ليس هناك أدنى شك بأن إيران سعيدة جداً بالأساطير التي تـحاك حولها على صعيد ابتلاعها للمنطقة وتحولها إلى قوة عظمى إقليمية يخشاها القاصي والداني. ولعمري أن الإيرانيين يشعرون بالنشوة عندما يسمعون بعض العرب يحذرون من تغلغلهم في المنطقة، ووصول نفوذهم إلى المغرب العربي والسودان. ولا نستبعد أن تكون إيران أيضاً سعيدة بالوصف الذي أطلقه العاهل الأردني عبدالله الثاني عام 2004 على مشروعها حين وصفه بـ”الهلال الشيعي”.
صحيح أن إيران استثمرت طاقاتها المالية في بناء صناعة عسكرية ونووية يفاوضها العالم عليها، لكن امتلاك المشروع النووي الذي لم يصل بعد إلى مرحلة التصنيع العسكري لا يعني أنها أصبحت قوة عظمى، بدليل أن باكستان تمتلك القنبلة النووية، ولم تدخل أبداً نادي الأقوياء. بل على العكس، فمازالت محسوبة على معسكر التخلف والعالم الثالث. أما تركيا التي لا تمتلك الطاقة النووية، فهي تسبق إيران بمراحل على صعيد التنمية البشرية والاقتصادية، لا بل أصبحت من القوى المتقدمة في العالم اقتصادياً. على العكس من ذلك، يعيش أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر، بينما تبذر إيران ملياراتها على حماية أذنابها المتهالكة كالنظام السوري، وتحرم شعبها من ثرواته الوطنية.
وللتدليل على أن انهيار المشروع الإيراني في سوريا، يذكر المفكر الكويتي المعروف الدكتور عبدالله النفيسي، وهو من أعمق المختصين في الشأن الإيراني، يذكر في مقال بعنوان (الفرق بين الأمس واليوم، إيران بين الخيال والواقع):” يتحدث كثيرون أن إيران الآن تحتل سوريا، وترسل مرتزقتها هناك. وهذا الكلام صحيح، لكن: من قال إن إيران لم تكن تحتل سوريا في السابق، وإن إيران تقريباً كان مخططها يسير إلى نهايته، وبكل سلاسة، وكانت تبتلع سوريا بدون طلقة واحدة، لا بل كان السوريون البسطاء يرفعون صور ملالي طهران في أسواقهم وشوارعهم، وكان حزب الله يشعر بالأمان في دمشق أكثر من الجنوب اللبناني، وكل ما يريده يحصل عليه. هذا ما كان يحدث بالأمس القريب، أو قبل الثورة. أما الآن، فقد صرفت إيران حسب بعض الاقتصاديين عشرات المليارات، وخسرت الألوف من شيعتها ومرتزقتها في سوريا، لا بل خسرت كل الدعم الشعبي، وأصبحت صور ملالي إيران تداس بالأحذية. وصار حزب الله الشيعي اللبناني العدو الأول للسوريين بكل شرائحهم، ومع اختلاف أفكارهم”.
ويتطابق تحليل الدكتور النفيسي إلى حد كبير مع التقديرات الأمريكية حول ورطة إيران في سوريا، فعندما سألوا الرئيس الأمريكي أوباما قبل فترة قصيرة عن أن إيران بدأت تنتصر في سوريا رد قائلاً: “هذا كلام أشبه بالكوميديا السوداء. كيف تنتصر إيران في سوريا، وحليفها العربي (السوري) الوحيد قد تحطم، وتحول بلده إلى ركام. إن الوضع السوري يستنزف إيران التي تدفع للأسد مليارات الدولارات. أما حليف إيران اللبناني حزب الله الذي كان يتمتع بموقع مريح في لبنان فهو يجد نفسه الآن في مواجهة المتطرفين السنة. وهذا ليس جيداً بالنسبة لإيران. إن إيران تخسر في سوريا مثل الآخرين وأكثر”.
إذاً، على عكس ما يشاع بأن إيران بعد تدخلها المباشر السافر في سوريا صارت تهيمن على البلاد، فإن إيران الآن، حسب النفيسي، لا تحتل سوريا، بل تريد فقط أن تحافظ على موطئ قدم لها هناك ليس أكثر. وقد خسرت، وهي تعلم ذلك جيداً”.
ولا يرى الدكتور النفيسي في العنتريات الإيرانية الأخيرة بأن إيران حمت الأسد من السقوط، وأن حدودها تمتد حتى شواطئ المتوسط، لا يرى فيها سوى تعويض إعلامي عن خسارتها الفعلية في سوريا. فالإيرانيون لا يعلنون عادة عن مشاريعهم وتحركاتهم، بل يتحركون بهدوء ودون ضجة. وغالباً ما يعملون في الخفاء والعتمة. فلماذا تصرح إيران الآن بأنها قوية ومنتصرة، وأنها أصبحت على شواطئ المتوسط؟ لا يوجد مبرر لذلك، إلا أنها مهزومة، وتريد رفع معنويات المناصرين لها، وتقول للغرب: تعالوا فاوضوني على شيء لا أملكه إلا إعلامياً، حسب النفيسي.
ويحذر المفكر الكويتي الجميع من أن إيران باتت بارعة في الحرب النفسية ضد الآخرين، وأصبح لها باع طويل جداً في الكذب والفوتو شوب. وأكبر برهان مثلاً “الطائرة الإيرانية الصاعقة” التي صدعوا رؤوسنا بها، والقردة التي سافرت إلى الفضاء وكانت سمراء، وعادت شقراء من بعد رحلتها إلى القمر. وقال أحد الصحفيين الغربيين بتهكم: “ربما أنها خضعت لعملية تجميل هناك”. ولا ننسى بالأمس القريب أن إيران وجيش الأسد، وكل مرتزقة الشيعة، وعشرات الصواريخ، وقصف الطائرات، والبراميل لم تستطع أن تقتحم حمص القديمة التي لا يوجد فيها إلا ألف أو يزيد من الثوار وبأسلحة خفيفة. وقد خرجوا باتفاق أقرب للهزيمة للنظام الإيراني ومعه الممانع بشار. والغريب، كما يضيف الكاتب، أن من يتشدق بأنه وصل إلى شواطئ المتوسط فرض عليه ألف مسلح من ثوار حمص شروطهم وأيضاً خرجوا بأسلحتهم. فعن أي نصر وعن أي قوة تتحدث أيها الجنرال الإيراني ومن معك من ممانعين ومقاومين. فكروا جيداً، وستجدون أن إيران تعرضت لهزيمة نكراء في سوريا، خاصة أن ثمانين بالمائة من الشعب السوري، ألا وهم السنة، باتوا ينظرون إلى إيران على أنها العدو “الصفيوني” الذي لا يقل خطورة عليهم من العدو الصهيوني.