د.ابراهيم بدران/المصالحة الفلسطينية… بين الإرادة والسياسة

أخيرا وبعد انقسام دام (8) سنوات، توصلت فتح وحماس إلى مصالحة مبدئية طال انتظارها لدى الشارع الفلسطيني والعربي على حد سواء. و إضافة إلى الظروف الدولية والعربية غير المواتية، فقد أتاح الانقسام والتقاتل الفتحاوي الحمساوي لإسرائيل الفرصة الذهبية لكي تستغل كل لحظة لصالحها: أولا في مواصلة عدوانها على الشعب الفلسطينيُ واغتصاب مزيد من أراضيه وتاريخه و مقدساته وتراثه. و ثانيا في تشويه صورة النضال الشعبي وجهود القوى السياسية الفلسطينية لدى المؤسسات الدولية. و ثالثا في تكريس الانقسام و تعزيز الاقتتال سراُ وعلانية. و رابعا في مواصلة التهديد للسلطة الفلسطينية بأن أي اتفاق لإنهاء الانقسام يعني تهديداُ للأمن الإسرائيلي ورفضاُ لعملية السلام.
وكما هو المعتاد والمتوقع، انساقت الولايات المتحدة الأمريكية بكل استسلام للمقولات الإسرائيلية، فكان من شروط المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية عدم الاتفاق مع حماس، باعتبارها منظمة إرهابية. وللأسف فقد مضت السنوات الثماني دون أن تعمل حماس بدأب و حنكة و جدية على تحسين صورتها لدى المجتمع الدولي، ودون أن تستعين بالدول العربية للضغط على أمريكا وأوروبا لنزع صفة الإرهاب عنها. ومن جانب آخر فقد وضعت اللجنة الرباعية شروطا أمام حماس لم تستعملها حماس بحكمة أو دهاء. وهذه الشروط الأربعة هي: نبذ العنف والأعمال الإرهابية، والاعتراف بإسرائيل وقبول التفاوض معها، والوصول إلى اتفاقية سلام، وقيام دولة فلسطينية على جزء من الأراضي الفلسطينية التاريخية. لقد استجابت حماس للشروط الأربعة في بيانات أربعة صدرت عنها، كان آخرها العام 2011. وبدلا من السلام استعملت تعبير “هدنه طويلة” لمدة (30) عاما. ومرة ثانية كان التوظيف السياسي للموقف ضعيفاُ. أولا بسبب انعدام الخبرة السياسية الدولية لحماس، وثانيا بسبب تنسيق مواقفها مع إيران تارة، ومع جماعة الأخوان تارة أخرى. وهما طرفان يسعيان لأن يكون الموضوع الفلسطيني واحدة من الأوراق السياسية، لاكتساب تعاطف الجماهير، أو المقايضة عليها في صفقات إقليمية اكبر.
والسؤال اليوم، إذا كان سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة حماس خلال (5) أسابيع، وانتخابات جديدة خلال (6) أشهر، فهل هناك فرص حقيقية لتنفيذ ذلك وتحقيق الوحدة الفلسطينية فعلا على الأرض؟ وهل تستطيع السلطة الوطنية وحماس أن تصمدا أمام الضغوط الضخمة التي ستوجهها إليهما كل من إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية التي أعربت عن قلقها وامتعاضها من إعلان المصالحة؟. إن كلا من الأردن والسعودية تضغطان باتجاه المصالحة، وباتجاه الالتزام بها وإخراجها إلى حيز التنفيذ، وطي صفحة الإنقسام. ومصر ترحب بالمصالحة، لأن ذلك سيفرض تلقائياً تغييراً جوهرياً في حالة إعمال العنف في سيناء، وسوف تتعامل مصر إذاك مع حكومة ودولة فلسطينية وليس ذراعاً للإخوان يناصبها العداء على طريق توجيه الأحداث لصالح الجماعة السياسي. ومن جهة ثالثة فإن الاتحاد الأوروبي قد رحب بالمصالحة وكذلك فعلت فرنسا و الأمم المتحدة.
إلا أن نتنياهو الذي حقق نجاحاته السياسية الداخلية من خلال الابتزاز ومصادرة الأراضي، والانصياع للمستوطنين المتوحشين إنسانيا وسياسياً، نتنياهو هذا سارع إلى إعلان قطع مفاوضات السلام والتي لم يكن للحظة واحدة جادا فيها و على إيقاع العقوبات الإقتصادية بالفلسطينيين. وقبل إعلان المصالحة كان هو نفسه يقول: لا يوجد احد يمثل الفلسطينيين، فهم منقسمون، ولا يوجد شركاء لإسرائيل في السلام. وفي نفس اليوم الذي تتجه فتح وحماس للتوافق يخاطب نتنياهو السلطة الوطنية ممثلة بمحمود عباس فيقول: إما حماس وإما السلام. و ستكرر الولايات المتحدة الأمريكية ذات الأسطوانة تماماً كما فعل حين صادقت السلطة الوطنية على (15) اتفاقية دولية. إن نتنياهو يؤكد في كل يوم صورة اليمين الإسرائيلي البغيضة، الصورة التي تكشف الحقد والكراهية للفلسطينيين والعرب، وعدم الجدية على الإطلاق في عملية التفاوض، لأنه يرفض فتحا و حماسا و السلطة الوطنية الفلسطينية،بل ويرفض السلام جملة وتفصيلا إلا إذا استسلم الفلسطينيون بالكامل قبل التفاوض. وهو يعلم أن الإنقسام والتفتت الفلسطيني يمثل احد البوابات الرئيسية للاستسلام.
و حتى لا تتكرر قصص فشل المصالحة، يجب أن تدرك حماس بالدرجة الأولى، و فتح بالدرجة الثانية، أن الزمن قد تغير، و أن العمل السياسي العربي والدولي يتطلب عقولا مستنيرة مدركة للتغيرات الإقليمية والدولية. وتستلزم الحكمة السياسية و فهم العالم و الإفادة من حالة فك الارتباط مع جماعة الإخوان التي أصبحت مناوئة لمصر و السعودية و غيرها من الدول العربية التي تحتاجها القضية الفلسطينية. فالأوطان تعلو على الو لاءات الحزبية. والمطلوب أن تكون السلطة الوطنية مقنعة و حاضرة، حتى يمكن تعويض المساعدات التي من المرجح أن تقلصها الولايات المتحدة لدرجة الانقطاع.
المصالحة هي بداية مرحلة سياسية قانونية جديدة، لن تنجح إلا إذا كانت حقيقية و صادقة ومتجذرة في العقول والنفوس، و قادرة على الصمود أمام الضغوط والمؤامرات الإسرائيلية، و قادرة على تجميع الشعب الفلسطيني واستخراج قواه الكامنة ليزيد من مقاومته السلمية للاحتلال، فيصنع لنفسه، و بدعم من الأشقاء العرب والقوى الدولية،مستقبلا جديدا.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري