منيب المصري:المصالحة مسمار آخر في نعش الاحتلال

عروبة الإخباري – أكثر من سبع سنين عجاف مرت على القضية الفلسطينية، وكانت من أسوء سنوات حياتي، كما كانت كذلك للكثير من المواطنين الفلسطينيين الذي آمنوا بقضيتهم وكانوا موقنين بأن الانقسام أخطر علينا من الاحتلال نفسه. ولكن بعد التوقيع على تنفيذ بنود اتفاق القاهرة وتفاهمات الدوحة، الذي كان في 23 نيسان الماضي، شعرت أن الغمامة السوداء قد بدأت بالانقشاع، وأن الأمور تسير باتجاه إعادة اللحُمة بين أبناء القضية الواحدة، وأدركت حينها أن خطوة الألف ميل قد بدأت وعلينا جميعا أن نواصل سيرنا جنبا إلى جنب من أجل دحر الاحتلال وإقامة دولتنا على حدود العام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين وفق قرار 194، هذه الخطوط العامة التي يتلاقى عليها الغالبية العظمى من أفراد الشعب الفلسطيني.

إن البدء بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة هو خطوة أولى نحو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وعلينا أن نستكمل ذلك بإنهاء الانقسام والقضاء على كل مظاهره وإفرازاته، وإعادة بناء ما تم تدميره ماديا ومعنويا خلال السنوات السبع التي انقضت، لأن العالم الآن ينظر إلينا، ولدينا فرصة مهمة للتأكيد بأننا شعب يريد كرامته وهويته ودولته المستقلة التي تعيش بسلام وأمن مع محيطها العربي والإقليمي والدولي.

أقول بأن العالم ينظر إلينا؛ لأن ما صدر من تصريحات، على المستوى العربي والإقليمي والعالمي، بعد الإعلان عن تنفيذ بنود اتفاق المصالحة، يمكن فهمه بعدة معان، أولاها المعنى الظاهر وهو الدعم والمباركة، وثانيها وهو الأهم بنظري أن هذه الدول بما فيها دول الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والصين والأمم المتحدة وغيرها أرادت أن تنقل لإسرائيل بشكل غير مباشر أنها تدعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وأن هذه المصالحة تسهل وتُعبّد الطريق نحو أمن واستقرار المنطقة والعالم، وعلى إسرائيل أن تفهم بأنه لا يمكن الوصول إلى اتفاق سلام مع الشعب الفلسطيني وهو منقسم على نفسه.

هناك مصلحة مشتركة لدى الجميع بأن تقوم دولة فلسطينية وفق قرارات الشرعة الدولية، لأن بديل ذلك أو تأخره سيجر المنطقة إلى صراعات تضاف إلى الفوضى الحالية الموجودة، وأيضا تفتح المجال أمام قوى كثيرة متشددة تريد خلط الأوراق ليس فقط على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته، بل أيضا على حساب مصالح العديد من دول العالم في هذه البقعة المهمة من العالم، وسبب كل ذلك هو أن إسرائيل لا تعترف بحركة التاريخ بأن الاحتلال لا يمكن له أن يدوم إلى الأبد، ولا تدرك بسبب عنجهية القوة بأن المنطقة كلها على بركان قد ينفجر في أية لحظة، وستكون إسرائيل أحدى أكبر الخاسرين في هذه الحالة، فالشعب الفلسطيني ليس لديه الكثير ليخسره، فهو يتعرض يوميا لأبشع أنواع الممارسات العنصرية من قبل أبشع وأطول وآخر احتلال عرفته البشرية خلال تاريخها الحديث، وسوف يبقى يناضل ويسعى للحصول على حقه في تقرير مصيره مهما بلغت حجم تضحياته.

دخلنا في مفاوضات لمدة تسعة أشهر، انقضت دون أية نتيجة تذكر، وتعززت على مستوى الرأي العام الفلسطيني تحديدا قناعة واحدة بأن إسرائيل لا تريد سوى مواصلة احتلالها، ولكن وفي المقابل يجب القول بأن الرأي العام الفلسطيني، على ما أعتقد، لن يؤلُ جهدا في العمل على دعم مفاوضات تبنى على مرجعيات واضحة، وجداول زمنية محددة، تفضي إلى إنهاء الاحتلال، وفي هذا السياق فإن إعادة طرح مبادرة السلام العربية بالإضافة إلى قرارات الشرعية الدولية كإطار للحل، سيُنزل الجميع عن الشجرة، وسيفتح المجال واسعا أمام مرحلة تاريخية جديدة لهذه المنطقة بعيدة عن الدم والدموع.

دعم تنفيذ بنود اتفاق إنهاء الانقسام من قبل دول العالم يؤسس لهذه المرحلة التاريخية، ويدفع بكل قوة نحو تمكين الفلسطينيين من وضع قضيتهم على أولويات المجتمع الدولي الذي يدرك أن حلها يكمن في إنهاء الاحتلال، لذلك كانت ردة فعل حكومة إسرائيل هستيرية وغير متوازنة، وتعبر تماما عن إدراك الحكومة الإسرائيلية بأن المصالحة الفلسطينية قد تكون هي المسمار الأخير في نعش الاحتلال، والخطوة الرئيسية نحو دحره، فلنعمل جميعا من أجل إنجاح المصالحة وإنهاء الانقسام لأن هذا ليس خيارا وإنما ضرورة وحتمية لا يمكن ومن غير المسموح تجاوزها.

Related posts

هل يؤثر القرار على الناخب العربي في الرئاسيات الأميركية؟

مروان المعشر: حل الصراع في الشرق الأوسط لن يأتي مع فوز ترامب أو هاريس

مهنا: إسرائيل تستغل “البطة العرجاء” لعزل لبنان وتكثيف العمليات العسكرية ضد حزب الله