عندما تتخلى وسيلة إعلامية عن صدقيتها ومهنيتها، فإنها بذلك تُحدث في “شرفها” شرخاً لا يمكن ترميمه، إذ يصبح الوثوق بها وبما تبثه مستحيلاً، وهذه هي قناة الجزيرة اليوم، تخلت عن كل المعايير الإعلامية الحقيقية، وأصبحت تمارس التجني والكذب والافتراء في عالم الإعلام، تتبع الشائعات، وتبتعد عن المهنية، وتوجه الرأي العام بكل سذاجة نحو الأهداف المرسومة لها من قبل فئة حزبية خاسرة، تدفعها إلى هاوية السقوط المريع الذي سقطت فيه جميع أحلامهم وخططهم الواهية!
ليس غريباً أن تفتري قناة الجزيرة على الإمارات، فالجميع يعرف الأهداف والدوافع، والجميع يعرف الخبايا، وما يحدث تحت الطاولة من فجور في الخصومة، لكن الغريب حقاً أن تستطيع القناة نشر خبر “سري” عن اجتماع مزعوم بين وزيري خارجية الإمارات وإسرائيل في باريس، في حين أنها لم تستطع نشر اللقاءات العلنية بين قادة إسرائيل وقطر، التي كانت تبعد خطوات قليلة عن مقر القناة التي تتبجح بأنها قناة الرأي والرأي الآخر!
ليست الإمارات من تتنازل عن تاريخها وعروبتها وقيمها الإسلامية ومبادئها، وتحتاج إلى أن تنسق مع إسرائيل مسبقاً للهجوم على غزة، لا منطق في ذلك، وليست إسرائيل من تحتاج إلى التنسيق مع أحد عند تنفيذ مخططاتها الإجرامية، والتاريخ يثبت كلا هذين الأمرين، لذلك فالخبر لا يعدو كونه خبراً ساذجاً، ولمن يصدقه نصيب من هذه السذاجة، وعندما ترتبط هذه الكلمة بقناة إعلامية واسعة الانتشار يفترض أنها تحترم عقول مشاهديها، فإن ذلك يعتبر أكبر دليل على انحطاط مشين في صدقيتها، والصدقية هي أهم ما يميز أي قناة إخبارية، والجزيرة فقدت الكثير منها قبل هذا الخبر، وفقدت ورقة التوت التي تستر سوءتها بعد هذا الخبر، وعدد ليس بقليل من المشاهدين أدركوا ذلك!
الخبر منقول عن قناة إسرائيلية، كما يدعون، والسؤال المهم هو منذ متى كانت القنوات الإسرائيلية هي مصدر موثوق لقناة مثل الجزيرة؟ إلا إذا توحدت أهدافها مع أهداف الإسرائيليين، وأصبحت تنتهج بث الفتن والدسائس والحقد لزرع الخلافات بين الدول والشعوب العربية، هذا هو الواضح، فلا فرق حالياً بين سياسة وأهداف الجزيرة الملموسة والظاهرة، وبين سياسة ونهج الإعلام الإسرائيلي!
أما السؤال الأهم فهو لماذا لا تنتهج قناة الجزيرة النهج نفسه مع بقية الأخبار من مختلف المصادر؟ فجميعنا يقرأ ويشاهد الكثير من الأخبار والوثائق المكتوبة والمسموعة، التي تكشف حقيقة الدور المشبوه في مختلف الدول العربية لدولة قطر ومخططاتها، لم نشاهد أي خبر منها على الجزيرة، على الرغم من أن مصادر تلك الأخبار أقوى وأهم وأوثق من القنوات الإسرائيلية، فهل هذه هي الصدقية الجديدة؟ وهل هذا يصب في الرأي والرأي الآخر، أم في اتباع التعليمات والسير في نهج الفجور في الخصومة بكل ما تحمله هذه الكلمة من سوء وقبح؟!
الجهود الإماراتية لوقف العدوان على غزة لا تتوقف، هكذا كانت منذ بداية العدوان، وجهودها في تقديم الدعم المالي والطبي العاجل لأبناء غزة سبقت فيه جميع الدول، وأبناؤها يشيدون المستشفى الميداني تحت القصف ودوي القنابل، إنهم يفعلون ذلك انطلاقاً من واجبهم القومي والإنساني، والإمارات موقفها مشرف في دعم الشعب الفلسطيني، هي تفعل ذلك من سنوات طويلة، ولا تحتاج في ذلك إلى شهادة من أحد، ويكفيها إدراك الإخوة الفلسطينيين لهذا الموقف المشرف.
فالشعب الفلسطيني يعرف أكثر من غيره، من الذي يقف معه وفي صفه، ومن يكيد له، ويعرف أكثر الذي يبحث عن المصلحة والظهور ويخطط بخبث، ويضع يده في أيديهم نهاراً، وفي يد عدوهم تحت الظلام، وكل ذلك على حساب دماء وأشلاء أطفال ونساء الشعب الفلسطيني، يكفينا أنهم يعرفون ذلك، مهما استمرت الجزيرة في كذبها وافترائها، فالشمس لا تحجب أشعتها أيادٍ صغيرة.. وستظل صغيرة!