د.عبدالله باحجاج/ الخليج .. ووهم الاستقواء بواشنطن والناتو(2)

هل تغيرت معايير قوة الدول الخليجية أو اختل ميزانها وتراتيباتها وأولوياتها بحيث أصبحت عملية تأسيس علاقات دولية عميقة تشكل قوة جديدة لها، ولها الميزة المطلقة على بقية مصادر القوة الأخرى؟ وهل من له قوة أكبر في علاقته مع أميركا والناتو سوف تتدخل هذه القوى الأخيرة لصالحه ضد دولة ترتبط مع تلك القوى بعلاقة أقل قوة؟ لن ندخل في النظريات التي تقيس قوة الدول، وإنما سنركز حديثنا على التحولات الفكرية والسياسية الخليجية التي تقف وراء اعتبار علاقة الدولة الخارجية خاصة مع الناتو وأميركا قوة يتوقف عليها الآن مستقبل الدولة الخليجية ـ بالمفهوم المجرد – بل يتوقف عليه الآن كذلك مستقبل الخليج الذي وجد نفسه فجأة أمام جماعة مسلحة تضخمها الاستخبارات الأميركية عندما تقدر قوتها القتالية بـ (20) الف مقاتل كحد أدنى، وأعلى التقديرات تحددها (31500) مقاتل، فكيف ظهر هذا العدد المرعب فجأة؟ بل كيف ترك له أن يتشكل، فأين كانت القوة الاستخبارية الأميركية والخليجية؟
هذا إذا سلمنا جدلا بصدقية الاستخبارات الأميركية سالفة الذكر، وهي صدقية أصلا مفقودة، فلن ننسى، وكيف ننسى كذبتها بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية من أجل إسقاط صدام حسين؟ وربما يدخل التقدير الاستخباراتي الأميركي المبالغ فيه بشأن القوة القتالية لداعش في عداد أسلحة الدمار الشامل، لكن من أجل ماذا؟ العراق تحت سيطرة الأميركان، وهو يرزح الآن في اتون فتنة طائفية كبرى، هل من أجل سوريا وابتزاز المال الخليجي والقضاء على المد الإسلامي بعد انفجارات عام 2014؟ سوف نخصص مقالا حول هذه القضية المهمة، لكن لن نقتنع أبدا، بأن تشكيل تحالف عالمي بقيادة أميركا هو من أجل خوص حرب صغيرة ضد جماعة مسلحة فقط، إنه مشهد يبدو لنا وكأنهم سوف يخوضون فعلا حربا عالمية ثالثة، أو أن المنطقة مقبلة على حدث جلل، فهل ينبغي أن نثق في أميركا؟ التساؤل يخاطب الوعي النخبوي الخليجي للضغط التحتي لتغيير الفكر السياسي الخليجي قبل فوات الأوان، ولماذا هذا الوعي المستهدف وليس الوعي السياسي (السلطوي) لأننا على قناعة تامة بأنه قد غلق كل منافذ السمع والاستماع والرؤية الصحيحة، وبالتالي، لن ينفذ أي شيء إلى تلك العقلية عن طريق تلك الخواص،، السمع والرؤية،، من هنا يأتي رهاننا على البنى التحتية لقوى الضغط، فالمرحلة هي مرحلتها فقط، وهي الضمانة التي ينبغي التعويل عليها في الهروب من قدر تصنعه السياسة الإقليمية والدولية في الخليج إلى قدر سوف تصنعه النخب كرد فعل مقاوم، وكل الأقدار بمشيئة الله وإن تعددت وتنوعت أدوات تحقيقها، لكن الهروب من قدر إلى قدر هي إمكانية بشرية متاحة وليس قدرا مفروضا سالب الإرادة والفعل، وهنا منطقة عقل خالصة نتوجه بها لكل النخب الخليجية، ونقترح عليها التساؤلات التالية، هل استقواء وحداتنا الخليجية بالقوى الكبرى الآن أكثر من اي وقت مضى سوف يخلق لها الاستقرار الداخلي ويحافظ على وحداتها السياسية؟ وهناك حديث واسع النطاق عن المال السياسي ودوره في عملية تعزيز قوة العلاقات الخارجية، وهذا يدعو للسخرية، فمن يشتري موقفه وولاءه، كيف يعتمد عليه وقت المحن والمصائب؟ وكيف معظم دول الخليج ـ إن لم يكن جميعها ـ تثق في الناتو وأميركا؟ وكيف تنظر بعض دول الخليج لأميركا والناتو بأنها قوتها المطلقة أو المؤثرة والرادعة، الخليج ـ معظمه أو كله ـ يسابق المرحلة لكسب ود أميركا والناتو، فمع من ستقف تلك القوى في حالة نزاع دولتين حليفتين لها؟ وفي ذلكم تكمن المفارقة الكبرى، فالرهان على الخارج قد أصبح ثمنه غاليا ماليا وعلى حساب التنمية الاجتماعية، وله صور كثيرة منها مباشرة وأخرى غير مباشرة، كعقد اتفاقية تاريخية سرية وشراء أسلحة بالمليارات ودفع الفاتورة المالية للعديد من العمليات العسكرية الغربية أو شراء ذمم المفاصل الرئيسية في صناعة القرار في العواصم المؤثرة، وهذه ليست المفارقة المقصودة، وإنما هي تكمن اي المفارقة في حالة الاستعداء الداخلي بين الأنظمة وشعوبها، فحالة الاستعداد،، النخبوي،، في حالة تصاعد، وهي تشمل صورا عديدة، كالسجن وسحب وفقد الجنسية والطرد الوظيفي وخارج البلدان، إضافة للأموال الضخمة التي تذهب للجيوب والجيوش وشراء النفوس، فكيف لو تم توظيفها في معركة كسب الشعوب؟ … الخ (لن لن لن) يرسل الغرب اساطيله ولا يرسل ابناءه للحرب لصالح دولة ضد دولة في المنطقة، الا من منظور مصالحه هو وليس مصالح دول المنطقة، وكل دول المنطقة لها معه مصالح كبرى، فكيف تصبح قوة العلاقة مع واشنطن والناتو قوة للتلويح بها في وجه أية دولة خليجية؟ وبنفس النفي الثلاثي نكررها قائلين إن هذا الغرب لن يقف مع الأنظمة ضد شعوبها، والتاريخ الحديث دليلنا، إذن، كيف نستقوي بالغرب لمواجهة بعضنا البعض أو لمواجهة شعوبنا، إنها القوة الوهمية أو وهم القوة، وهذا يعيد أذهاننا إلى استقواء بعض النخب بالخارج سواء كان دولا أو منظمات، وقد تناولناها في مقالين سابقين، إذن، القوة الأولى والمطلقة للدول الخليجية تكمن داخليا فقط بعد انكشاف الواقع العربي، فمن الداخل انهارت انظمة إلى الأبد رغم قوة علاقاتها الدولية وبالذات مع الناتو وأميركا، وهناك انظمة أخرى تتداعى، المعيار هنا رضا الشعوب من عدمه، وحتى لو تدخل الخارج من أجل اسقاط انظمة، تشافيز أنموذجا،، فسوف يعيده الشعب إذا كان راضيا عنه، فالانقلاب الذي دبرته واشنطن على الرئيس الراحل تشافيز في فنزويلا لم يستمر طويلا في اقصائه عن الحكم، فقد اعاده الشعب إلى الحكم عبر انتخابات حرة، وظل هذا القائد حاكما يصنع تاريخا ليس في بلاده فقط وإنما العالم ولو لا المرض وأخيرا الموت .. وهذا يعطينا أفضل الأمثلة على صلاحية نظرية قوة الدولة الداخلية،، الشعب،، فمن اراد البقاء والنصر هما معا وفي ان واحد، فعليه كسب شعبه، وهو القوة النووية، الدفاعية والهجومية،، اي ثنائية الاستخدام في عصرنا الحالي، فما الفائدة أن تكسب الدول الخارج وتخسر داخلها، إنها ستكون نهاية النهاية لمن يراهن على الخارج على حساب الداخل. فما الحل بعد تفاهمات جدة التي حلحلت الأزمة الخليجية الخليجية تحت ضغط داعش في العراق وسوريا والحوثيين والقاعدة في اليمن؟ وقد تجلى لنا وهم الاستقواء من خلال تلك الأزمة الخليجية.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات