من المقرر ان يتوجه العراقيون الى صناديق الاقتراع في الثلاثين من شهر نيسان (أبريل) الجاري لاختيار برلمان جديد للدورة التشريعية الثالثة، أهمية الانتخابات لا تقتصر على إعادة تشكيل مجلس النواب، بل في اختيار الرئاسات الثلاث ومن بينها المنصب الذي أصبح مثاراً للجدل بحكم الصلاحيات التي منحها الدستور وأقصد منصب رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
تحصل الانتخابات في ظرف بالغ الخطورة والتعقيد، اذ يترافق مع التدهور الأمني، وثورة مسلحة اضطر اليها العرب السنّة للدفاع عن الدين والنفس والعرض، وعلاقات يبدو أنها وصلت الى طريق مسدود بين إقليم كردستان والمركز من تداعياتها ربما طرح ورقة تقرير المصير للشعب الكردي، ولا يمكن ان نغفل ثورة صامتة للمسحوقين من الشيعة في الجنوب الذين تأثروا الى حد كبير بانتشار الفساد وغياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات، ما يجعل العراق في مفترق طرق.
وضع خطير لا بد له من علاج أو تغيير، وإذا تعذر ذلك فإن الأبواب تبدو مشرعة امام تطورات دراماتيكية. والسؤال الذي يطرح نفسه هل الانتخابات كوسيلة فعالة من وسائل الديموقراطية مؤهلة لأحداث التغيير المنتظر في العراق؟ نظرياً نعم عملياً لا. كي تكون الانتخابات اداة تغيير فعالة ومنتجة لا بد من توفر اجواء مساعدة وظروف طبيعية وإلا أفرغت الانتخابات من محتواها…. في التجربة العراقية، تواجه الانتخابات كأداة ديموقراطية تحديات تعني بضعف المؤسسات الدستورية ومحدودية الثقافة الديموقراطية، ناهيك عن استقطاب السلطة من جانب شخص رئيس مجلس الوزراء وأخيراً دور النفوذ الأجنبي …. وللحقيقة هذه هي العوامل التي أجبرت القائمة العراقية في انتخابات عام 2010 على التخلي عن حقها المشروع في تشكيل الحكومة باعتبارها القائمة الفائزة، ورفعت بعد ذلك علامة استفهام كبيرة امام جدوى الانتخابات ومدى فاعليتها كأداة للتغيير. لهذا السبب هناك احباط شعبي وميل إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات رغم المنافسة الحامية بين المرشحين على المقاعد الانتخابية اذ بلغ عدد المتنافسين لكل مقعد ما يقرب من ثلاثين مرشحاً وهو رقم كبير للغاية.
وتحكم العراق إدارة طائفية، فاسدة وفاشلة … عملت على امتداد سنوات على تمزيق النسيج الاجتماعي وإحياء العصبية للمذهب بدل هوية الانتماء للوطن، لهذا السبب تمحور الاهتمام هذه المرة لدى القوائم الانتخابية في التغيير على استبدال رئيس مجلس الوزراء، بينما ينصرف الاهتمام عادة على البرامج والمشاريع التي من المعتاد ان تطرحها القوائم في حملاتها الانتخابية في الدول الديموقراطية.
انفرد ائتلاف دولة القانون بالمطالبة بولاية ثالثة لرئيس مجلس الوزراء الحالي نوري المالكي أجمعت القوائم الانتخابية المنافسة الكبرى، متحدون والأحرار والكرامة والعراقية الوطنية والمواطن اضافة إلى التحالف الكردستاني، على تغيير المالكي واختيار بديل له ولحزبه أي حزب الدعوة الحاكم. ولهذا تبدو فرصة نوري المالكي في التجديد لولاية ثالثة معدومة حتى لو فاز ائتلاف دولة القانون في الانتخابات اذ يبقى بحاجة ماسة للتحالف مع قوائم فائزة كبرى من أجل تشكيل الكتلة الأكبر ما يحقق النصاب المطلوب لنيل الثقة، وهذه القوائم أعلنت موقفها الرافض لتجديد ولاية المالكي للمرة الثالثة وأجد ان من الصعب عليها تغيير موقفها حتى لو تعرضت الى ضغوط ايران والولايات المتحدة اللتين تملكان النفوذ الأكبر.
لكن في السياسة كل شيء ممكن وقابل للتغيير. والمواقف تتغير عندما تتغير الحقائق. وما يقود هو المصلحة وليس المبدأ او الثابت، ويسع نوري المالكي القابض على السلطة بكل ابعادها الأمنية والاقتصادية والإعلامية والقضائية إلى ان يمارس التزوير على أوسع نطاق آخذاً في الاعتبار انه يقود مؤسسة عسكرية مكونة من مليون وربع منتسب من السهولة حصر أصواتهم له وحده الى جانب هيمنته المطلقة على مفوضية الانتخابات التي لم تعد بفضل التغييرات الإدارية التي أجراها مستقلة. وعلى غرار ما جرى في المرة السابقة من المتوقع ان يوظف نوري المالكي استقطابه للسلطة بأبشع الصور، ولهذا لا ينبغي ان نفاجأ بفتاوى جديدة تصدرها المحكمة الاتحادية وتُكيف بموجبها رغبات ائتلاف دولة القانون في توصيف الكتلة الأكبر.
كما لا ينبغي استبعاد دور المال الحرام في شراء الذمم واغراء ذوي النفوس الضعيفة في التحالف معه وإذا لم يتحقق الغرض يأتي التهديد بقطع الأرزاق وفق قانون المساءلة والعدالة او قطع الأعناق وفق قانون الإرهاب… كل الاحتمالات ممكنة، لكن التحالف الذي سيخرج من عباءته رئيس الوزراء هو التحالف الشيعي لا ريب وهو يتحمل القسط الأكبر في التغيير المنتظر، وأطرافه الاساسية وخصوصاً الأحرار وكتلة المواطن أعلنتا رغبتهما في التغيير لإنقاذ العراق قبل ان يتفكك ولهذا السبب من المتوقع ألا تتنازل هذه المرة عن مبدأ التداول السلمي للسلطة في انتزاع منصب رئيس الوزراء من حزب الدعوة الى شركائه في التحالف الشيعي.
اما اذا فشلت المساعي في التغيير فإن المكونات التي استهدفها نوري المالكي وعلى وجه الخصوص العرب السنّة وخيّرها بين الموت والذلة فإنها لن تقبل بولايته للمرة الثالثة تحت اي ظرف من الظروف وسيكون من حقها ان تبحث عن خيارات بديلة تلبي ما تستحقه من حياة حرة كريمة، ولديها وسائل تغيير أفضل ولن تنتظر بعد ذلك إفرازات صناديق الاقتراع.