مشاركون أردنيون وفلسطينيون يقيّمون نتائج الحرب وآثارها على مساري المفاوضات مع إسرائيل والمصالحة الفلسطينية
تحذيرات من إعادة انتاج سيناريو غزة في الضفة الغربية وتداعيات ذلك على أمن الأردن واستقراره
عروبة الإخباري – بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية وجامعة العلوم التطبيقية الخاصة، وفي إطار تنفيذ “مذكرة التفاهم” المبرمة حديثاً بين الفريقين، التأمت في مبنى رئاسة الجامعة يوم السبت الموافق للأول من أيلول/ سبتمبر 2014، جلسة “عصف فكري” بعنوان “ما بعد الحرب الإسرائيلية الثالثة على غزة”، بمشاركة ثلاثين شخصية أردنية وفلسطينية، مثلت طيفاً واسعاً من النواب والأكاديميين ورجال الدولة وقادة الأحزاب السياسية.
وتوزعت مناقشات المشاركين على محورين اثنين: الأول؛ بعنوان “أثر الحرب على المشهد الفلسطيني”، فيما انصبت المناقشات في المحور الثاني حول “الأردن وتداعيات الحرب على غزة”. وقدم كل من الأستاذ هاني المصري المدير العام لمركز البحوث والسياسات العامة “مسارات”/ رام الله، والدكتور جورج جقمان مدير عام مؤسسة “مواطن”، والأستاذ في جامعة بير زيت، مداخلتين تمهيديتين للنقاش في المحور الأول، كما قدم معالي الأستاذ عبد الإله الخطيب وزير الخارجية السابق، مداخلة تمهيدية للنقاش في المحور الثاني.
ودارت النقاشات في المحور الأول حول أثر الحرب على النظام السياسي الفلسطيني ومستقبل المصالحة الوطنية وموقع حماس والجهاد في مؤسسات السلطة والمنظمة، وما أحدثته الحرب من تغيير في مواقع وأوزان الفصائل الفلسطينية المختلفة، وكيف أثرت على تشكيل اتجاهات الرأي العام الفلسطيني، فضلاً عن الدروس التي يتعين على مختلف الأفرقاء الفلسطينيين استنباطها من هذه التجربة، لجهة بناء إستراتيجية وطنية مشتركة، تلحظ بناء التوافقات والمشتركات، وتحفظ التعددية الفلسطينية، فضلاً عن الحاجة لبناء توافق عريض حول برنامج وطني مشترك مدعوماً بتوافق حول أشكال الكفاح والمقاومة التي يتعين على الشعب الفلسطيني خوضها لنيل حقوقه الوطنية المشروعة.
وهنا لاحظ المشاركون أن الحرب، بخلاف سابقاتها، أظهرت عمق الوحدة الوطنية الفلسطينية فصائلياً وشعبياً، وأنعشت روح المقاومة الوطنية لدى الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده، وأعادت وضع القضية الفلسطينية في صدارة أولويات الإقليم والمجتمع الدولي، بعد أن تعرضت للطمس والنسيان خلال السنوات الفائتة.
وإذ أبدى المشاركون تقديرهم العالي لصمود الفلسطينيين في مواجهة العدوان، ونجاهم في منع إسرائيل من تحقيق مراميها وأهدافها، بل وانتقالهم خطوة إضافية على طريق “ردع” العدوانية الإسرائيلية وإرساء قواعد جديدة للاشتباك، إلا أنهم حذروا من مغبة “المبالغة” في تضخيم انتصار غزة، وإشاعة الانطباع بأن الشعب الفلسطيني قد حقق جميع مطالبه، مذكرين بأن لائحة المطالب والحقوق الفلسطينية المشروعة، ما زالت قيد البحث والتفاوض، وأن مشوار الشعب الفلسطيني مع رفع الحصار وإعادة الإعمار، وطريقه للحرية والاستقلال ما زال طويلاً، ومعبداً بكثير من المصاعب والتحديات.
وتطرق المشاركون إلى أثر الحرب على “خيار التفاوض” و”حل الدولتين”، حيث مالت الأغلبية العظمى من المشاركين للقول بأن إسرائيل بسياستها الاستيطانية التوسعية وتنامي دور اليمين المتطرف قومياً ودينياً فيها، لم تبق فرصة لخيار حل تفاوضي يُفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي يملي على الفلسطينيين والعرب، استمرار العمل لبناء عناصر القوة والاقتدار الكفيلة بإرغام إسرائيل على إنهاء احتلالها وعدوانها وحصارها للأرض والحقوق الفلسطينية.
وأجمع المشاركون على الحاجة لاستكمال عضوية فلسطين في المنظمات الدولية، وإحالة القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، والدعوة لمؤتمر دولي مستمر، يُخرج القضية الفلسطينية من قبضة الانفراد والتفرد الأمريكيين، محذرين من مغبة العودة لخيار التفاوض العقيم، غير المرتبط بهدف إزالة الاحتلال ضمن أجندة زمنية محددة … ورجحت مداخلات كثير من المشاركين، قيام إسرائيل بخطوة أحادية الجانب في الضفة الغربية، بهدف قطع الطريق على “حل الدولتين” والضغوط الرامية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، الأمر الذي سيشكل تهديداً لفلسطين والأردن على حد سواء.
كما تطرق المشاركون إلى تأثير المحاور العربية – والإقليمية على مجرى الحرب ونتائجها وما ستشهده القاهرة في الأيام والأسابيع القادمة من مفاوضات بخصوص “التهدئة طويلة الأجل”.واتفقت الآراء حول ضرورة إبعاد القضية الفلسطينية عن التجاذبات والمحاور العربية والإقليمية، فالقضية الفلسطينية ما زالت تمتلك القدرة على توحيد الرأي العام العربي، وهي أكبر من أي فصيل أو دولة أو محور. كما أوصى المشاركون الفصائل الفلسطينية بضرورة تفادي تكرار خطيئة التدخل في الشؤون الداخلية العربية أو الانحياز لمحور أو فئة في مواجهة محاور وفئات أخرى.
ولاحظ المشاركون بكثير من الاهتمام، اتساع حملات التنديد والمقاطعة الدولية لإسرائيل، وتوقفوا بشكل خاص عند ضرورة تشديد هذه الحملات، وانخراط الحكومات والمجتمعات العربية على نحو أكثر جدية فيها، باعتبارها عنصر ضغط شديد على إسرائيل التي باتت تخشى نزع “الشرعية” عن احتلالها ووجودها، وفي هذا السياق جرى التأكيد على عدم ترك أي محفل أو منبر حقوقي دولي، من دون اللجوء إليه لملاحقة إسرائيل على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في غزة وفلسطين… كما طالبوا بتفعيل البعد القومي والأممي للقضية الفلسطينية.
وأعرب المشاركون بالإجماع عن خشيتهم من مغبة تبديد مكتسبات الحرب وصورة الوحدة الوطنية الفلسطينية كما تجلت في الميدان وفي مفاوضات القاهرة، بعد أن لاحظوا بكل الألم، عودة مظاهر الانقسام والتراشق بالاتهامات بين فريقي السلطة وحماس، مؤكدين أن نجاح الجانب الفلسطيني في إدارة دفة المفاوضات الهامة لتثبيت الحقوق والمطالب الفلسطينية، مشروط بوحدة الموقف والأداة والإرادة، كما أن مشاريع إعادة إعمار غزة التي تعد أولوية أولى على جدول أعمال الشعب الفلسطيني، لن يكتب لها النجاح، إن لم يتمكن الفلسطينيون من بلورة إرادة جمعية وطنية مستقلة، تضع المصلحة العامة، فوق المصالح الفئوية الضيقة وفوق الحسابات الإقليمية وصراع المحاور في المنطقة.
وشددوا على الحاجة لتفعيل الإطار القيادي المؤقت في منظمة التحرير، ليكون “مرحلياً على الأقل”، مرجعية قرار الحرب والسلم، ومصدر صنع القرارات والسياسات في كل ما يتصل بالشأن الفلسطيني، باعتبار أن أحداً ليس بمقدوره ادعاء الشرعية منفرداً، ولا بمقدوره تدبير الشأن الوطني الفلسطيني لوحده، وأن سياسات الإلغاء والإقصاء والتهميش، لن تجلب للشعب الفلسطيني سوى أوخم العواقب.
وفي المحور الثاني، “الأردن وتداعيات الحرب على غزة”، دار النقاش حول المحددات المحلية والإقليمية والدولية التي أحاطت بمواقف الأردن وسياساته قبل الحرب وفي أثنائها وبعدها … وإذ ثمن المشاركون الجهود التي بذلت رسمياً وشعبياً من أجل توفير مقومات الصمود والإغاثة للشعب الفلسطيني الشقيق، فقد رأى عددا من المشاركين أنه كان يتعين على الأردن اتخاذ مواقف أكثر صرامة في مواجهة هذا العدوان، بما في ذلك سحب السفير الأردني من إسرائيل، فالإغاثة على أهميتها، لا يمكن أن تكون بديلاً أو تعويضاً عن السياسة والدبلوماسية … وإذ تحدث مشاركون عن ضعف وارتباك، صاحب الأداء الحكومي في أيام الحرب الأولى على غزة، عزا آخرون المشكلة إلى عاملين اثنين: الأول، عدم معرفة الأردن بما دار ويدور في أذهان قادة حماس، والثاني، إخفاق الفريق الحكومي في التعبير بدقة عن المواقف والمصالح والمحددات والضوابط التي تحكم الموقف الأردني في مثل هذه الاستحقاقات والمنعطفات.
وجادل مشاركون في الموقف الأردني الداعم بقوة للمبادرة المصرية، ففي حين قال بعضهم إن الأردن ما كان يمكن أن يتبنى مواقف مثيرة لتحفظات الأشقاء في مصر وعدد من الدول العربية الوازنة، بما فيها السلطة الفلسطينية ذاتها، علاوة على رغبته، في رؤية مصر وقد عادت لدورها القيادي في المنطقة العربية، رأى آخرون، أنه كان حريٌ بالأردن أن يدعم مطالب الإجماع الفلسطيني التي تخطت المبادرة وإن انطلقت من القبول الرسمي بها كأساس ومرجعية للتفاوض.
ودعا المشاركون لموقف أردني أكثر فاعلية في التقريب بين الأفرقاء الفلسطينيين، والاحتفاظ بقنوات تواصل وتفاعل مع الجميع بما في ذلك حركتا حماس والجهاد، حتى وإن اختلفت المواقف وتباينت الرؤى.
ولاحظ المشاركون حالة التوحد الوطني على المستوى الشعبي التي رافقت العدوان على غزة، وتراجع مظاهر الفرقة والانقسام، وإن كان عدد منهم قد لاحظ كذلك، أن الانقسام في فلسطين يحدث عادة، استقطاباً سياسياً في الأردن، وأن الحرب لم تساعد على تقريب المواقف بين الحكومة والمعارضة الإسلامية بشكل خاص.
وأجمع المشاركون على أن تراجع فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع، ستكون له انعكاسات خطيرة على أمن الأردن واستقراره وهويته، وأولوا أهمية استثنائية لتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود والثبات على أرضه، محذرين من خطر إعادة انتاج سيناريو غزة في الضفة، مع كل ما قد يترتب عليه من عمليات تفريغ للأرض الفلسطينية من سكانها، واعتبروا أن أية خطوات إسرائيلية أحادية الجانب، ستتهدد الأمن والمصالح الحيوية للأردن.
وكانت جلسة “العصف الفكري”، قد بدأت بكلمتين افتتاحيتين لنائب رئيس مجلس أمناء الجامعة، النائب الدكتور هيثم أبو خديجة، ولمدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي، تحدثا فيهما عن أهمية هذا اللقاء، والسياق الذي يندرج فيه، وأكدا على أن الجهتين المنظمتين، ستواصلان تنظيم مثل هذه الأنشطة في كل ما يخص السياسات العمومية، وما تحفل به الأجندة الوطنية الأردنية، من قضايا وتحديات.