“نحن أمة تقتل نفسها” قالها بشكل عفوي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال لقائه الأخير برؤساء تحرير الصحف المصرية في إشارة إلى عمليات القتل التي تجري باسم الإسلام في العراق وسوريا وليبيا ومصر .. وهذا بكل أسف هو ما يحدث الآن في المنطقة العربية التي أشعلتها النعرات الطائفية والمذهبية، ما أدى إلى ظهور الجماعات المتشددة والمتطرفة دينيا التي ترفع راية الجهاد ليس في سبيل الله، بل في سبيل تحقيق أهدافها المتمثلة في إقامة ما يسمى بالدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية وأبرز تلك الجماعات أو التنظيمات ما يطلق “عليه الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” الذي يمارس أعمال القتل والإرهاب في الأراضي العراقية والسورية ويحاول التوغل والانتشار في دول أخرى مثل ليبيا ومصر!!
التهديدات التي يمثلها ما يسمى تنظيم “داعش” ليست قاصرة على المنطقة العربية فحسب، بل تشمل الغرب أيضا وهو ما دفع العالم إلى أن ينتفض ضد هذا التنظيم الذي صار أكثر خطرا من تنظيم القاعدة، حيث تحركت الولايات المتحدة على الفور بعد ظهور فيديو ذبح الصحفي الأميركي جيمس فولي داخل الأراضي السورية على يد إرهابي بريطاني من أعضاء تنظيم “داعش” يقال إنه من أصول مصرية، كما دعت واشنطن إلى تأسيس تحالف دولي لمواجهة خطر هذا التنظيم ليعيد إلى الأذهان التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت، حيث قال جوش آرنست المتحدث باسم البيت الأبيض إن واشنطن ترغب في التنسيق مع “الدول السنية” في المنطقة لا سيما السعودية لبناء تحالف دولي ضد تنظيم “داعش” لافتا إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يسعى لإقامة تحالف سني مع دول المنطقة ومع القبائل السنية في العراق وبمساعدة الأمم المتحدة!!
إن تعامل الولايات مع تنظيم داعش يثير العديد من علامات الاستفهام والتعجب، كما أنه يطرح تساؤلات عدة خاصة في ظل ما يتردد بأن هذا “التنظيم الداعشي” صناعة أميركية تماما مثلما كان يتردد عن علاقة واشنطن بتنظيم القاعدة، وهو ما يدفعنا إلى التساؤل: هل الولايات المتحدة تستخدم تلك التنظيمات المتشددة كأداة لتحقيق أهدافها في المنطقة، وبمجرد ما تؤدي الغرض المطلوب منها تعلن الحرب عليها لتبدو الولايات المتحدة في النهاية الدولة الرئيسية الداعمة لمكافحة الإرهاب؟ .. وهو نفس السيناريو الذي مارسته واشنطن مع تنظيم القاعدة الذي نشأ وترعرع بدعم أميركي لمحاربة السوفيت في أفغانستان ثم انقلبت عليه بعد أن أدى الدور المكلف به!!
لقد عانت منطقة الشرق الأوسط من المجازر والصراعات على مدى الأعوام الثلاثة الماضية التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والمشردين دون أن تحرك الولايات المتحدة ساكنا، تاركة تنظيمات صنعتها بأيديها لكي تكبر وتتوحش لتبرر في النهاية ضرورة تدخلها عسكريا في المنطقة تحت هذا الغطاء، وهذا هو الهدف الذي تسعى إليه أميركا الآن من خلال التحالف الذي دعا إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما لتدخل المنطقة العربية في حروب جديدة يذبح فيها المسلم أخاه المسلم بمباركة أميركية، ما يؤدي في النهاية إلى تفتيت دول المنطقة على أساس مذهبي وطائفي ليتحول العراق إلى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية وكذلك تنقسم سوريا إلى دولتين .. وهكذا!!
لقد استولى ما يسمى تنظيم “داعش” على ثلث الأراضي العراقية والسورية آخذا في التوغل، وهو ما أثار قلق دول المنطقة خاصة السعودية ومصر، حيث دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المجتمع الدولي إلى ضرب المتطرفين بالقوة وبالعقل وبسرعة، محذرا من أنهم سيتمددون قريبا إلى أوروبا والولايات المتحدة، لافتا إلى أنه متأكد من أنهم سيصلون إلى أوروبا بعد شهر وبعد شهر ثانٍ إلى أميركا .. هذا في الوقت الذي رحب فيه المجلس الوزاري لدول التعاون الخليجي بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2170 الصادر في الـ15 من أغسطس الماضي الذي يدين انتشار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من قبل الجماعات الإرهابية في العراق وسوريا وخاصة تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” ويفرض عقوبات على الأفراد المرتبطين بهذه المجموعات!!
وفي مصر رغم نفي المسؤولين وجود تنظيم “داعش” داخل الأراضي المصرية، إلا أن هناك تقارير تشير إلى تواجدهم، لكن عددهم لا يزال محدودا .. فضلا عن أن جماعة أنصار بيت المقدس التي تمارس الإرهاب في مصر لا فرق بينها وبين “داعش”؛ فكلاهما يمارس العنف والقتل وإن اختلفت المسميات، أما الهدف فهو واحد؛ تطبيق فكر وقناعات السلفية الجهادية التي تبيح سفك الدماء .. فجماعة أنصار بيت المقدس أكثر الجماعات والتنظيمات دموية في مصر .. حيث تتبنى أغلب العمليات الإرهابية من قتل وذبح في مشاهد متكررة تحدث في العراق وسوريا وليبيا، وآخر تلك العمليات ما حدث يوم الثلاثاء الماضي حيث استهدفت عبوة ناسفة في طريق رفح ـ الشيخ زويد بشمال سيناء دورية أمنية أودت بحياة ضابط وعشرة جنود من رجال الشرطة، وهو ما أطلق عليها “مذبحة رفح الثالثة”!!
السؤال الذي بات يطرح نفسه على الساحة: ماذا سيستفيد تنظيم “داعش” وإخوانه من هذا الإرهاب الأسود سوى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم؟! فالمسلم يقتل أخاه المسلم وهذا هو ما يريده أعداء الإسلام .. إذن “داعش” وغيره ينفذون سياسة الأعداء وليس سياسة الدفاع عن الإسلام كما يزعمون .. فليسأل تنظيم “داعش” نفسه ما الذي فعله تنظيم القاعدة على مدى أكثر من ثلاثة عقود لنصرة الإسلام .. هل تنظيم القاعدة نصر الإسلام حقا؟! إذن متى وأين؟!! لن أجيب تاركا للقارئ الإجابة!!