تخطئ الحكومة الأردنية باللجوء إلى الحل الأمني للاحتجاجات في مدينة “معان” الفقيرة، وتخطئ أكثر عندما يتوعد وزير داخليتها بحل أمني نوعي، وهو الوعيد الذي استثار قطاعا واسعا من أهل المدينة..
من حق الحكومة وواجبها إلقاء القبض على المطلوبين أمنيا، لحماية المجتمع من شرورهم، ولا يوجد عاقل واحد يعارض إلقاء القبض على “الخارجين على القانون” وتقديمهم إلى محاكمات عادلة، فهذا الأمر ضرورة لتوفير الأمن والأمان لكل الناس في الأردن، وليس فقط في مدينة معان، بل أن إقدام الأجهزة الأمنية على تنظيف المجتمع من هؤلاء يحظى بالترحيب الكامل والمساعدة من قبل الناس، ومن واجب وزير الداخلية أن ينفذ القانون وأن يحمي السلم المجتمعي وأن يحمي الأردن من العواصف التي تحيط به بكل جانب، وهذا أمر مبدئي لا يحتاج إلى نقاش.
لكن تنفيذ القانون من خلال الأجهزة الأمنية، يحتاج إلى ضوابط ومعايير، دون الدخول في صراع مع المجتمع، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسوة حسنة عندما، رفض قتال المنافقين رغم معرفته لهم، خشية إحداث شرخ اجتماعي ولكي لا يقال إن “محمدا يقتل أصحابه “، وبالتالي فإن القبض على المطلوبين يحتاج إلى “إجراءات نوعية” تضمن مصالح الناس من جهة، وتنفيذ القانون من جهة أخرى.
لا يمكن التعامل مع معان على أنها مدينة متمردة، أو خارجة على القانون، والموقف الجماعي في معان هو رفض قيام الحكومة بانتهاج سياسة مرفوضة قانونيا وشعبيا من خلال إجراءات ملاحقة غير مسؤولة تنتهي بالقتل، مما يولد الاحتقان ويسمح للبعض، خاصة المطلوبين أمنيا، القيام بأعمال تخريب وشغب عند تنظيم أي موقف احتجاجي سلمي، واعتبروا أن “الطريقة التي تتصرف بها الأجهزة الأمنية ومنها مؤسسة الحكم المحلي في المحافظة، من خلال وضع الجميع في ميزان التمرد والخروج عن القانون والإساءات اللفظية التي يتعرض لها البعض في مراكز التوقيف الأمنية والتشويه الإعلامي لصورة المدينة من قبل أجهزة الحكومة واعتقال عدد من الأبرياء ووفاة البعض منهم، كما حدث مع الشاب قصي الإمامي، فجر الأحداث وجعل جميع أبناء المدينة في خندق واحد ضد الإساءة والتصرف غير المسؤول من قبل الأجهزة الرسمية”.
إلا أنه وعلى الرغم من هذه الانتقادات الكبيرة للأداء الأمني، إلا أن النخبة في معان، وإن أعيانا ونشطاء، أكدوا أن “أبناء المؤسسات الأمنية الذين تعرضوا للهجوم بالرصاص هم أبناؤنا، وهم جزء من أبناء الوطن، وأن الأخطاء المرتكبة من قبلهم لا تبرر الهجوم عليهم، فالخطأ لا يعالج بخطأ مثله”.
مطالب أهالي معان تتضمن محاسبة المسؤولين ممن ساهموا في الوضع المحتقن داخل المدينة، ومناقشة القضايا العالقة منذ سنوات المدينة للخروج من الأزمة المتفاقمة والمتراكمة، وعدم ترحيل الأزمات وحل المشاكل الاقتصادية المتراكمة لمحافظة معان، والكف عن استخدام القوة لحل المشكلات الاجتماعية وذلك لإيجاد حلول تنهي الأزمة من جذورها، وهي مطالب منطقية تحتاج إلى “حل سياسي حكيم ونوعي – اقتصادي”، وليس حلا نوعيا أمنيا، فكل الأردنيين متفقون على المحافظة على استقرار الأردن وإبعاده عن النيران المشتعلة حوله.