا ايضا من بين قسوة المعاهدات وصراع الانداد الفرنسيين والبريطانيين حين جاء سلطانهم الاول واضع حجر البناء البوسعيدي ..
هاهي عمان تسترجع الان فرحها وستخرج بكامل زينتها وحليها وقد رايت التحضير لذلك وهاهي تستاذن عيد الاضحى ليكون عيدها يوم عودة سلطانها غانما بالصحة وحب وطنه ولهفته على مشاهدته بعيدا عن حرائق المنطقة وتجاذباتها وخفة عقل اصحاب القرار في كثير من عواصمها ..
عمان لن تكون على مفترق الطرق فقد ترك فيها سلطانها امران لن يضل العمانيون ما ان تمسكوا بهما وهم (من تمسك بكتاب الله وهدى رسوله) اما الامران فهما امساكهم على مكاسبهم التي اتت بها نهضتهم وحرصهم على وحدتهم وتحصينها بكل اسباب المنعة والوقاية في زمن انتشار وباء الآيبولا السياسية والطائفية والمذهبية وحتى الفيروسية
سلطنة عمان اليوم جاهزة لاستقبال قائدها وقد استعدت استعداد قطاعات الجيش لتفتيش القائد .. جاهزة واعية يقظة وفرحة منضبطة ومنظمة ..
ولنا نحن العرب من فرح العمانيين نصيب فالاخ يفرح لفرح اخيه ويحزن لحزنه اما وقد بدات عمان فرحها بعودة قائدها فاننا نبارك ونحتفي ونرى ان لا مكان للفوضى في عمان سواء كانت خلاقة او غير خلاقة فربيع عمان هو ربيع صلالة الان الذي لا يغادر موسمه والذي يحمل في كل سنة بشرى وهو ربيع الانجازات في كل محافظات عمان في الداخل والخارج ضمن الجغرافيا العمانية ، هو الربيع الذي لا يقبل العمانيون تزويره او استبداله باحلام واهمة وبضاعة كاسدة.اذ انهم اعتبروا مما اشتراه الاخرون فكانوا قوما بورا..