عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – لم أعرف شخصية تقلدت المسؤولية في موقع يؤمن باستثمار الفرص مثله ، وهو في سبيل ذلك يرى أن الانسان هو ما يجب الانتباه اليه حين تتوفر الفرص او تتوفر مناخاتها ولذا كان دائم العناية بضرورة ان يكون الانسان المناسب في المكان المناسب ..
دخل الى عالم السياسة من باب الوظيفة ليكون وزيرا للخارجية بعد ان كان نائبا في البرلمان وادرك ان السياسة في الاصل هي القدرة على التعاطي مع الناس بمنظور يسخر طاقاتهم لخدمة رؤية وطنية ينتفعون بها ولذا كان اقرب الى التفكير الحزبي الذي ظل ينفر منه ويعتقد انه لا يتسع له ولم يستهوه العمل الحزبي حين كان موضة سنوات التسعينيات من القرن الماضي في الاردن وتحولت كثير من الشخصيات العامة الى اعادة تجديد حياتها العامة بالانخراط في احزاب جرى تشكيلها على عجل لترفع يافطات لم تلبث ان سقطت رغم ان اصحابها مازالوا يتشبثون بها ..
ظل عبد الكريم الكباريتي يؤمن بالمنافسة الشريفة ولذا لم يخض معارك مع منافسيه . ولكنه كسب عداوات عديدة حينما آمن بضرورة تغيير اصول اللعبة السياسية بالذهاب الى القوى السياسية المختلفة بما في ذلك الاسلاميين الذين حاز التوافق مع بعض ما يطرحون . آخذا بمبدأ الاحتواء الذي اتقن صناعته وبناء خططه ..
كان الكباريتي الاقرب للاحساس بالفقراء رغم انه رجل اعمال ناجح فالتصاقه بالناس جعله يسمع شكواهم ويدرك عدالة مطالبهم ولذا فان خطته مع اول مرحلة تقشف اردنية في توزيع الخبز بالبطاقة او الدعم نجحت تماما ولو اتيح لفكرته ان تستمر لتجنبنا كثيرا من السياسات الارتجالية ..
وكان الملك الراحل الحسين قد وقف الى جانبه فيها حينما راها تنجح وقد ارتبط الكباريتي بالملك الراحل بعلاقة وثيقة كانت مثار قلق حساده الذين نجحو في ايغار موقف الملك منه في صفقة مازالت اوراقها مخبؤة ..
يؤمن ان الاقتصاد هو المحرك الاساس وهو صانع السياسة وان رجال الاعمال واصحاب الاقتصاد لابد ان تتوفر لهم مساحات واسعة من الحركة على قاعدة من توفر ادارة رسمية واعية ايجابية تؤمن بالبناء لا بالمصادرة وتؤمن بتمدين الريف لا ترييف المدينة وبالمجتمع المدني المستند الى الطبقة الوسطى وليس الاستثمار في العشائرية لتوظيفها سياسيا على قاعدة استمرار تجريب المجرب ..
ظل دائما قادرا على فتح النوافذ للحوار وظل يحتفظ بمسافات قريبة من كل الاطراف والالوان السياسية والاجتماعية وظل يضع عينه على اردن متقدم يبحث عن دور يؤكد على دوره الاساس ولذا جاءت حكومته في التسعينيات زمن الملك الراحل الحسين لتكنس لاول مرة تراكمات التقليدية والترهل في تلك الفترة وحملت اسم حكومة ” الثورة البيضاء ” ولم تكرر تلك التجربة مرة اخرى فقد شكلت فترة ولايته خطورةعلى البنى التقليدية التي اطاحت به حين ادركت ان استمراره سيقتلعها ..
من القلائل الذين حركوا الاقتصاد ونشطوا السوق وربطوا العلاقات الاردنية الخارجية في اطار المصالح الوطنية رغم ما واجهه من نقد حين كان خياره خليجيا ومع دول الخليج رغم سطوة النظام العراقي انذاك لانه كان يراهن على الاستقرار والديمومة والابتعاد عن الشعارات
كثير من اعضاء حكومته واصلوا طريقهم وسطعت قدراتهم لانهم تخرجوا من مدرسته ولعل وجوده في البرلمان وآخرين جرى تشكيل الحكومات منهم وكانوا رؤساء وزارات هي اول المحاولات لتشكيل ” طبقة سياسية ” اردنية ظلت لسنوات الى ان تغيرت اللعبة مرة اخرى بانتهاء عقد التسعينيات والدخول الى فهم جديد في ادارة الدولة .. قبل ان تفشل التجربة امام الازمة الاقتصادية ..
لديه من الخبرة الاقتصادية ما جعل ” ابن السوق ” يصعد الدرجات سريعا ويحل كثيرا من المشاكل اثناء توليه مناصب وزارية وحتى فترة رئاسته للوزارة فقد تميزت بان بقيت في اذهان المواطنين الى اليوم خاصة كلما ازدادت الاوضاع الاقتصادية تعقيدا واحتاجت الى حلول ..
وحين كان يغادر رئاسة الحكومة لم ينشء صالونا لتصيد اخطاء غيره او ممن جاءوا بعده ، فلم يكن من البطالة المقنعة التي تلبس الحداد على الوظيفة العامة المفقودة وتستمر في النواح عليها ورفع شعار “تخرب فينا ولا تعمر بغيرنا” . بل راح يبني ليرتبط اسمه باسم احد اهم البنوك في نجاحاته المستمرة وفي سبقه في التطوير واستقطابه للكوادر ..
ظلت السياسة في دمه وظل يحمل لها منظورا وطنيا وكثيرا ما كان يواجه كيد من ارادوا اختصار الاردن او وضعه في جيوبهم او اعتبار انفسهم المخلصين .. واجه ادواتهم المتغطرسة ونفوذهم وتحمل سوء الظن وجرى تحميله مالم يكن له فيه علاقة او دور ومع ذلك صمد الرجل ولم يضعف ودفع ثمنا كبيرا لايجدر ان يدفعه .وبقي على موقفه . قال قولته ولم يمش بل دعى للحوار الذي لم تتوفر اطرافه ولان ما اكتبه انطباعات عن الرجل اكثر منها دراسة او تحليلا فان التجاوز قد يحدث سلبا او ايجابا ، فتقديم انطباعات عن شخصية بوزن عبد الكريم الكباريتي ليس سهلا ولكن ما اردت قوله ليس اكثر من تحية للرجل الذي ظلت سمعته طيبة ولم يسجل عليه انه غدر او قفز او انتسب لفعل غيره . او تطاول على قانون او ابتز جماعة او استمال فريقا او حفر لغيره حفرة ..
الذين حاولوا النيل منه لم يستطيعوا بلوغ قمته .. حاولوا تسلق الهرم لكن الحجارة كانت تخذلهم رغم انهم يتقنون التسلق .. ولم تزده الكلمات الخائفة التي كانت تطلق عليه بديل الرصاص الا ايمانا بوطنه واستقراره وكان يرى ضرورة الدفاع عن رمزية القيادة وعدم ترجمتها الى مصالح ضيقة او استمالة مؤقتة..
صمت وقتا كان الصمت اوجب من الكلام حين كان من ذهب وحين بلغت الرطانة حد صناعة الضجيج انتظر حتى انحسرت الرطانة ووصل الناس الى موقع السراب فلم يجدوا شيئا .. ووجد ان الحفرة التي حفرت له يسكنها خصومه بفعل اعمالهم بعد ان اعيتهم الحيل للايقاع به او الاطاحة بانجازه ودوره لم يتوقف عن قول الحق حين يلزم قوله رغم التشويش على ما يقول ورغم محاولة تفسير ما يقول وكانه خارج السياق ..
عبدالكريم الكباريتي فرصة وطنية يمكن استغلالها بشكل افضل في العمل العام . وادرك ان هذا الكلام قد يضايقه فالرجل لايريد ان يحشر نفسه في وظيفة كبيرة هي رئيس الوزراء الا برؤيته وشروطه التي ظل يتمسك بها كما تمسك بها جيل من رؤساء الوزارات قبل ان يصبح الموقع تابعا لا متبوعا ومتلقيا لا فاعلا واسير مراكز قوى اكثر منه مطلق طاقات ومنجز اعمال ..
والى ان تتغير معطيات كثيرة فان بعض محبيه سيقولون ” وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ” رغم ان السماء حالكه والبدر المحجوب قد لا يصل نوره طالما اوغلنا في العتمة اكثر ..
يدرك حجم الكلفة التي على رئيس الوزراء الناجح ان يدفعها ويدرك ان المسالة لا تتعلق بالمهارة والخبرة والوطنية فقط وانما بالبيئة والطرق والمعطيات المعطلة او المساعدة ..
اتمنى ان يضع خبرته حيث تكون في القرار وان يستعيد اعتباره وان تكف بعض الاطراف عن الشغب على دوره فقد استطاع الان ان يبدد الكثير من العقبات وان يستعيد صورة ظل حريصا عليها لتعود الى القها .. فقد مر حين من الزمن حاربته الصحافة الموجهة وحاربته مراكز قوى كان اسمه عليها نذير الشؤوم والتطير لدرجة انهم صنعوا مجموعات ورثوها تشويه صورة الرجل الذي لم يرتكب ذنبا او يقترف خطأ . ولكن جوقة الضعاف في يوم من الايام كانت لا تريد ان يعود الى السطور الاولى من يسبب لها الفزع او يكشف عن افعالها ..
ذهب التاريخ بكثير ممن اعتقدوا ان حبل الكذب طويل واذا به بعد حين يلتف على اعناقهم ويسحبهم حيث يجب ان يكونوا باحجامهم الطبيعية .. عبد الكريم الكباريتي كان الالصق بالملك الراحل الحسين والاكثر ادراكا لتوقه لى اردن حديث متطور ..
مازال لدى الرجل عزيمة وقدرة على العطاء ومحبة لوطنه وقائده ولعل القائد وهو ينثر كنانته ويعجم عيدانها واجد فيه الاكثر صلابة والاقدر على ايصال رسالة القائد للمواطن ..