مع إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما “خطته الإستراتيجية” للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية وتكوين حلف من 40 دولة لتدميره، تعيد الولايات المتحدة صياغة دورها كقائد عسكري ومهندس الحركة وضابط الإيقاع في المنطقة العربية.
أمريكا تعود إلى العالم العربي هذه المرة تحت لافتة محاربة “تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي”، بعد أن دخلت المرة الأولى عسكريا بحجة محاربة تنظيم “القاعدة الإرهابي”، واحتلت أفغانستان والعراق وعاثت فسادا في الصومال واليمن، ومنذ عام 2011، بعد هجمات سبتمبر، وهي في حالة حرب فعلية، ولم تتوقف منذ 13 عاما عن شن حروب متواصلة قتلت خلالها ما يقرب من مليوني إنسان في العراق وأفغانستان والصومال واليمن، وأحالت هذه الدول إلى خراب، لكن أمريكا بدورها دفعت ثمنا باهظا جدا، فهي ترزح الآن تحت مديونية وصلت إلى 18 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج الإجمالي المحلي لأمريكا.
الحرب الجديدة هذه المرة في العالم العربي ليست حربا أمريكية خالصة، لأنها معقدة ومتشابكة ومتداخلة، وهي مطلوبة إقليميا ودوليا ومن قبل أنظمة عربية تخشى على وجودها، وبالتالي فإنها تشكل أضلاعا فاعلة بها لمواجهة هذا التنظيم المرعب الذي يسيطر على ثلث العراق وسوريا على الأقل، فهذا التنظيم يثير الرعب في عواصم كثيرة، إلى درجة أن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال: إننا إذا لم نذهب لمقاتلته في العراق وسوريا فإنه سيأتي لمقاتلتنا في شوارع لندن، وهي عبارة لها دلالاتها العميقة والقلقة في نفس الوقت، على الرغم من الغموض الذي يكتنف هذا التنظيم الدموي الذي انتقده منظر التيار الجهادي أبو محمد المقدسي وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وهاجمه بشدة قيادي القاعدة الذي يحاكم في الأردن، أبو قتادة، والذي لم يتورع عن وصفه بأنه مجرد “فقاعة” ستزول وأن أتباعه “خوارج من كلاب أهل النار”، وهي آراء لها وزنها على صعيد التيار الجهادي في العالم كله.
لكن ورغم هذا الغموض والإبهام فإن الآلة الإعلامية والدبلوماسية صعدت من “شيطنة” هذا التنظيم، وحولته إلى “غول” لإرعاب الرأي العام لحشد ما يكفي من القوة العسكرية والمالية لاستئصاله، وتخليص العالم من هذا “الشر” بتمويل من أنظمة عربية ليس لديها أكثر من “دفاتر الشيكات” لدفع تكاليف الحرب.
إلا أن الحرب هذه المرة على تنظيم الدولة الإسلامية تختلف في بعض التفاصيل عن الحروب على القاعدة والعراق، وهي تتميز بالتالي:
1- كثير من الأنظمة العربية تريد هذه الحرب وتحرض عليها ومستعدة لتمويلها.
2- واشنطن ستقود العمليات القتالية في العراق وسوريا لكنها لن ترسل جنودا.
3- ستطبق أمريكا عقيدتها العسكرية الجديدة وهي الحرب بواسطة “الجيوش المحلية”.
4- ستكتفي أمريكا بتوجيه ضربات جوية وتقديم الدعم العسكري مدفوع الثمن.
5- لاشيء مجانا كل رصاصة تطلقها أمريكا يجب أن تدفع الأنظمة ثمنها.
6- الاعتماد على العمل الاستخباراتي المحلي وخاصة لدى الدول المجاورة للعراق وسوريا.
7- عدم ممانعة اشتراك إيران وإسرائيل في هذه الحرب دون إعلان رسمي.
8- هذه الحرب موجهة ضد “التنظيمات المتطرفة” وليس الدولة الإسلامية فقط.
وقد عبر رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو عن ذلك بقوله أن “حماس والقاعدة وداعش فروع من ذات “الشجرة السامة”.. وهذا يعني أن حرب الأربعين تشمل الجميع وهناك قبول بل تحريض من بعض الأنظمة العربية لاعتبار “حماس” مشكلة يجب التخلص منها، مما يعني أن الحرب يمكن أن تكون على نطاق أوسع، وقد تتسع لتمتد من ليبيا إلى العراق ومن اليمن إلى سوريا، أي أننا في مواجهة حرب تشمل معظم العالم العربي، أو دعنا نسيمها “الحرب العالمية العربية الأولى”، في حركة مضادة للثورات العربية وإعادة إنتاج نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية وفرضه على العرب بالقوة المسلحة.
ولكن هل يمكن أن يحدث ذلك؟ وهل يمكن لهذا التحالف الأربعيني أن يحقق أهدافه؟ الأكيد أن هذا التحالف سيفشل فشلا ذريعا، فالحروب التي لا تزال مستمرة في العراق وأفغانستان والصومال واليمن ويضاف لها ليبيا وفلسطين والحرب ضد حماس في قطاع غزة فشلت كلها، مع اختلاف الأسباب والظروف، وهذا يعني أن الحرب الشاملة الجديدة ستكون فاشلة بدورها، ولن تنجح إلا في شيء واحد ألا وهو تدمير ما تبقى من العالم العربي واستنزاف أمواله، ودفع الأمة العربية لحرب طويلة قد تستمر 40 عاما تدفع الأمة إلى أتون الفقر والبطالة والموت.