بعد فترة هدوء نسبي، هل أن الاضطراب الأمني العائد الى لبنان هو من تداعيات الزلزال “الداعشي” في المنطقة، أم من النتائج المتواصلة لتورّط “حزب الله” في الصراع السوري؟ كان التحسّن الأمني، بعد انهاء حال التوتر في طرابلس وضبط الوضع في عرسال ومحيطها، بمثابة “فترة سماح” داخلي للحكومة، عززتها هدنة أرادها النظام السوري لتمرير الانتخابات الرئاسية ولإثبات دوره (المستمر) في التهدئة والتصعيد، فضلاً عن هدنة ايرانية في انتظار تقويم التقدم في المفاوضات النووية.
الأكثر إقلاقاً ألّا تكون لدى الأجهزة الأمنية صورة واضحة عن مقدار تغلغل تنظيم “داعش” في الداخل اللبناني. وهذا طبيعي، فمعظم عواصم المنطقة، بما فيها القاهرة، يرتاب بوجود خلايا “داعشية” لديه، حتى أن الحديث عن “القاعدة” تراجع تماماً. وبعد التفجيرات الأخيرة في ضهر البيدر وغيرها، أظهرت الاجراءات المتخذة ان الخطر يتجاوز المعلومات ويفوق التوقعات، فالمقار الحكومية استوجبت تشديد الحماية، والحواجز العسكرية أو الأمنية صارت أكثر تعرّضاً، لكن من يضمن أن الارهاب يستهدف “الرسميين” وحدهم؟
في سياق هجوم تقليدي على “الدول الاقليمية التي تدعم داعش”، قال النائب محمد رعد أن “ليس في لبنان مكان لداعش ولا لمن يدعمه على الاطلاق”، وقد وصف هذا الدعم بأنه “يصبّ في مصلحة الاسرائيليين والاميركيين”. فعلاً لم يكن هناك مكان لـ “داعش” أو لـ “القاعدة”، وهذا ما يعتقده خبراء الأمن مع اشارتهم الى وجود بيئات قد تتأثر بفكر التنظيمين وأساليبهما، لكن لبنان لا يشكّل عموماً أرضاً صالحة لزرع “دولة اسلامية” فيه، بل في “أحسن/ أسوأ” الأحوال يمكن ضمّه الى “دولة العراق والشام”. ولعل محمد رعد محقّ في ما أكّده باعتبار أن حزبه، “حزب الله”، يعرف “داعش” جيداً، فهو لا يعني هذا التنظيم الارهابي اذ يتحدث عن “التكفيريين” ولا يتهمه بالعمالة لإسرائيل وغيرها، بل انه لم يقاتله في سوريا وانما التقى معه “جهادياً” على غزو مناطق المعارضة السورية في سبيل بقاء نظام بشار الاسد.
ما تدركه الأجهزة الأمنية ولا تستطيع شيئاً حياله هو أن الأمر الواقع الذي فرضه “حزب الله” في لبنان ساهم ويساهم في اجتذاب الارهاب، بحكم الاستقطاب المذهبي واستهداف المعتدلين بالاغتيال. فأي مراجعة لأحداث الأعوام الثمانية الأخيرة لا بد من أن تظهر اختلال التوازن: فمن جهة كتلة تطرّف لا معتدلين فيها تستقوي بسلاح غير شرعي يهمّش الدولة ويرهبها، وفي المقابل حال تطرف هامشي هزيلة السلاح، لكن جماعة السلاح غير الشرعي توظّف الدولة وسلاحها الشرعي لضرب التطرف المناوئ وتستخدم المتطرفين لترهيب المعتدلين.
هل كان العماد ميشال عون يشير الى هذا الاختلال عندما قال إنه عرض على سعد الحريري ضمان سلامته في مقابل تأييد ترشيحه للرئاسة؟ في مثل هذا الضمان سذاجة مقدار ما فيه من الخزي.