كثيرة هي الأسباب التي تدفع إلى توقع الفراغ الرئاسي في لبنان، بالإضافة إلى ما ظهر من تعذر تأمين أي فريق لبناني (14 و 8 آذار) الأكثرية التي تسمح له بأن يأتي بالرئيس الذي يريد من دون التوافق مع الفريق الآخر أو بعضه على الأقل، حتى لو تمكن من جذب الوسطيين إليه.
والقول بأن الرئاسة اللبنانية معلقة على التوافق الإقليمي، الذي كان يرفضه فريق 8 آذار في السابق ويتهم خصومه بالمراهنة على الغرب للوصول إليه، وبات حاجة الآن بالنسبة إلى هذا الفريق، لم يأت من التأويلات الصحافية.
فالقيادات العليا في هذا الفريق تعوّل على أن تسبق الانتخابات الرئاسية السورية في حزيران (يونيو) الاستحقاق الرئاسي اللبناني، الذي تنتهي مهلته قبل ذلك في 25 أيار(مايو)، معتبرة أن تثبيت بشار الأسد في منصبه هو المقدمة الضرورية للتفاوض على أوضاع إقليمية أخرى. وفي حسابات 8 آذار أن انطلاق الدول الراعية له، ولاسيما إيران وروسيا، من بقاء الأسد في الرئاسة كي تفاوض على ملفات إقليمية أخرى ومنها لبنان، يعزز موقعها في اختيار الرئيس الجديد فيه. بل إن توقعات هذه القيادات تقول بأن «الرئيس السوري هو الذي سيهنئ الرئيس اللبناني بانتخابه، وليس العكس»، على رغم التزوير الذي سيأتي بالأول، والتحضيرات لافتعال هالة شعبية حول إعادة انتخابه من قبل ماكينة إعلامية لبنانية وسورية، مثل الادعاء المستهتر بالعقول أن الإحصاءات تفيد بأن عدد السوريين المتواجدين في المناطق التي يسيطر عليها النظام يبلغ 19 مليون نسمة، وعلى رغم المحاولات البائسة من قبل وكلائه لنقل عدد من النازحين في مناطق لبنانية يسيطر عليها حلفاؤه، إلى قرى ومناطق سورية تحت نفوذه حتى لو لم تكن قراهم الأصلية، لتصويرهم بأنهم يدلون بأصواتهم إلى جانبه. ومن الطبيعي في هذه الحال أن يتساوى قانون الانتخابات الرئاسية السورية الذي يمنع معارضي الأسد من الترشح، مع الحملة الهادفة إلى تهشيم المرشح الخصم في لبنان (سمير جعجع) في نظر من دعموا ترشحه، بهدف إلغاء المنافس السياسي للخيار الإقليمي الذي يمثله حلفاء الأسد في لبنان. ولذلك لم يكن عن عبث أن تعتبر قيادة «حزب الله» أن تاريخ 25 أيار ليس عاملاً ضاغطاً عليه وعلى حلفائه.
ثمة سبب آخر لتوقع الفراغ الرئاسي اللبناني، هو توق فريق 8 آذار واستعجاله التقارب السعودي الإيراني الذي ما زال يشهد محاولات خجولة لتحقيقه وتعترضه عقبات عدة، وفق المعلومات المتداولة، على رغم الجهود المتعددة المبذولة في هذا السياق. فاستعجال الجانب الإيراني مصدره ما يعتبره ارتياحاً إلى صمود أوراقه التفاوضية، بما فيها ورقة النظام السوري والتدخلات من قبل طهران في اليمن والبحرين واستباق الانتخابات العراقية… وتمتين التحالف المصري الخليجي. وفي المقابل، بدا أن الجانب السعودي يعطي أولوية لمسائل أخرى بالإضافة إلى انتظاره مبادرات حسن النية من الجانب الإيراني، وأهم هذه الأولويات ترتيب البيت الخليجي الذي عصفت به الخلافات في الأشهر الأخيرة، والتي أُعلن عن الاتفاق على إنهائها قبل يومين، فالرياض تنتظر إقفال باب رئيسي من أبواب الدخول الإيراني إلى هذا البيت.
واختبار تنفيذ هذا الاتفاق يتطلب بضعة أشهر قبل أن يبنى عليه لتذهب السعودية إلى أي انفتاح مع إيران، في ظل موقف خليجي موحد ينعكس إيجاباً على موقعها التفاوضي في الإقليم، ودورها في لبنان. والمنطق يقول إنها لن تقدم على تسوية للوضع في لبنان تنتج رئيساً يخضع لمنطق حلفاء طهران مع أن أولويتها الاستقرار فيه وحمايته من تداعيات الأزمة السورية عليه.
التسوية التي يمكن أن تقصر أمد الفراغ الرئاسي اللبناني، تتطلب أجوبة لبنانية عن أسئلة عديدة قبل الإقدام عليها. فانتخاب الرئيس، إذا كان يتطلب اتفاقاً بين أطراف من الفريقين، يوجب توافقاً بين 14 آذار (ولاسيما تيار المستقبل) وبين «حزب الله» أو بين «المستقبل» و «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون أو بين الثلاثة معاً؟ وإذا كان إنتاج الحكومة حصل على قاعدة ما وصفه زعيم تيار «المستقبل» بأنه «ربط نزاع» مع الحزب فإن هذه المعادلة صعبة التطبيق على رئيس سيأتي لست سنوات. فهل أن المعادلة الجديدة التي أطلقها نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم قبل أيام عن «ثلاثية السيادة والمقاومة وبناء الدولة» هي محاولة لإيجاد مظلة جديدة للتوافق مع المستقبل بديلاً من معادلة «الجيش والشعب والمقاومة»… ومن الفراغ الآتي؟