لم تحتمل “داعش” مشهد البطولة في غزة وكيف يصنع الأبطال الغزاويون أمام عجز الأمة قتالا مشرفا، فقامت بحرق العلم الفلسطيني، خطوة لم يكن قد صنعها حتى الإسرائيلي، ولم تقف عند هذا الحد، بل قال أحد “قادتها” “إننا يجب أن نقتل نصف المسلمين كي نفكر باليهود” .. هكذا تقول التربية التلمودية لـ”داعش” التي ولدت من رحم الإسرائيلي ـ الأميركي، وتعيش بقوة البترودولار وبدفعه وإمكانياته ودعمه.
هي إسرائيل الثانية إذا تأملنا مشهد مسيحيي الموصل الفارين من جحيم هذا التنظيم، إضافة إلى الكثير من السنة هناك الذين اضطربت حياتهم بعدما تغيرت جذريا طبيعة حياتهم الاجتماعية وسلوك أفرادهم وخضوعهم لمفاهيم متوحشة قادمة من غبار بعض الصحاري العربية ومن فعلها، إذ بات معروفا من هي الجهة العقائدية التي تدمر المقامات والمراكز الدينية، تبين تلك الارتكابات عقل “داعش” وأين يكمن فكرها، وماذا تعنيه ممارستها الوحشية الشبيهة بقيام كيان إسرائيل على القتل والرعب والترهيب.
مشهدان لا يختلفان كثيرا، واحد في غزة حيث همجية القرون الوسطى التي تظهر الإسرائيلي الموغل في أفكار الترهيب التي صنعها خلال كل عهوده، وممارسات “داعش” التي تصنع منها حقائق وجودها على الأرض .. إنهما فكر واحد مستمد من شريعة الغاب، الأولى من أساطير تلمودية، والثانية من المنهل ذاته لكن بتحريف اجتماعي مركب على شعارات إسلامية.
إسرائيل جديدة إذن ولدت لا نعرف أيضا أين ستكون الثالثة، كل ذلك بمشيئة البترودولار الراعي الأمين لتلك المسودات التي يراد من خلالها تعميم تلك المعميات المشوهة للإسلام، وبنكهة وصناعة غربية إسرائيلية. أما مقاتلو “داعش” فلقد أثبتت معلومات أميركية أنهم تجميع استخباراتي من شتى بقاع أوروبا وبعض العرب، بل إنهم على حد تعبير تلك المعلومات أشبه ما يكونون ميليشيا المارينز .. فجميعهم مقاتلون محترفون من الطراز الذي لا يمكن وصفه بمقاتلين مبتدئين، وينقل من قاتلهم عسكريا، إنهم خبراء قتال ولا يمكن إطلاق أية تسمية عليهم سوى أنهم جيش مدرب يتقن فنون القتال بكل تفاصيلها.
الآن نعرف سبب حرق العلم الفلسطيني وكأنه عملية ثأر من “داعش” مهداة للكيان الإسرائيلي .. فمن ينشئ يضع أيديولوجيته، ومن يمول يأمر بأفكاره، ولن نكون أمام حيرة السؤال عن هذا التنظيم وعمن يقف وراءه إذا عرفنا هذه الأمور البسيطة، فكيف إذا كشفت المعلومات والأيام أسرار تكوينه وبعثه للحياة ومن ساعده وقدم له ما يستطاع من تحرك ميداني كي يصل مبتغاه.
يتلذذ ذلك التنظيم الإسرائيليي بدماء غزة وبخراب بيوتها، تنتابهم صيحات من التلذذ بالمشهد الغزاوي الذي يحترق، لكنهم ما أن يعرفوا كيف يخوض مقاتلو غزة معاركهم المنتصرة، حتى يصابوا بالذعر الشديد. تلك حقيقة واقعة لا جدال فيها.
هل يمكن لنا أن نصدق أن قوة في هذا العصر يمكنها الوصول إلى ما وصلت إليه “داعش” دون وجود قوة كبرى وراءه رافعة له ومحققة هذا التمدد الذي أشبه بسحر ساحر تحقق بين ليلة وضحاها، وإن كنا لا نصدق أنه وصل ما وصل إليه دون تلك التبعية .. تماما مثل حال إسرائيل التي منحها الغرب عمرا وصحة وعافية منذ نشأتها ورعاها بجفون عينيه كما يقال ولولاه لما عاشت وكبرت وقويت.