يصادف الخامس من حزيران اليوم العالمي للبيئة. كما أن هذا التاريخ محفور بالذاكرة العربية يوم شنت قوات العدوان الإسرائيلي حربها على ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا و الأردن، و احتلت أجزاء من أراضيها لا تزال محتلة حتى اليوم.
لقد كان تركيز الأمم المتحدة لهذا العام على مسألة التغيرات المناخية، وتأثيراتها المتوقعة بإغراق عدد من المساحات البرية المنخفضة و بعض الجزر، وتحويلها إلى بقع زرقاء تحت سطح الماء بعد أن كانت خضراء تفيض بالحياة مثل جزيرة ترينداد ودلتا نهر النيل و غيرها. وبالمقابل فإن تأثير التغيرات في المنطقة العربية عموما من المتوقع أن توثر على المساحات الخضراء المتناثرة و تحولها إلى مناطق جافة بلون التراب الباهت نتيجة للجفاف والتصحر. ولكن القلق العربي إزاء هذه التوقعات يكاد يكون غائبا. بل أن بلدانا عربية كثيرة يتم فيها الزحف على المناطق الخضراء ويتم قطع أشجار الغابات مثل مصر والأردن ولبنان، ولكن الدولة لا تعترف بذلك، أو تغض الطرف عن الاعتداءات على البيئة، كما يجري لدينا الآن في غابات دبين و برقش. الحالة العربية تدعو دائما إلى التأمل والتفكر.. لماذا لا يطيق العرب المصارحة ولا يستسيغون الشفافية؟ رغم ما وقع في العالم من تغيرات جعلت الشفافية ركنا من أركان الحاكمية الجيدة.. غابة برقش الفريدة في الأردن ليس كغابات الأمازون تتجدد مرة كل عشرين سنة، وإنما بارتفاعها 980 مترا عن سطح البحر تمثل متحفا بيئيا فريدا. فهي تضم أشجارا يتعدى عمرها مئات السنين، و كهوفا حجرية غاية في الجمال، وهي معلم حضاري متميز، ورئة من رئات هذا الوطن ينبثق من خلالها الهواء النقي والأكسجين النظيف.. و مع هذا فالمواطن الحريص على بلده ضائع تائه.. لماذا لم تجد الدولة مكانا لإقامة» كلية ساند هيرست «العتيدة إلا في غابة برقش؟ و لماذا لم تقم المشروع في منطقة جرداء و تأخذ آلاف الدونمات و تستصلحها وتزرعها و تبث فيها الحياة بدلا من اقتطاع 800 دونم من غابة لا نظير لها ؟ وإذاك يصبح المشروع إضافة علمية و اقتصادية و بيئية للبلاد .
ولماذا لا تصارح الناس بالقرار وحيثياته؟ الإخبار متضاربة والمعلومات متناقضة.فمن جهة نسمع من وزير الزراعة تأكيدا تلو تأكيد بأن الكلية ستقام على أرض جرداء محاذية للغابة وليس في الغابة نفسها. وفي نفس الخبر ومن نفس المصدر تسمع أن وزارة الزراعة تطالب بـ 220 ألف دينار غرامة أو تعويضات عن الأشجار المقطوعة والتي تقدر بـ 2200 شجرة معمرة أي أن الشجرة بـ 100 دينار. كيف يقبل المواطن أن يرى شجرة عمرها 400 سنة تباع بـ 100 دينار؟. وتبين الصور التي تتداولها وسائط الإعلام «السلك الشائك» الذي يفصل أراضي الكلية عن أراضي الغابة. فإذا بالسلك يمر في وسط الأشجار الكثيفة وليس على حافة ارض جرداء سليخ. فما هو الصحيح؟ وأين الحقيقة؟ ولماذا لا تتعامل الدولة بشفافية وتقنع المواطنين بقراراتها ؟ شيء لا يفهمه احد.
أليست الغابات جزءا من الثروات الطبيعية للدول؟ ألا تنطبق عليها المادة (117) من الدستور الأردني؟ والتي تقضي بعرض الموضوع في حالة الثروات الطبيعية على البرلمان، وضرورة صدور قانون بذلك؟ هل الثروات الطبيعية هي فقط ما تحت الأرض؟ وحتى ما تحت الأرض مثل الفوسفات وما هو» بين بين» كالبوتاس تم التصرف فيه دون الرجوع إلى البرلمان، ودون صدور قوانين تسمح بذلك . لماذا لا يفتح موقع الكلية إذا كانت خارج الغابة للجمهور والإعلاميين والباحثين للاطلاع والاطمئنان؟ ولماذا كل هذه الفوضى والتضارب؟ إن ذلك ليس مفيداً .. ليس مفيداً أن تحجب المعلومة عن الرأي العام في عصر المعلومات والديمقراطية. حتى الصحيفة الأمريكية «وول ستريت جورنال» نشرت يوم الاثنين الماضي خبرا موسعا حول الموضوع وتفاصيل اقتلاع الأشجار من غابات برقش. أما رئيس بلدية العيون فيقول أن المواطنين رفضوا بيع أراضيهم للمشروع وقد تم استملاك بعض الأراضي. ووزارة الزراعة رفعت قضية إلى القضاء تطالب بفرض الغرامة بدل قطع أشجار معمرة.. ما هذا التخفي وفرض الأمر الواقع حتى يصبح الرجوع عنه مستحيلا؟
قد يكون ضروريا أن يصدر بيان عن رئاسة الوزراء يضع النقاط على الحروف و يعطي المعلومات الصحيحة، حتى لو كان هناك أخطاء أو تجاوزات، فذلك هو الطريق الصحيح للمحافظة على مستقبل أخضر. نحن بحاجة إلى مزيد من الأعمار والزراعة والمحافظة على كل شجرة حتى لو كانت تقف وحيدة في أعماق البوادي أو على رؤوس الجبال.