علي البغلي/يا دواعش.. لكم في أهل لبنان قدوة حسنة

الفيديو الذي بث عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، والذي وصلنا، كما وصل إلى بلدان كثيرة في هذا العالم، أقام الدنيا ولم يقعدها في وجدان كل من شاهده.. ولكن أكثر من تفاعل معه هو الشعب المعني به الشعب اللبناني.. والفيديو يصور طفلاً في حوالي الثالثة من عمره ذا شعر طويل معقوص، يمسك بعصا ينهال فيها ضرباً على طفل في حوالي السادسة من عمره.. والضرب يحصل بتحريض من أصوات رجال بالغين لا يظهرون بالصورة.. والفيديو والحدث جريمة بحق الطفولة والإنسانية جمعاء.. وقد قلت إن الصورة هزت وجدان الآلاف، ليس لعدم وجود ما يزيد عنها بشاعة وترويعاً.. لا فالحمد لله نحن نكحل أعيننا يومياً بصورة القتلى بالسيوف والمذبوحين والمفجرين بالمفخخات والانتحاريين، والأطفال الأبرياء يقتلون بدم بارد على الشواطئ ومئات الصور البشعة غير المسبوقة تاريخياً.. لكن الفرق هو أن تلك الأفعال البشعة كانت تمارس من بالغين ضد بالغين، أو أطفال، وليس من أطفال ضد أطفال وبتحريض من بالغين!

لبنان الجريح الذي غدا بفضل أو بسبب تقاعس معظم سياسييه وأنانيتهم وعدم حبهم من الأعماق لبلدهم، وهو البلد الذي يعيش بدون رئيس جمهورية وبدون برلمان وبوزارة معلقة بالهواء، أعطى مثلاً لكثير من الدول التي تمتلك مثل تلك المقومات التي يفتقدها، وذلك بفضل حس ووعي وإدراك الجمهور اللبناني والرأي العام الواعي هناك.. فشنت الحملات لضرورة القبض على الجناة (المحرضين) للأطفال في ذلك الفيديو المسيء للإنسانية، وتقديمهم للعدالة.. وقد صاحب الفيديو تراشق وتأزيم طائفي، لم يكن ينقص لبنان، فالطفل الذي يتولى الضرب اسمه عباس، والطفل المضروب يظهر من لهجته أنه ابن لاجئين سوريين في لبنان، والذين يزيد عددهم على المليون التجأوا لذلك البلد الجار..

الأجهزة الأمنية اللبنانية تحركت وبفعالية – تحسد عليها – وضبطت العائلة الجانية «أب الطفل عباس وعمه وستقدمهما للعدالة لينالا جزاءهما على فعلتهما غير المسبوقة.. وغير المسبوق فيها ليس ما حدث بها من تحريض بالغين لأطفال»، فهذا يحدث في المنازل والغرف المغلقة في كل أنحاء العالم يومياً آلاف المرات.. وإنما غير المسبوق هو توثيق تلك الجريمة وبثها لغير المشاركين فيها، وكأنها مصدر أو سبب للزهو والافتخار!

***

نرجع «لدواعش» الداخل الذين بايع بعضهم عميل الموساد خليفتهم (أبو بكر البغدادي)، وأيّد الكثيرون منهم ما تفعله تلك الزمرة المتوحشة في كل أجناس البشر ما عدا المنتمين لفكرهم المنحرف.. فقد شاهدنا المنتمين لتلك الشرذمة، وهم يقتلون الأبرياء العزل وأسراهم بدم بارد، ورأيناهم يقطعون الرؤوس، ويرجمون المتهمين بالزنا ويجلدون آخرين، ورأيناهم يلعبون كرة القدم بجماجم ضحاياهم! ورأينا فظائع لم يشهدها البشر في تاريخه المعاصر، لا بالوحشية النازية ومجازر الهوتو في أفريقيا الوسطى، وحتى تلك الفظائع التي ارتكبها النازيون والأفارقة تعتبر – كضرب الصبي عباس اللبناني للصبي السوري – بالنسبة لما يقوم به المنتمون لداعش من فظائع، وآخرها توجيه تهديد بالقتل لجميع مسيحيي الموصل ما لم يدخلوا الدين الإسلامي، وسلب وسرقة أموالهم وسياراتهم عند مغادرتهم للموصل التي أمروا بمغادرتها! ولو لم تفتخر داعش بوحشيتها على الملأ بتصوير كل جرائمها وبثها على العالم أجمع لترويع أعدائها، لربما شككنا في الأمر ، ولكن الاعتراف هو سيد الأدلة.. وقد اعترفت داعش بكل ما اقترفته من فظائع ووثقته بالصوت والصورة، لكي يشهد العالم أجمع على وحشيتها!

دواعش الداخل المختفين والمظهرين وجوههم البشعة في دعم تلك الفئة الضالة، لماذا لم – وهذا أقل الإيمان – يستنكروا يوماً ما تقوم به داعش من جرائم، مع أنهم مجدوا بقيام الدولة الإسلامية؟!

ونسألهم سؤالاً واحداً سيخرسهم إلى الأبد دنيا وآخرة، إن مثلنا الأعلى بإقامة الدولة الإسلامية هو سيد البشرية نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهل قام بواحد من مليون مما قام به جماعتكم من فظائع لإقامة دولته الإسلامية الأولى؟!

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

Related posts

الضيف «اللي ما يجيب»* الحيف بشار جرار

بعد 400 يوم.. المخطوفون ما يزالون بغزة* ريفكا نارييه بن شاحر

خطاب ولي العهد وتحديات المناخ ( كل روحٍ تستحقُ القتال لأجلها )* النائب محمد يحيى المحارمة