طارق الهاشمي/على نفسها جنت براقش

رغم فوزه بـ (95 مقعدا) بفارق كبير عن أقرب منافسيه وهي قائمة الأحرار الصدريين (34 مقعدا)، فإن المالكي في وضع لا يحسد عليه، والسبب هو تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم (الكتلة الأكبر) والذي أسهم إلى حد كبير في حرمان ائتلاف العراقية الفائزة في انتخابات عام 2010 من حقها المشروع دستورياً من تشكيل الحكومة باعتبارها القائمة الفائزة. بتاريخ 25/3/2010 أصدرت المحكمة الاتحادية تفسيرها للمادة 76 أولا الخاصة بالكتلة الأكبر (هي الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة واحدة دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد أو الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر ثم تكتلت بكتلة واحدة ذات كيان واحد أيهما الأكثر عددا) وبذلك قضت هذه الفتوى على مغزى التنافس الانتخابي إذ لم يعد للفوز بالصدارة من قيمة طالما أن قوائم فاز كل منها بعدد محدود من المقاعد تستطيع الاندماج وبالتالي تجميع ما يكفي من المقاعد لتشكيل الكتلة النيابية الأكبر متجاوزة بذلك عدد المقاعد الذي حصلت عليه القائمة الفائزة الأولى في الانتخابات. لم يكن الوضع هكذا في أول انتخابات تجري في ظل الدستور عام 2005، حيث صمتت عندها المحكمة الاتحادية ولم تتدخل في توصيف أو تعريف الكتلة الأكبر، ربما لأن الفائز كان الائتلاف الشيعي (العراقي الموحد) وهو نفسه الذي اعترض بعد أن خسر أحد أكبر أقطابه (قائمة دولة القانون) السباق في انتخابات عام 2010 وجاء بالمرتبة الثانية بعد ائتلاف العراقية. حينها وبترتيب وتنسيق مع مجلس القضاء أمكن الالتفاف على عرف بات شائعاً على نطاق واسع في كافة الأنظمة الديمقراطية، يمنح الفائز الأول في الانتخابات الأسبقية على منافسيه في تشكيل الحكومة، حيث يمكن أن ينجح أو يفشل في التصويت على نيل الثقة في وقت لاحق (نص المادة 76 رابعا وخامسا من الدستور).
حصل ائتلاف دولة القانون على ٩٥مقعدا لكن مازال بحاجة إلى ٧٠ صوتا كي يصل إلى العتبة التي تؤهله لنيل الثقة (50 +) أي ما يعادل ١٦٥ مقعدا، وهي مهمة صعبة في ظل العزلة التي يعاني منها الائتلاف المذكور، ذلك أن حلفاء المالكي من القوائم الشيعية في انتخابات عام 2005 و2001 والذين مكنوه في حينه هم اليوم ينافسونه بقوة على منصب رئاسة الوزارة، رغم أن الجميع مازال يتمتع بعضوية التحالف الوطني (الشيعي)، لكن هؤلاء الحلفاء باتوا يشعرون بالغبن والحيف بسبب حصر منصب رئيس الوزراء على مدى دورتين بقيادة حزب الدعوة فحسب رغم شعور قياداتهم – الحلفاء – بالأهلية، ولهذا من الطبيعي أن يلجأ هؤلاء للتكتل مع القوائم المنافسة للمالكي أصلا، من خارج التحالف وعلى وجه الخصوص القوائم الممثلة للعرب السنة والكورد والليبراليين.. يبدو أن طموح المالكي يصطدم بجدار صلب من الرفض، في ضوء ذلك خصوم المالكي الذين تفوق عليهم بفارق كبير في عدد المقاعد يستطيعون جمع شتاتهم والتفوق عليه بما يزيد على 90 صوتا أي بمقدورهم جمع ما يزيد على 185 صوتا ما يؤهل الحكومة المشكلة من قبلهم لنيل الثقة بسهولة. لكن المهمة مع ذلك تبدو ليست سهلة، إذ من جانب فإن المالكي سيسعى غاية ما يستطيع من أجل كسب المؤيدين من القوائم الصغيرة ولديه الأدوات والوسائل، سوف يوظفها بالترغيب أو الترهيب، إلى جانب مساعيه في تقويض وتفتيت أي تحالف مضاد، بإغراء القوائم الفائزة الأخرى في تلبية تطلعاتها بالحصول على الوزارات أو المناصب السيادية التي ترغب، أو الاستجابة لمسائل خلافية بقيت معلقة منذ سنوات وأخص منها بالذكر ملفات النفط والغاز، البيشمركة، وما يطلق عليه المناطق المتنازع عليها، التوازن، الملف الأمني، حقوق الإنسان، القوانين المثيرة للجدل كقانون مكافحة الإرهاب وقانون المساءلة والعدالة، الفساد وغير ذلك. في هذه الأيام التي تسبق تشكيل الحكومة حولها نوري المالكي إلى (بازار)، أي سوق تنشط فيها الصفقات بيعاً وشراء والمالكي في مثل هذه الظروف لا يضارعه أحد في السخاء والكرم وعينه لا تفارق كرسي رئيس الوزراء ومبدأه.. الغاية تبرر الواسطة.
وطالما نحن نتكلم بلغة السوق والبازار.. فإن مشكلة المالكي هي أنه عادة ما يشتري عاجلا لكنه يدفع آجلا، يشتري الموافقة لدعم ترشيحه مقابل وعود بتنفيذ هذه المسألة أو تلك ويوقع صكوكا وتعهدات بالدفع في وقت لاحق، لكنه سرعان ما يتنصل منها وينكل بها.. إنه مدين غير جدير بالثقة، لا يحترم حتى توقيعه وكان آخر دين لم يوف به ومازال معلقاً بذمته هي بنود اتفاق اربيل التي على أساسها ظفر المالكي بولاية ثانية في حينه، فقد المالكي مصداقيته ولا أحد يبدو مستعدا أن يتكفله أو أن يضمنه وبالتأكيد أن يعقد معه صفقة. وهذا هو موقف النخبة السياسية جميعها، من شتى الأعراق والمذاهب والأديان.
من دون شك فإن المالكي الذي يبدو أنه غسل يده من إمكانية حصوله على الدعم المطلوب من القوائم الفائزة، لابد أن يناور لاستجداء الدعم الدولي الذي مكنه حتى الآن من النجاح في دورتين، ورغم أنه على مدى ثماني سنوات فرط نوري المالكي بالسيادة وأهدر مصالح البلد العليا ومزق النسيج الاجتماعي بإثارة وتأجيج الفتنة الطائفية، وربما هذا ما رغبت فيه وسعت إليه دول عديدة فإن الجميع يدرك أن بقاء رجل الأزمات لأربع سنوات قادمة من شأنه أن يدفع العراق إلى أتون حرب أهلية وإلى التقسيم ما يضع أعباء جديدة على الدول صاحبة النفوذ في العراق وهي في تصوري غير مستعدة لذلك، إذ في تصوري لا الولايات المتحدة مستعدة أن تزج نفسها من جديد في مستنقع العراق وهي مازالت تعاني الكثير بسبب مغامرة غزو عام 2003 ولا من مصلحة الحزب الديمقراطي الحاكم المجازفة بعودة العراق للواجهة في الحملات الانتخابية القادمة وهو يعلم أن الجمهوريين سوف يستغلون تدهور أوضاع العراق لاتهام الرئيس أوباما والديمقراطيين وتحميلهم المسؤولية بفضل المسألة المثيرة للجدل وما أطلق عليه (الانسحاب المسؤول) من العراق. أما إيران فيكفيها غرقها في الملف السوري وما نجم عن تدخلها من إدانة على نطاق واسع وعزلة دولية إضافة إلى أن تدخلها بات يستنزف موارد هي بأمس الحاجة إليها بعد أن تأثر اقتصادها كثيراً بالحصار المفروض.
وهكذا ففي ظل تفسير دستوري أفرغ الفوز من محتواه إلى جانب غياب الشركاء وتراجع الدعم الإقليمي والدولي لن يستطيع نوري المالكي تشكيل الكتلة الأكبر، وهو يشرب اليوم من نفس الكأس التي شربه ائتلاف العراقية عام 2010 وكان مضطرا لذلك.. كان بإمكان المالكي لولا هذه الفتوى أن يمضي على الأقل إلى تشكيل الحكومة باعتباره الفائز الأول ودون انتظار، لكنه عام 2010، فضل الكسب العاجل دون التحسب لاحتمالات المستقبل.. وهكذا ينطبق عليه المثل الشائع.. (على نفسها جنت براقش).

Related posts

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات

العرس ديموقراطي والدعوة عامة!* بشار جرار