إعلان عمان الثاني للمدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي

عروبة الإخباري – أختتمت أعمال ملتقى المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي الثالث والذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين يومي 10 و11 من أيار الحالي بإصدار “إعلان عمان الثاني للمدافعين عن حرية الإعلام”.

وتضمن الإعلان جملة من التوصيات والملاحظات التي نوقشت خلال الجلسات العامة والمغلقة للملتقى بحضور نحو 350 مشاركاً من إعلاميين وفنانين وخبراء قانونيين، ونشطاء حقوقيين ومؤسسات مجتمع مدني محلية وإقليمية ودولية، ومدونين وبرلمانيين وباحثين مهتمين بحماية الصحفيين وحرية الصحافة والدفاع عن حقوق الإنسان.

وخلص الإعلان إلى توصيات رفعت إلى الحكومات والمُشرعين وصُناع القرار والمؤسسات الإعلامية وممُارسي مهنة الإعلام والمجتمع المدني في العالم العربي، وتوصيات إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة كان أبرزها تمكين القضاء وبشكل مستقل في النظر كجهة وحيدة تملك الاختصاص فيما يُزعم من تجاوزات يرتكبها الإعلام والإعلاميون، إضافة إلى ضرورة النظر بمنع الإفلات من العقاب والتحقيق العاجل في جميع الانتهاكات المرتكبة ضد الإعلاميين ووسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، وإحالة مرتكبي الانتهاكات إلى المحاكم دون استثناء، وإزالة أي قيود إجرائية تمنع المتظلمين من رفع دعاوى ضد مرتكبي هذه الانتهاكات.

وطالب الإعلان إلى ضرورة إفصاح المؤسسات الإعلامية عن مصادر تمويلها وتعاملاتها التجارية المختلفة وانحيازاتها السياسية إقراراً لحق الجمهور في المعرفة والشفافية، ورفع مستوى القدرات المهنية والتركيز على ما يهم الصالح العام ومنها خروقات حقوق الإنسان، إلى جانب الرقابة على صناع القرار وأداء رسالة الإعلام في ظل احترام حقوق الإنسان الأخرى مثل حق الخصوصية والكرامة عبر وضع معايير أخلاقية واضحة.

وأكد على ضرورة منع العقوبات السالبة للحريات ومطالبة الحكومات بالإفراج الفوري والعاجل عن كافة الإعلاميين المعتقلين دون إبطاء والتوقف عن زجهم في الصراعات السياسية، كما طالب بالعمل على ضمان الإفراج الفوري عن الإعلاميين الذين تحتجزهم وتختطفهم جماعات وميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة والقانون.

وأوصى الإعلان برفع وإزالة القيود التشريعية على ممارسة العمل الإعلامي مثل اشتراط الترخيص للمطبوعات والعضوية الإلزامية في النقابات وتجنب فرض شروط تعجيزية ورسوم باهظة على ترخيص وسائط الإعلام الإذاعية والتلفزيونية.

وطالب بتطبيق المعايير الدولية المُلزمة والتي تستمد القوانين الوطنية منها أسساً للمُساءلة والعقاب فيما يتعلق بالتحريض على العنف والكراهية والتمييز من خلال محاكمة المحرضين انطلاقاً من المادتين 18و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وتضمنت التوصيات رفع الحظر أو الحجب عن الصحف الإلكترونية والمدونات المحظورة أو المحجوبة في كافة أرجاء العالم العربي والتي لم تحجب لأسباب تتعلق بمحتوى يتضمن التحريض على القتل أو الكراهية أو الإساءة أو استغلال الأطفال أو الاتجار بالبشر.

ودعا الإعلان إلى حث الأمين العام للأمم المتحدة للموافقة على تضمين حرية التعبير وحرية الإعلام وإتاحة الوصول الى المعلومات بشكل مستقل، كبنود أصيلة ولا تتجزأ من أجندة الأمم المتحدة التنموية لما بعد العام 2015 والممتدة إلى عام 2030.

وأوصى بالمبادرة إلى الشروع في إجراءات جدية وجماعية لترسيخ أدوات التنظيم الذاتي للإعلام بما يضمن استقلاليته وتعزيز مسؤوليته تجاه الجمهور، ومن تلك الأدوات مجالس الشكاوى على سبيل المثال.

وطالب بصياغة مدونة سلوك للإعلاميين تحدد ضوابط أخلاقية ومهنية يسترشد بها المنتسبون للمهنة والمدافعون عن حرية الإعلام، وتدعو الإعلاميين لمحاربة التطرف والغلو والكراهية والعنف سواء أكان صادرا من الأنظمة أو من المليشيات والجماعات المسلحة.

ووجه الإعلان توصيات إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة طالب فيها دعم الإعلاميين المعرضين للضغوط والسجن والتنكيل وغيرها من الممارسات بسبب عملهم، إضافة إلى دعوة الأمم المتحدة ومن خلال وكالاتها المتعددة، وعلى الأخص اليونسكو، المبادرة إلى وضع مسودة لإعلان خاص يعنى بحماية المدافعين عن حرية الإعلام بالاسترشاد للإطار الذي وضعه إعلان عمان الثاني.

ودعا الأمم المتحدة عموماً إلى النظر العاجل في إنشاء آليات حماية للصحافيين في أوقات النزاعات وبما يتيح لهم ممارسة عملهم المهني في إطار من الحماية الدولية القانونية، وبما ينسجم مع معايير ممارسات الإعلام الفضلى في المصداقية وعدم الانحياز.

وعرض الإعلان البيئة الراهنة لعمل وسائل الإعلام والإشكاليات أمام حرية الإعلام في العالم العربي.

وفيما يلي نص البيان:

إعلان عمان الثاني للمدافعين عن حرية الإعلام
عمان – الأردن، 10-11 مايو/أيار 2014

1. توطئة
عُقد الملتقى الأول للمدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي، بمبادرة وتنظيم من مركز حماية وحرية الصحفيين، في ديسمبر/ كانون أول 2011، وهي الفترة التي شهدت أحداثاً استثنائية وبالغة التأثير في سياق المشهد الاجتماعي والسياسي في العالم العربي كان شعارها “التغيير”. وأكثر الدلالات بلاغةً على الرغبة الجامحة في التغيير هو اندلاع ثورات الربيع العربي، حيث رغبت شعوب هذه البلدان في مستقبل أكثر تحرراً وإنصافاً وعدالةً وصيانةً لحقوق الأفراد في إطار من الحكم التشاركي وفي سياق مساحة سياسية واجتماعية واقتصادية أكثر اتساعاً وشمولاً وإتاحة. ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات على إيقاع المطالبة بالأطر المذكورة، تصاعد دور الإعلام كرافدٍ أساسي للمعلومات المتصلة بحقائق التغيير وأسبابه نتيجة تحرر وسائله، وإن على نحو نسبي، من الهيمنة الأمنية والسياسية التي فرضتها أنظمة الحكم العربية عليه. وعلى الجانب الآخر، تصاعدت كذلك مساعي استهداف وسائل الإعلام والإعلاميين، وتكاثرت الانتهاكات بحق الصحافيين على نحو مُفرط، في ظل غياب حاضنة مجتمعية عربية تسهم في حماية الإعلام والتصدي للانتهاكات الواقعة بحقه. وخرج، على ذلك، الملتقى الأول لحرية المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي إلى حيز الوجود من أجل التأسيس لمنصة عمل تسعى الى توحيد جهود المؤمنين بحرية الإعلام والمدافعين عنه ومن أجل توسيع دائرة المدافعين عن الإعلام في المجتمع، وبناء تحالفات واسعة لدعم حرية واستقلال الإعلام العربي، والحد من الانتهاكات الواقعة عليه. وكان الناتج الأبرز في هذا السياق، تأسيس شبكة المدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي “سند” والتي يعمل مركز حماية وحرية الصحفيين على توفير الدعم والتنسيق لعملها.

وانعقد الملتقى الثاني في عمان يومي 18-19 أيار من العام 2013 بالتزامن مع المؤتمر السنوي الـ 62 لمعهد الصحافة الدولي الذي استضافه مركز حماية وحرية الصحفيين يومي 20-21 أيار من العام نفسه، تحت شعار مراجعة وضع الإعلام مند بدء الربيع العربي ورصد حالة التقدم أو الإخفاق التي يمر بها. وكان من أبرز منجزات الملتقى في نسخته الثانية، اشهار تقرير حالة الحريات الإعلامية في العالم العربي، ورصد وتوثيق الانتهاكات التي وقعت على الإعلام في عام 2012.

ثم جاء انعقاد الملتقى الثالث يومي 10-11 أيار من العام، 2014، تحت شعار “استقلال وسائل الإعلام بين التعددية والاستقطاب السياسي بعد الربيع العربي”. بحث الملتقى في حرية الإعلام بين الخطاب الديني وشعارات الأمن الوطني والقومي، وتزايد الانتقادات لوسائل الإعلام بممارسة خطاب الكراهية، وتأثيرات الإعلام الجديد، وواقع الانتهاكات، واستمرار الإفلات من العقاب، وشهد ختامه إطلاق التقرير العربي الثاني لحالة الحريات الإعلامية.

وقد شارك في أعمال الملتقى منذ انطلاقته في 2011 مئات الإعلاميين؛ والخبراء القانونيين، والنشطاء الحقوقيين، ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية المعنية، ومدونين، وبرلمانيين، وباحثين مهتمين بحماية الصحفيين وحرية الصحافة والدفاع عن حقوق الإنسان.

2. الخلفية: البيئة الراهنة لعمل وسائل الإعلام في العالم العربي 
يواجه الإعلام في المنطقة العربية حالةً من ضبابية الصورة فيما يتعلق بمساحة الحرية الراهنة. وفي الوقت الذي تدلُ فيه المؤشرات في بعض دول العالم العربي على التضييق المستمر لفرص ممارسة العمل الصحافي والإعلامي في إطار من الموضوعية والحرفية، في ظل تصاعد أخطر التهديدات التي تمس أمن وحياة الصحافيين؛ فإن بعضاً آخراً من هذه المؤشرات يشير إلى ضبابية هذه المساحة وغياب معالم حاسمة لمداها وأفقها. ولعل أبرز ما يدل على الانعدام المطلق لمساحة حرية عمل الإعلام هو قتل الصحافيين واختطافهم في سياق ما يمكن أن يكون أسوأ النزاعات المسلحة التي شهدتها المنطقة العربية، ولربما العالم، في تاريخه الحديث. ويُضافُ إلى ذلك التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي يتعرض لها الصحافيون، ومنها حبسهم احتياطياً أو محاكمتهم وفق إجراءات محاكمات غير عادلة أو التعرض لعائلاتهم والمقربين منهم.

كما وتعمل وسائل ووسائط الإعلام في العالم العربي وسط موجة شاملة من الانقسام السياسي والمُجتمعي والطائفي المذهبي. كما أنها تعمل في بيئة تكاد تكون في حالة خصومة وتضاد مع منظومة المبادئ والأطر التي تجسد احترام حقوق الإنسان والحق في الاختلاف، وتعدد الآراء والتعبير، وحرية التجمع السلمي وحرية التنظيم وحرية الفكر. وفي أحسن الأحوال، تعمل وسائل الإعلام في بيئة عامة تتسم بعدم الاتساق والانسجام؛ سواءً على صعيد الطروحات السياسية البرامجية أو على صعيد طروحات طلائع المجتمعات العربية التي تنادي بالتحرر والتقدم والتغيير.

وتعمل وسائل الإعلام وسط حالة استثنائية وحادة من الإقصاء السياسي والتهميش المجتمعي، بما يعنيه ذلك من هدم لأسس التعددية والتنوع التي من شأنها الارتقاء بعمل وسائل الإعلام وتحسين استخدام وتداول محتوى وسائل الإعلام من قبل الجمهور بفئاته المختلفة والمتعددة.

كما يبرز في المشهد الراهن للحالة العامة في العالم العربي، درجةٌ عالية من الرمادية في وضوح هوية اللاعبين السياسيين والمجتمعيين، وأدوارهم، والحد الزمني المرتبط بأدوارهم وطبيعة ما عليهم إنجازه. وفي أحسن الأحوال، فإن تعريفاً لما تم الاصطلاح على تسميته بـ “المرحلة الانتقالية” غير موجود ويتم التعامل معه على أسس اعتباطية ووقتية ومؤقتة.

ومن أبرز المُشاهدات المتعلقة بالحالة العامة الراهنة التي تعمل وسائل الإعلام في العالم العربي من خلالها، هي حالةُ مقلقة من نكوص المجتمع المدني بتعريفه الأشمل، والذي يتعدى المنظمات غير الحكومية ليمتد الى الفاعلين من نشطاء مستقلين وأندية ونقابات وتجمعات فكرية وثقافية ومدنية.

وأخيراً، وليس آخراً، فإن أبرز سمات البيئة العامة في العالم العربي والمؤثرة على عمل وسائل الإعلام؛ هي دلالات وبوادر متفاوتة الدرجات بين بلد وآخر على انفراط العقد الاجتماعي بالصيغ التي عاشها سكان العالم العربي على مر عقود من الزمن، وبما يعنيه ذلك من بواعث قلق عميق على متانة وحصانة مبادئ المواطنة واستقرارها.

3. المدافعون عن حرية الإعلام
في الوقت الذي لا يوجد فيه تعريفٌ عالمي متداول لمفهوم “المدافعين عن حرية الإعلام” إلا أن دورهم يقترب ويتقاطع الى درجة كبيرة مع المفهوم الذي جسده المفهوم الأممي للمدافعين عن حقوق الانسان. وفي أبسط تعريف للمدافعين عن حرية الإعلام؛ فهم أولئك الذين يدافعون عن القيم الأصيلة والمتجذرة في عمل وسائل الإعلام والصحافة والمتمثلة في الحق في حرية التعبير، وحرية الفكر وحق الجمهور في المعرفة والوصول إلى المعلومات؛ والارتقاء بمدارك البشرية وتعزيز سلامة ورفاه الإنسانية؛ من خلال العمل بصورة فردية أو جماعية، وبشكل سلمي، نيابة عن العاملين في وسائل الإعلام والصحافة والمجتمع من أجل تعزيز وصيانة هذه المبادئ والحقوق.

ويرصد المدافعون عن حرية الإعلام، على غرار المدافعين عن حقوق الانسان، الانتهاكات الواقعة على حرية الصحافة والإعلام، وبما يتسق مع حماية الدور الذي يلعبه الإعلام وفقاً للركائز المشار اليها سلفاً؛ ويقومون بالتخطيط ووضع الاستراتيجيات وتنفيذ حملات وتحركات بمفردهم أو مع الآخرين لنشر وتعزيز حماية هذه الركائز. كما ويقوم المدافعون عن حرية الإعلام بنشر المعلومات حول الانتهاكات الواقعة على حرية الإعلام، والتوعية والتثقيف حول أهمية حرية الإعلام، والعمل مع أوساط مجتمعية واسعة فيما يتعلق بمواجهة المخاطر التي تتعرض لها حرية الإعلام والتعبير وتدفق المعلومات؛ وينشطون في كسب تأييد صناع القرار على المستوى المحلي والدولي لتعزيز حرية الإعلام، كما ويعملون على بناء قدرات المجتمعات ليفهم أفرادها سبل المطالبة بحقوقهم المتعلقة بحرية التعبير والفكر والوصول إلى المعلومات.

4. إشكاليات راهنة أمام حرية الإعلام في العالم العربي 
أياً كان الوصف المستخدم للدلالة على الحراك السياسي والمجتمعي العام في العالم العربي على مدار السنوات الماضية، ربيعا ً كان أم خريفا ً أم فصلا ً آخرا ً من الفصول؛ فإن الإشكاليات التي تواجه عمل وسائل الإعلام توالدت إما بفعل شروط ذاتية أو لأسباب موضوعية محضة تتعدى قدرة وسائل الإعلام على التعامل معها. ويتعدى مفهوم الإشكاليات فكرة “القيود” ويمضي باتجاه المواضيع التي طرأت ولا إجابات محددة عليها أو أنها قضايا ذو طبيعة جدلية ومُختلف عليها. ومن الأمثلة الراهنة على هذه الإشكاليات: 
 تعريف الصحافي: من هو أو هي الصحافي أو الصحافية في ظل بيئة العمل الإعلامي الراهنة والمحفوفة بمتغيرات ومخاطر وشروط عمل غير مسبوقة؟ وكيف يمكن التعامل مع مفهوم الصحافيين المواطنين وناقلي المعلومات عبر وسائط التواصل الاجتماعي. 
 تحري مصداقية المعلومات: في ظل عدم إتاحة الوصول إلى مواقع الأحداث أو مصادر المعلومات، بسبب عوائق متعلقة بالنزاعات المسلحة أو بسبب قيود مفروضة في التشريع والممارسات الحكومية التنفيذية.
 تأثير محتوى إعلام الجماعات المسلحة والجماعات الدينية على الجمهور في ظل عدم التزام هذا النوع من الإعلام بأي قواعد للعمل الحرفي الصحافي، أو أي معايير دولية متعلقة بحماية المدنيين أو صيانة الحقوق الإنسانية.
 الإفلات من المُساءلة، خطاب الكراهية، التحريض على العنف والقتل: وهذه ظواهر لا تنحصر على إعلام الجماعات المسلحة والدينية بل تتعداها لتشمل بشكل أساسي إعلام الدولة وإعلام القطاع الخاص والتجاري. 
 الإفلات من العقاب كمنهج: الانتهاكات الواقعة على حرية الإعلام والصحافة والاعتداءات الجسيمة على الصحافيين لا عقاب عليها؛ وأضحى ذلك القاعدة وليس الاستثناء، وتكرس كمنهج طالما انعدمت التداخلات على صعيد السلطات التنفيذية والتشريعية. 
 تغييب القضاء المستقل: تدخل السلطة التنفيذية في بعض شؤون القضاء وضعف ومحدودية التدريب المتخصص في قضايا الإعلام يؤدي إلى عدم وجود اجتهادات قضائية جديده تحمي حرية الإعلام وتصونها وتساعد على نموها.
 ملكية وسائل الإعلام: بالرغم من بروز طفرة في عدد من وسائل الإعلام المملوكة للقطاع الخاص وغير الحكومي، إلا أن ذلك لم يعزز من عمل الصحافة والإعلام بشكل مستقل لخدمة الصالح العام. وليس هناك أي مشاريع جادة حاليا ً للتحول باتجاه الإعلام العمومي. 
 الإعلام البديل ومساحة التعبير: وفرت وسائط التواصل الاجتماعي بديلاً للأفراد للتعبير عن أنفسهم في ظل تعذر قيام وسائل الإعلام التقليدي بمنح مساحات معقولة من التعبير، وأفرز ذلك ظاهرة غير مسبوقة من ازدياد استخدام هذه الوسائط من دون أي قواعد أو محددات.
 التنظيم الذاتي: تفتقد المؤسسات الصحافية والإعلامية، ومعها الصحافيون والإعلاميون العاملين معها وبها، أطراً تنظيمية ذاتية تكفل لهم حل الإشكاليات المترتبة على النشر الصحافي وآثاره على أفراد المجتمع. ولا تتوفر أطرٌ من شأنها إعمال وإنفاذ مواثيق السلوك المهني أو حل النزاعات مع المتضررين من النشر، وتُفتقد في بعض الأحيان مدونات السلوك الصحافي. 

5. التوصيات 
وبناءً على ما تقدم من توطئةٍ، وسرد ومعاينة للبيئة الراهنة التي يعمل الإعلام من خلالها في بلدان العالم العربي، ومن خلال استعراض أبرز الإشكاليات التي تعوق نمو وتطور إعلام حر ومستقل، يكفل حق الجمهور في المعرفة ويُسهم في تعزيز حقوق الإنسان، ويحمي مناخ التنوع والتعددية واحترام مختلف الآراء، وبما يتضمن حرصا ً والتزاما ً على اجتناب خطاب الكراهية والتحريض على العنف والقتل أو التمييز؛ فإن المشاركين في الملتقى الثالث للمدافعين عن حرية الإعلام في العالم العربي، والمُنعقد في عمان، الأردن، في الفترة بين 10-11 مايو/أيار من العام 2014؛ بدعوة وتنظيم من مركز حماية وحرية الصحافيين، يتقدمون بما يلي من التوصيات

5.1. توصيات إلى الحكومات والمُشرعين وصُناع القرار
5.1.1. تمكين القضاء وبشكل مستقل من النظر كجهة وحيدة تملك الاختصاص، للنظر فيما يُزعم من تجاوزات يرتكبها الإعلام والإعلاميون.

5.1.2. منع الإفلات من العقاب والتحقيق العاجل في جميع الانتهاكات المرتكبة ضد الإعلاميين ووسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، وإحالة المرتكبين الى المحاكم من دون استثناء، وإزالة أي قيود إجرائية تمنع المتظلمين من رفع دعاوى ضد مرتكبي هذه الانتهاكات.

5.1.3. منع العقوبات السالبة للحريات، ومطالبة الحكومات بالإفراج الفوري والعاجل عن كافة الإعلاميين دون إبطاء، والتوقف عن زجهم في الصراعات السياسية.

5.1.4. العمل على ضمان الإفراج الفوري عن الإعلاميين الذين تحتجزهم وتختطفهم جماعات وميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة والقانون.

5.1.5. اتخاذ الإجراءات التنظيمية اللازمة، وإن تطلب الأمر، تعديل القوانين والتشريعات التي تتيح للحكومات امتلاك أو إدارة وسائل الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر، ووضع إطار تنظيمي وفقاً للمعايير الدولية وأفضل الممارسات الخاصة بإنشاء إعلام عمومي.

5.1.6. النص صراحةً وعلى نحو غير قابل للنقض والتأويل على أن حرية الرأي التعبير مكفولةٌ بموجب معايير ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وفروع القانون الدولي الأخرى المنطبقة، وضمان إدماجها في التشريعات المحلية بالتعريفات الواردة في الإطار القانوني المذكور مباشرة ً وصراحة ً.

5.1.7. النص صراحةً في القانون والمدونات الإجرائية على حق الصحفيين ووسائل الإعلام والمواطنين في الوصول إلى المعلومات، من دون قيد أو شرط، وعلى أساس انتفاء أي ضرورة لتصنيف أو وضع المعلومات في إطار سري، ووضع معايير إجرائية ملزمة للعاملين في السلطات التنفيذية للإفصاح عن المعلومات وتحديد سبل الانتصاف والعقوبات بحق الممتنعين عن تزويد المعلومات.

5.1.7. رفع وإزالة القيود التشريعية على ممارسة العمل الإعلامي والصحافي مثل اشتراط الترخيص للمطبوعات الصحافية والعضوية الإلزامية للصحافيين في النقابات وتجنب فرض شروط تعجيزية ورسوم باهظة على ترخيص وسائط الإعلام الإذاعية والتلفزيونية.

5.1.8. تطبيق المعايير الدولية المُلزمة والتي تستمد القوانين الوطنية منها أسساً للمُساءلة والعقاب فيما يتعلق بالتحريض على العنف والكراهية والتمييز من خلال محاكمة المحرضين انطلاقاً من المادتين ١٨و١٩ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

5.1.9. رفع الحظر أو الحجب عن الصحف الإلكترونية والمدونات المحظورة أو المحجوبة في كافة أرجاء العالم العربي والتي لم تحجب لأسباب تتعلق بمحتوى يتضمن التحريض على القتل أو الكراهية أو الإساءة أو استغلال الأطفال أو الاتجار بالبشر.

5.1.10. الاعتراف بالمواطنين الصحافيين كممارسين لمهنة العمل الإعلامي وكمزودين للمعلومات وحماية حقوقهم المترتبة على ذلك.

5.1.11. حث الأمين العام للأمم المتحدة بالموافقة على تضمين حرية التعبير وحرية الإعلام وإتاحة الوصول الى المعلومات بشكل مستقل، كبنود أصيلة ولا تتجزأ من أجندة الأمم المتحدة التنموية لما بعد العام 2015 والممتدة الى عام 2030.

5.2. توصيات إلى المؤسسات الإعلامية
5.2.1. ضرورة إفصاح المؤسسات الإعلامية عن مصادر تمويلها وتعاملاتها التجارية المختلفة وانحيازاتها السياسية إقراراً لحق الجمهور في المعرفة والشفافية.

5.2.2. بناء تحالفات وطنية ما بين الإعلاميين ومؤسساتهم وكيانات المجتمع المدني بهدف توعية المواطنين بضرورة وأهمية استقلال الإعلام في سياق استقلال الاوطان من التبعية بأشكالها المختلفة.

5.2.3. وضع حقوق الإنسان فوق التربح، ومنع المواد الإعلامية التي تتعرض لحقوق الآخرين مثل الخصوصية والكرامة، ودراسة الضرر الذي يمكن ان يتعرض له الآخرون.

5.2.4. رفع مستوى استقلالية ومهنية الإعلاميين وحمايتهم وتعويضهم عند العمل في ظروف حرجة أو خطرة.

5.3. توصيات إلى ممُارسي المهنة
5.3.1. عدم الخلط بين الدور المناط بالمهنيين الإعلاميين وما يستتبعه ذلك من التزام بالمعايير المهنية والدور الذي يلعبه الناشط السياسي وما يستتبعه ذلك من علاقة تنظيمية وانحياز سياسي.

5.3.2. المبادرة إلى الشروع في إجراءات جدية وجماعية لترسيخ أدوات التنظيم الذاتي للإعلام بما يضمن استقلاليته وتعزيز مسؤوليته تجاه الجمهور، ومن تلك الأدوات مجالس الشكاوى على سبيل المثال.

5.3.3. العمل مع الزملاء في المؤسسة الإعلامية الواحدة، ومجمل المؤسسات، لتوسيع والحفاظ على هامش الحرية داخل وخارج هذه المؤسسات.

5.3.4. رفع مستوى القدرات المهنية والتركيز على ما يهم الصالح العام ومنها خروقات حقوق الإنسان، والرقابة على صناع القرار وأداء رسالة الإعلام في ظل احترام حقوق الإنسان الأخرى مثل حق الخصوصية والكرامة عبر وضع معايير أخلاقية واضحة.

5.3.5. صياغة مدونة سلوك للإعلاميين تحدد ضوابط أخلاقية ومهنية يسترشد بها المنتسبون للمهنة والمدافعون عن حرية الإعلام، وتدعو الإعلاميين لمحاربة التطرف والغلو والكراهية والعنف سواء أكان صادرا من الأنظمة أو من المليشيات والجماعات المسلحة.

5.4. توصيات إلى المجتمع المدني في العالم العربي
5.4.1. تشجيع التعددية وقبول الآخر والاحتفال بالتنوع والبعد عن شعار توحيد الخطاب الإعلامي.

5.4.2. تعزيز دور المثقفين في ترسيخ وتعميم ثقافة التعددية وقبول الآخر في مواجهة نهج الإقصاء.

5.4.3. الدفاع عن الإعلاميين في مواجهة سطوة ونفوذ الحكومات، والقطاع الخاص، ورجال الدين، وغيرهم من القوى التي تسعى للحد من حريتهم واستقلاليتهم، بالإضافة إلى حث وسائل الإعلام على تناول حقوق الإنسان الأخرى التي تتجاوز الحقوق السياسية مثل حق الحياة الكريمة، حق المرأة والطفل، .. إلخ.

5.4.4. العمل على بناء قدرات المدونين والنشطاء في مجال نقل المعلومات بما يمكنهم من التغلب على عوامل نقص المراس الحرفي والمهني.

5.4.5. العمل في وجه إعلام الكراهية والاطروحات التكفيرية والإقصائية والتحريضية من خلال تعزيز الإعلام التنويري الجاد

5.5. توصيات الى المجتمع الدولي والأمم المتحدة
5.5.1. دعم الإعلاميين المعرضين للضغوط والسجن والتنكيل وغيرها من الممارسات بسبب عملهم.

5.5.2. توفير وتمويل فرص بناء القدرات للصحافيين والإعلاميين في مجالات استخدام الأساليب المهنية الحديثة التي ترفع من جودة أعمالهم مثل الصحافة الاستقصائية واستخدام التقنيات الإلكترونية في معالجة البيانات.

5.5.3. دعوة الأمم المتحدة، ومن خلال وكالاتها المتعددة، وعلى الأخص اليونسكو، المبادرة إلى وضع مسودة لإعلان خاص يعنى بحماية المدافعين عن حرية الإعلام بالاسترشاد للإطار الذي وضعه هذا الإعلان.

5.5.4. دعوة لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة الى توسيع نطاق عمل المقرر الخاص بحرية التعبير ليشمل مسائل حرية الصحافة، وبما يتقاطع مع ضرورات حماية الحقوق الأصيلة والمتجذرة للإنسان.

5.5.5. دعوة الأمم المتحدة، عموماً، إلى النظر العاجل في إنشاء آليات حماية للصحافيين في أوقات النزاعات وبما يتيح لهم ممارسة عملهم المهني في إطار من الحماية الدولية القانونية، وبما ينسجم مع معايير ممارسات الإعلام الفضلى في المصداقية وعدم الانحياز.

Related posts

الذكاء الاصطناعي والاتصالات: أهلاً بالسرعات الاستثنائية، وداعاً للمشاكل التقنية!

البنك العربي الراعي البلاتيني للجمعية العامة السابعة والخمسين للاتحاد العربي للنقل الجوي

الكشف عن أسماء الفائزين بجوائز ديليفرو الإمارات لأفضل المطاعم لعام 2024