سيطرة كاملة ومنسّقة بين الجيش اللبناني وجيش “حزب الله” في الجنوب، ومع ذلك هناك من يجد طريقه للاقتراب من الحدود واطلاق صواريخ على اسرائيل. وإذ تكرّر الأمر، وردّت اسرائيل بقصف توسّع كل مرّة أكثر فأكثر، فهو لم يعد مبادرة يقوم بها أفراد بدافعٍ قومي، ولا مجرّد ردّ فعل عاطفي عفوي على العدوان الاسرائيلي على غزّة. هو مناوشة للاسرائيليين عهد بها “حزب الله” الى آخرين، وهو مخاطبة للداخل اللبناني مفادها أن “المقاومة” لا تقتصر على “الحزب” وحده.
وإذ اعتقل أحد مطلقي الصواريخ، حسين عطوي، فإنه شكر ووسام استحقاق على عمله البطولي، واعتقد “جمهوره” أن الاعتقال غير مبرر لأن عطوي لم يخالف القانون بل تصرّف وفقاً لـ “حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة” كما أقره البيان الوزاري. كان على الحكومة أن توضح أن “المواطنين” المعنيين هم الذين يملكون الصواريخ، ولو فعلت لألزمت نفسها إخضاع “حق المقاومة بالصواريخ” للقانون، لكنها فضّلت التعامي على دخول المحظور. لذلك يمكن القول أن “حزب الله” وحسين عطوي لديهما استراتيجية دفاعية أما الدولة فلا تزال تبحث عنها.
اللافت أن “حزب الله” نأى بنفسه وأن العدو نأى به عن تلك الصواريخ، فالمواجهة بينهما لم تعد واردة، واسرائيل تفضّل أن يبقى “الحزب” حيث تريده وحيث أرادته ايران، منشغلاً بالقتال في سوريا. وطالما أنه يفاخر بأنه انتصر هناك وأنقذ بشار الاسد ونظامه، ولا يهتم بما يقوله عنه العدو والخصوم اللبنانيون والعرب، فهذا لا ينفي أنه فعل تماماً ما أرادته اسرائيل واميركا، استكمال تدمير سوريا عمراناً واقتصاداً ومجتمعاً، أما الدولة والجيش فمعروضان في مزادات التفكيك التي تجتاح كل المنطقة.
منذ حرب تموز 2006 دشّن “حزب الله” نمطاً جديداً من الانتصارات يتميّز أولاً بأنه “إلهي”، وثانياً بأنه يدمّر البلد لإثبات القدرة على الصمود، وثالثاً بأنه يتحوّل تسلّطاً فيلجأ “المنتصر” الى ترهيب أهله حفاظاً على سلطته. وها هو “الحزب” يهلّل الآن، كما في 2008 و2012، لاستنساخ “حماس” هذا النمط في غزّة، وكلاهما يعتقد أن “جمهوره” اذ يتضامن صامتاً فإنه بالغ الاغتباط بـ “نصر” كهذا. مع ذلك ثمة حقائق: غزّة تعاني الحصار والتجويع، و”حماس” ليس لديها وطن ومن حقّها الطبيعي أن تقاوم لتحرير فلسطين انطلاقاً من غزّة أو الخليل أو نابلس، ورغم ارتباطها بإيران إلا أنها لم ترضَ المشاركة في قتل أبناء الشعب السوري، ولولا حماقات جماعة “الاخوان المسلمين” لما خربت علاقتها مع مصر وجيشها. الفارق أن “حماس”، بمعزل عن المآخذ عليها، تقاتل اليوم على أرضها وفي سبيل قضيتها، أما “حزب الله” فيقاتل في القلمون من أجل بشار الاسد.