لم تكد تخلص ليبيا المنكوبة بالعقداء، من العقيد معمر القذافي حتى طفا على السطح العقيد خليفة حفتر، الذي منح نفسه رتبة لواء، وبدأ بشن حرب من أجل “استئصال المجموعات الإرهابية” بشن غارات جوية على مواقع الثوار في بنغازي.
يمكن التأكيد أن حفتر، صناعة أمريكية خالصة، فقد ترعرع في دهاليز المخابرات المركزية الأمريكية، سي أي إيه، وبدايته من “الحلم الأمريكي، كان بالهروب إلى تشاد، عندما كان ضابطا في قوات القذافي، وبدل أن يحارب من أجل استعادة الأرض الليبية التي احتلها التشاديون، هرب إلى العاصمة التشادية، نجمينا، ومن هناك قامت المخابرات الأمريكية، بنقله إلى واشنطن، وكونت له جيشا من أجل مقاتلة العقيد القذافي، وبقي هذا الجيش حبرا على ورق، ولم يستطع أن يفعل أي شيء ضد نظام القذافي، بل كان كل أعضائه يخافون على حياتهم من القتل والاغتيال، حتى وهم على بعد 5 كيلومترات من مقر “سي أي ايه” في فيرجينيا.
العقيد حفتر، كان الورقة التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية اللعب بها في ليبيا، وحاولت دمجه سياسيا وعسكريا في المشهد الليبي، إلا أنها فشلت بسبب رفض الثوار لحفتر الذي يعرفونه حق المعرفة، ويعرفون صلاته المخابراتية بالأمريكيين، وهذا ما دفع حفتر، ورعاته السياسيين والمالين بالطبع، إلى اللجوء إلى “الخطة ب” وهي الانقلاب على الوضع السياسي الهش، ومحاولة فرض واقع بالقوة هناك، تحت شعار “محاربة الإرهاب” وتخليص ليبيا من الإسلاميين، وهو ما يجد هوى عند الممولين الخليجيين والداعمين السياسيين من الجيران وقوى غربية.
مشكلة حفتر، مثله مثل عسكر مصر الانقلابيين، أنه لا يستطيع فهم المعادلة القاتلة في ليبيا، وأنه لا يستطيع أن يقوم بانقلاب على “لا دولة”، فليبيا بلد بلا دولة ولا نخبة ولا قيادة ولا سياسة ولا سياسيين، لأن القذافي قام بتصحيرها على مدى 42 عاما، وتركها يبابا خرابا، بلا مؤسسات أو نخبة.
أما التصدي لما سماه “المجموعات الإرهابية” فهذه حماقة ما بعدها حماقة لأن هذه “المجموعات الإرهابية” هي التي قاتلت القذافي على الأرض، وهي التي هزمته بمساعدة الطائرات الفرنسية المقاتلة، ولأول مرة في التاريخ الحديث قاتلت “هذه المجموعات الإرهابية” جنبا إلى جنب مع النيتو وعلى رأسه بالطبع فرنسا، ولذلك فهم أقوياء إلى درجة القذافي لم يستطع أن يصمد في وجههم، ومن المنطقي أن حفتر لا يمتلك ما كان يملك القذافي من قوات وعتاد، وهذا يجعل من حربه ضدهم خاسرة بكل المقاييس والمعايير.
العقيد حفتر، القادم من مجاهل الغرب الأمريكي، يبدو أنه نسي الخريطة في بلاده، وبات يعتمد خرائط تأتيه من الخليج العربي وبعض الجيران، لخوض حرب عبثية، نتيجتها الوحيدة تدمير ليبيا المدمرة أصلا، وهو في حربه يعتمد على الاصطفافات القبلية التي كانت مؤيدة للقذافي، وعلى فلول القذافي، وعلى بعض القوى المدعومة من هذا الطرف أو ذاك، ونسي أن الاصطفافات القبلية في مواجهته لا تقل قوة وشراسة عن حلفائه، وأن القدرة على استخدام بعض الطائرات الحربية، التي تحتاج إلى عتاد وقطع غيار وتمويل، لا يعني القدرة على حسم الوضع على الأرض، وأن القتال ضد الإسلاميين، سيحول ليبيا إلى بؤرة لاستقطاب الإسلاميين من المغرب العربي ومصر وشمال وإفريقيا، وأن هذه الحرب لن تقف عند حدود ليبيا فقط بل، ستمتد إلى دول الجوار حكما، وهي ما سيحول ليبيا إلى “حريق” كبير لا يمكن إطفاؤه.
لقد نجح الإسلاميون في ليبيا بتحييد القاعدة وإبعادها عن الساحة هناك، ولم يقاتل القذافي إلا إسلاميين ليبيين، ثبت أنهم أكثر قوة وعددا وأشد باسا ممن يعتقدون أنهم خبراء بالشأن الليبي، وهم قادرون على استدعاء “إخوتهم في الجهاد” لتحرير ليبيا من جديد، وهذا يعني نقل المعركة من مالي والجزائر والصومال إلى ليبيا، وبدلا من استئصال “المجموعات الإرهابية” ستنتشر الحرب في كل الأنحاء، وعندها لن ينجو أحد منها، لأن الحرب ستكون بين “المجموعات الإرهابية” و”أعداء الإسلام”، وهي حرب مفتوحة لا حدود لها.
الحل المطلوب في ليبيا هو إبعاد حفتر إلى أمريكا، والضغط على واشنطن لترحيل “رجلهم من ليبيا، وتحميلها مسؤولية أفعاله، وقطع أيدي داعميه الماليين والسياسيين، وفضح القوى الداخلية والخارجية التي تحاول تدمير ليبيا، ومساعدة الليبيين على تشكيل حكومة توافقية تشارك فيها كل القوى والقبائل بدون استثناء، وغير ذلك فإن الحرب لن تتوقف حتى “استئصال ليبيا” على الطريقة السورية والعراقية.