أوافق مع الآراء القائلة بأن البلدان العربية في معظمها منشغلة، ولو جزئيا، عما يدور في فلسطين، واتفق أيضا على أن الدور المطلوب من هذه البلدان هو أكبر وأكثر مما هو عليه الآن، على الصعيدين الرسمي والشعبي، رغم أن الموقف الشعبي كان متقدما وبشكل ملحوظ على الموقف الرسمي.
العدوان الهمجي والصلف الإسرائيلي، يواجَه بغياب الصرامة في التعامل مع حكومة الاحتلال التي تتصرف ومنذ إنشائها على أنها دولة فوق القانون، وخارج إطار الشرعية الدولية، ودون أن تتعرض لأي عقوبة، مدركة بأن أكثر ما يمكن فعله بحقها هو نقدها، وبطريقة عادة ما تُحمّل المجني عليه المسؤولية أيضا، وكأن الأمر بين دولتين، وليس بين شعب يقع تحت الاحتلال ودولة تحتله وتعتدي عليه.
لذلك، فإن المطلوب الآن من كل الدول العربية، وبخاصة الدول المقررة، والتي لها علاقة مباشرة باستقرار المنطقة، مثل جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي، الذين نحترم ونقدر دورهم الهام والحيوي، أن تعمل وبشكل أكثر فعالية، من خلال استغلال مكامن قوتها سواء المادية، أو الجيو- سياسية، لدفع الأمور باتجاه؛ أولا لجم حكومة الاحتلال، وتبيان الأثر السلبي للسياسات الأمريكية الحالية في المنطقة ثانيا، والضغط باتجاه تصحيح الموقف الأمريكي ودول أخرى في تعاملها مع إسرائيل ثالثا.
المطلوب الآن، هو تفعيل الدور العربي الرسمي، سواء عبر جامعة الدول العربية، و/أو بالتنسيق الثنائي والمتعدد بين الدول المعنية والقادرة على الفعل، في سبيل استثمار فترة الهدنة التي أعلنت أمس لمدة (72) ساعة، على أن تبدأ هذه الدول تحركاتها الجدية والفعلية، لحث العالم، وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، للضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها الهمجي، والقبول بمطالب الوفد الفلسطيني الموحد، والتي هي مطالب كل الشعب الفلسطيني على اختلاف توجهاته ومكوناته، تحضيرا للبدء وبشكل جدي، وتحت رعاية دولية، دون إغفال أهمية الدور الأمريكي في هذا الأمر، الدخول في مفاوضات مبنية على أساس الشرعة الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، على أن تكون هذه المفاوضات محكومة بجدول زمني محدد، وقائمة على أساس إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين وفق القرار الأممي رقم 194.
إننا نؤمن بأن الظرف الحالي مهيأ وبشكل كبير، وعلينا اغتنام هذه الفرصة، من أجل جلب إسرائيل للاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، وهذا هو المدخل الوحيد للأمن والاستقرار في المنطقة، فلا يمكن أن تستمر إسرائيل بكذبها المكشوف للجميع، بأنها تسعى إلى السلام كلاما، وتمارس القتل والدمار والاحتلال فعلا، وإن هذا الأفعال والممارسات لن تزيد الشعب الفلسطيني إلا قوة وإصرارا على الوصول إلى حقه في تقرير مصيره، فلن يقبل هذا الشعب وبعد كل التضحيات التي قدمها ولا يزال، وبعد كل الدمار والقتل الممنهج الذي يمارس على قطاع غزة والضفة الغربية، أن يعود إلى الوضع الذي كان سائدا قبل العدوان الأخير.
حتما، الشعب الفلسطيني الآن، وأكثر من أي وقت مضى، ليس لديه شيء ليخسره سوى تخلصه من الاحتلال، وقد أثبتت مقاومته، التي نحييها، بأنها ندا قويا أمام جيش يعد من أعتا جيوش العالم، حيث استطاعت المقاومة التي يحتضنها الكل الفلسطيني ليس فقط خلق حالة من توازن الرعب مع دولة الاحتلال، بل أيضا خلق حالة من التناغم الفلسطيني الداخلي تمثل في توحد الكل الفلسطيني على مجموعة من المطالب يحملها وفد فلسطيني موحد برسالته وهدفه.
الرسالة السياسية، وإن جاز التعبير “العسكرية”، التي خرج بها الشعب الفلسطيني، لا بد ومن المفترض أن تلقى صدً على الأقل عربيا لاستثمارها والبناء عليها، والخروج من حالة الضياع التي تعتري وضعنا العربي في التعامل مع المستجدات التي أوجدتها هذه الرسالة، وأقول ذلك لأن الوقت يداهمنا، والفشل في الموافقة على المطالب الفلسطينية الذي يحملها الوفد الموحد، خلال الـــ (72) ساعة وهي مدة الهدنة، قد يقلب وجه المنطقة رأسا على عقب، وسيكون أول المتضررين ليس الفلسطينيين، فليس ليهم شيء ليخسروه، بل من تباطأ في تحمل مسؤولياته، وهنا لا أعفي الكتاب والمفكرين، والإعلام العربي أيضا من مسؤولياتهم تجاه ما يحدث، لأن الواجب يحتم عليهم أن يتحملوا هذه المسؤولية بالتوازي مع المواقف الرسمية لحكوماتهم.
ستتحقق المطالب التي يحملها الوفد الفلسطيني الموحد في حال أن دعمتها الدول العربية، فهي تمتلك الكثير من مكامن القوة تجعلها قادرة على الضغط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في اتجاه إجبار إسرائيل على القبول بها كمقدمة لإنهاء الاحتلال، وعدا ذلك نحن كفلسطينيين قد حسمنا أمرنا بالاستمرار في تعزيز مقاومتنا على كافة الأصعدة، ووفق ما كفلته لنا الشرعية الدولية.
لا أناشد الدول العربية، بل اطلب منها، وحرصا على الأمن القومي لكل دولة على حدا، وعلى الأمن القومي العربي في المجموع، أن تأخذ دورها وتستغل الساعات القادمة لكتابة تاريخ جديد للمنطقة والإقليم، تكون الكلمة الأولى فيه هي إقامة الدولة الفلسطينية، لأن العبارة البديلة في هذا التاريخ الجديد للمنطقة ستبدأ بــــــــ “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، وهذا ما لا نريده ولا نتمناه.
لقد أعطينا الكثير، وقبلنا فقط بـــ 22%، من فلسطين التاريخية من أجل السلام، وعملت القيادة الفلسطينية كل ما تستطيع من أجل هذا، وقدمنا وعلى مدار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الغالي والنفيس ولا نزال على استعداد لتقديم المزيد ففلسطين تستحق، ووفاء لدماء شهداء وجرحى القضية الفلسطينية التي لا زالت تنزف، وعهدا من شعبنا لأسراه البواسل في سجون الاحتلال، بأنه لن يقبل بأقل من حريته وكرامته ودولته الحرة المستقلة وكاملة السيادة كما أرادها من ضحى ولا يزال، وعلى رأسهم شهيدنا الخالد الرمز ياسر عرفات، وشهيدنا الشيخ أحمد ياسين.