في الوقت الذي كان فيه اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية المصري يعلن في مؤتمر صحفي عن نجاح قوات الشرطة في الثأر لشهداء الفرافرة، كان رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب في موقع الكمين الذي شهد وقوع هذه العملية الإرهابية يعلن عن إطلاق مشروع الطرق الجديدة وبدء إنشاء طريق “عين دالة ـ الفرافرة الذي يعد أول طريق عرضي تنموي يتم تنفيذه ضمن شبكة الطرق التنموية الجديدة التي تبلغ تكلفتها 37 مليار جنيه وبأطوال تبلغ 4000 كيلومتر، وهي شبكة طرق تمثل نقلة حضارية لمصر بعد أن غابت عنها الخطط التنموية الحقيقية منذ عقود.
هي ليست مصادفة بكل تأكيد، وهذا ما أكده المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة المصرية حين قال إن المشروع القومي للطرق ينطلق من نفس الموقع الذي شهد العملية الإرهابية التي أودت بحياة 22 شهيدا من جنود وضباط الجيش في الـ19 من يوليو الماضي، معتبرا وقوفه في هذا المكان ليعلن عن البدء في المشروع القومي للطرق رسالة أمل للشعب ودعوة لدول العالم للاستثمار والسياحة في مصر ـ هذا هو ما قاله محلب بالضبط ما يعني أن الحكومة كانت عاقدة العزم على هذا الأمر .. ولكن هل المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية المصري جاء مصادفة أيضا ليعلن في نفس اليوم الثأر لشهداء الفرافرة؟! .. أزعم أنه كان مخططا له أيضا هذا التوقيت وهي رسالة شديدة البلاغة من نظام الحكم إلى الشعب المصري أولا وإلى الخارج ثانيا مفادها أن الدولة تسير في طريقين في وقت واحد .. طريق البناء والتنمية .. وطريق الثأر لضحايا الإرهاب .. فهي في الوقت الذي تحارب فيه الجماعات الإرهابية والتكفيرية مصرة على بناء مصر الحديثة التي يحلم بها كل المصريين!
الحكومة المصرية تعمل بكامل طاقتها .. تبذل جهودا مضنية من أجل إزالة آثار الإرهاب .. والشعب المصري من جانبه يلبي طلباتها ويستجيب لكل قراراتها .. حدث ذلك في الكثير من المواقف أبرزها وقت ارتفاع أسعار الوقود حيث لم يشهد الشارع المصري مظاهرة واحدة خرجت لتندد بارتفاع أسعار المواد البترولية وأيضا ارتفاع أسعار الكهرباء رغم أن تلك الزيادة قصمت ظهر ملايين من المصريين واستنزفت جيوبهم ولا تزال كل شهر .. وهناك موقف آخر يوضح مدى التناغم الحقيقي بين الحكومة والمواطن يتمثل في نجاح قرار نقل الباعة الجائلين من منطقة وسط البلد إلى جراج الترجمان رغم مرارة هذا القرار عند الباعة الذين اعتادوا خلال السنوات الثلاث الماضية على احتلال أرصفة أبرز شوارع العاصمة وفرش بضاعتهم على الأرض وبيعها للمارة، ما أفقد هذه المنطقة مظهرها الجمالي الذي يضاهي شوارع أوروبا العتيقة.
أما أبرز المواقف الوطنية للشعب المصري والتي كانت بمثابة ملحمة وطنية في حب مصر، هو نجاح المواطنين المصريين في تدبير تكاليف حفر قناة السويس الجديدة في ثمانية أيام فقط من خلال الإقبال الكبير على شراء شهادات الاستثمار المخصصة لهذا الغرض، حيث بلغت الحصيلة في نهاية اليوم الثامن 64 مليار جنيه بما يزيد بأربعة مليارات جنيه عن التكلفة الحقيقية لإنشاء هذه القناة المقدر لها 60 مليار جنيه، حيث رأى المصريون أن المساهمة في مشروع قناة السويس الجديدة واجب وطني من أجل مستقبل بلدهم ومستقبل الأجيال المقبلة حتى تستعيد مصر ريادتها المستحقة بين الأمم .. وهذا لم يكن يحدث لولا شعور المواطن المصري أن أجهزة الدولة تبذل قصارى جهدها في سبيل تحقيق آمال وطموحات الشعب.
مصر بذلك ترسل رسالة إلى العالم بأن الإرهاب الذي تواجهه رغم بشاعته فإن ذلك لن يثنيها عن السير في طريق البناء والتنمية طالما أن الشعب يقف بجانب الدولة ويستجيب لها كلما تطلب منه تلبية النداء، ولقد قالها ذات مرة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال أحد لقاءاته برؤساء تحرير الصحف المصرية حيث قال “طالما الشعب يقف على قلب رجل واحد ووراءه جيش قوي فلا يخيفنا داعش أو غير داعش” .. وهذا هو ما يفعله المصريون تحديدا الآن .. فالشعب صار أكثر وعيا وإدراكا بخطورة التهديدات التي تواجهها مصر من الداخل ومن الخارج، وأصبح أكثر وطنية وتماسكا عما كان عليه الحال خلال فترة حكم الإخوان التي شهدت انقسامات وصراعات لم تشهدها مصر على الأقل في تاريخها الحديث.
لقد استوعب المصريون الدرس تماما وصاروا بالفعل على قلب رجل واحد لدحر الإرهاب الذي يسعى بكل قوة إلى إسقاط الدولة بتنفيذ أعمال القتل والترويع وشل أجهزة الدولة، ولعل هذا ما دفع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري في القاهرة مؤخرا إلى التأكيد على ضرورة أن يكون هناك تحالف دولي لمواجهة الإرهاب أيا كان مكانه أو مصدره بحيث لا يقتصر التحالف الدولي الذي نجحت أميركا في تكوينه على تنظيم “داعش” بمفرده دون محاربة كافة البؤر الإرهابية الأخرى، لافتا الإدارة الأميركية إلى ضرورة تدارك الأبعاد الجديدة التي بدأت تطرأ على صراعات المنطقة العربية والتي تستهدف تأجيج الخلافات المذهبية والطائفية.
لقد رفضت مصر الانصياع دون قيد أو شرط للأوامر الأميركية للمشاركة في العمل العسكري الذي يجري التحضير له بين دول التحالف للقضاء على تنظيم “داعش” وحددت شروطا أهمها أن يشمل هذا التحالف كافة البؤر الإرهابية ولا يقتصر على تنظيم بعينه .. فالإرهاب ليس مقصورا على العراق وسوريا دون غيرهما .. فمصر تعاني من الإرهاب وليبيا أيضا .. وفي اليمن كذلك .. بل امتد الإرهاب حتى وصل إلى نيجيريا .. وبالتالي يجب تغيير “أجندة” هذا التحالف ليشمل محاربة كافة البؤر الإرهابية، سواء في المنطقة العربية أو إفريقيا أو في أي مكان في العالم .. هذا هو ما يفسر الموقف المصري الذي كان في السابق يطيع أميركا طاعة عمياء .. فمصر خلال السنوات الثلاث الأخيرة عانت من الإرهاب كثيرا ولم يهتم بها أحد سوى وقوف عدد من الدول العربية الشقيقة بجوارها .. ولولا تماسك الشعب المصري ولولا وجود جيش قوي يقف وراء هذا الشعب لكان مصير الدولة المصرية الآن أشبه بمصير دول أخرى في المنطقة!!