كلمة السفير الصيني قاو يوشينغ في جمعية الشؤون الدولية

عروبة الإخباري – قال سفير جمهوية الصين الشعبية لدى المملكة قاو يوشينغ ان العلاقات الاردنية الصينية ستشهد خلال السنوات المقبلة نقلة نوعية في مختلف المجالات، مؤكدا التزامه الشخصي بالعمل على ذلك.

ولفت خلال محاضرة القاها الثلاثاء بعنوان «العلاقات العربية الصينية والصينية الاردنية» في مقر جمعية الشؤون الدولية، الى ان ثمة مشاريع اقتصادية كبيرة ومجدية سيتم تحقيقها في الاردن ويستفيد منها الاقتصاد الاردني بما يعود بالخير على الشعبين الصديقين.

وتطرق الى العلاقة القوية التي تربط جلالة الملك عبدالله الثاني بقيادة الصين وشعبها، مشيرا الى ان العلاقات الاردنية الصينية تشهد تطورا مطردا في المجالات كافة.

واشار الى جهود الاردن بقيادته الحكيمة لاحلال السلام والاستقرار في المنطقة وخصوصا مواقفه العادلة تجاه القضية الفلسطينية.

وعبر عن حرص بلاده لتنمية العلاقات الثنائية بين الاردن والصين والتي مضى على تاسيسها 37 عاما وتشهد تطورا ونموا متميزا على مختلف الصعد وهناك تنسيق وتشاور مستمران بين البلدين الصديقين حيال مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.

واشار الى ان السياسة الخارجية للصين «تعمل على ضرورة توطيد العلاقات مع بعض الدول مثل الاردن للترويج للسلام والامن العالميين». وفي ما يلي كلمة السفير:

كلمة السفير الصيني قاو يوشينغ في جمعية الشؤون الدولية

الحضور الكرام،

إن الصين والعالم العربي تربطهما صداقة تاريخية. كان أجدادنا يقومون منذ زمن بعيد بالتواصل التجاري والثقافي عبر “طريق الحرير” و”طريق البخور”. وفي العصر الحديث، ظل الجانبان يتبادلان التعاطف والتضامن سواءأ كان في النضالات الرامية الى تحقيق الاستقلال الوطني والدفاع عن الهيبة الوطنية أم في مسيرة إنشاء النظام السياسي والاقتصادي الدولي الجديد المتسم بالعدالة والإنصاف. فإن سجل التواصل بين الصين والدول العربية هو سجل للتواصل الودي والتآزر والتعاون. وظلت الصين تنظر الى الدول العربية بنظرة إستراتيجية، وتتخذ تعميق وتطوير التعاون والصداقة مع الدول العربية كأولوية للدبلوماسية الصينية. وتلخص السياسة الصينية تجاه الدول العربية في 3 عناصر جوهرية:

أولا، الدعم الثابت للقضايا العادلة للدول العربية. يرى الجانب الصيني أن القضية الفلسطينية هي جوهر قضية الشرق الأوسط. وطالما تستمر هذه القضية دون حل، فلن يتحقق السلام بين الجانبين العربي والإسرائيلي ولن يسود الاستقرار في الشرق الأوسط وحتى العالم بـأسره. وكانت الصين قبل 60 عاما، قد اتخذت دفع حل القضية الفلسطينية كخطوة هامة لدعم حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقبل 25 عاما، أصبحت الصين من أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين، وقبل 11 عاما، قامت الصين بتعيين مبعوثها الخاص لقضية الشرق الأوسط، وقام المبعوثون الصينيون للدورات الثلاث المتعاقبة بعشرات الزيارات للتوسط بين مختلف الأطراف المعنية، فيما يتعلق بقضية طلب فلسطين صفة المراقب في الأمم المتحدة في العام الماضي، كانت الصين الدولة دائمة العضوية لمجلس الأمن الوحيدة التي شاركت في تقديم مشروع القرار بالتضامن وصوتت له. ولقي موقف الصين العادل من القضية الفلسطينية تقديرا واسعا لدى الشعوب العربية. وقال أمين عام الجامعة العربية الحالي نبيل العربي مرارا: “إن الصين الدولة الكبيرة الوحيدة التي ظلت تدعم بثبات القضية العادلة للشعب الفلسطيني.”

ثانيا، الالتزام بتطوير التعاون المتكافئ مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي. ظلت الصين تسلك طريق التنمية السلمية بكل حزم، تنتهج بثبات سياسية خارجية سلمية ومستقلة، وتعارض الهيمنة وسياسة القوة بكافة الأشكال. وتتمسك بالمبادئ الخمسة المتمثلة في “الاحترام المتبادل للسيادة وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي” كثوابت الدبلوماسية الصينية. وستستمر الصين في التواصل مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة المذكورة، وستبقى الى الأبد شريكا مخلصا وصديقا موثوق به للدول العربية.

ثالثا، الالتزام بمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب للكل، ودفع التنمية المشتركة مع الدول العربية. إن الصين والدول العربية توجد بينهما مزايا كثيرة للتكامل الاقتصادي وإمكانيات واعدة للتعاون. وعلى مدى السنوات الطوال، قطع التعاون المتبادل المنفعة بين الجانبين اشواطا متقدمة في المجالات الاقتصادية والتجارية والمالية، مما أتى بفوائد ملموسة لشعبي الجانبين. كما دأبت الصين بتقديم مساعدات اقتصادية الى الدول العربية بشكل مستمر، ونفذت في إطار المساعدات مشاريع طرق وجسور وملاعب ومراكز مؤتمرات وقنوات مائية وسدود ومصانع ومدارس ومستشفيات، وقامت بتدريب 14 ألف شخص للدول العربية، بما فيهم الموظفون الحكوميون والفنيون من كافة التخصصات. ويوجد الآن حوالى 400 طبيب صيني في الفرق الطبية الصينية الموجودة في الجزائر واليمن وغيرهما من الدول العربية.

بفضل هذه السياسات والجهود المشتركة من الجانبين، شهدت العلاقات الصينية العربية تطورا سريعا ومستمرا، بل وحققت قفزة تاريخية في القرن الجديد.

في المجال السياسي، شهد مجمل العلاقات الصينية العربية ارتفاعا مستمرا. اذ أقامت الصين على التوالي علاقات التعاون الاستراتيجية مع كل من مصر والجزائر والسعودية والإمارات، وفي عام 2010، أقام الجانبان الصيني والعربي علاقات التعاون الإستراتيجية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة في إطار منتدى التعاون الصيني العربي. وتبادل الجانبان التفهم والدعم في القضايا الإقليمية والدولية المتعلقة بفلسطين وإيران وسوريا والأزمة المالية العالمية ومكافحة الإرهاب، حيث جرى التنسيق والتعاون بشأنها على نحو جيد فيما بينها.

أما في مجالات الإقتصاد والتجارة والطاقة، يزداد التعاون العملي بين الجانبين بشكل مستمر. حيث أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، والدول العربية سابع أكبر شريك تجاري للصين. في عام 2013، بلغ حجم التبادل التجاري 238.9 مليار دولار، بزيادة 7.4% عن سنة 2012، يعني 11 ضعفا لما كان عليه في عام 2001. ولغاية نهاية عام 2011، أنجزت الشركات الصينية مشاريع بقيمة 113 مليار دولار في الدول العربية. كما إن الدول العربية أهم شريك للصين في مجال الطاقة. في عام 2012، استوردت الصين منها 126 مليون طن من النفط. بما يوثق روابط التعاون بين الجانبين أكثر وأكثر.

وفي مجال التعاون الجماعي، تستكمل آلياته باستمرار. فقد أصبح منتدى التعاون الصيني العربي الذي تأسس في عام 2004 علامة بارزة للصداقة الصينية العربية. وأنشأ الجانبان أكثر من 10 آليات للتعاون المتعدد الأطراف مثل المشاورات السياسية ومؤتمر رجال الأعمال ومنتدى التعاون في مجال الإعلام ومؤتمر التعاون في مجال الطاقة ومؤتمر الصداقة الصينية العربية، مما جعل المنتدى محركا هاما لدفع الصداقة الصينية العربية.

بالإضافة الى ذلك، أقام الجانبان أشكالا متنوعة للتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والسياحة والصحة والإعلام والمنظمات الأهلية. وقد أدرج أكثر من 10 دول عربية في قائمة المقاصد السياحية للمواطنين الصينيين، بحيث، يتنقل يوميا 2000 شخص من الصينيين بين الصين والدول العربية. ويحمل الجانب الصيني ثقة تامة في مستقبل واعد للعلاقات الصينية العربية وتجذر الصداقة الصينية العربية في قلوب الشعبين.

التغييرات الإقليمية

تقدر الصين عاليا إرادة الشعوب العربية في تحمل المسؤولية التاريخية من أجل تحقيق التغيير والتنمية، وهي على استعداد لتقديم مساعدات بقدر الإمكان للدول العربية في تحقيق التغيير والإصلاح.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، طرأت تغيرات تاريخية في العالم العربي تلفت أنظار العالم وكذلك اهتمام الصين. فتتجسد مواقفنا وسياستنا حيال ذلك في 4 نقاط تالية:

النقطة الأولى، تحترم الصين مطالب وتطلعات الدول العربية وشعوبها في تحقيق الإصلاح والتنمية. فكما يقول مثل شعبي صيني “من يرتدي الحذاء يعرف مدى ارتياحه” فما هي الطريق التنموية التي تناسب خصوصيات الدول العربية أمر يجب أن تقرره الشعوب العربية بنفسها. ونؤيد الدول العربية وشعوبها في أن تختار بإرادتها المستقلة نظاما سياسيا وطريقا تنموية تتفق مع ظروفها الوطنية.

النقطة الثانية، تدعو الصين الأطراف المعنية في الدول العربية الى تسوية الخلافات بطرق سلمية عبر الحوار السياسي الشامل. وتولي الصين القضية السورية بالغ الاهتمام، وترى أن الحل السياسي هو الطريق الصحيحة. وإن الصين ليس لديها أي أجندة خاصة في القضية السورية. كما تتخذ الصين موقفا إيجابيا ومنفتحا تجاه أي حل، ما دام يجد قبولا واسعا لدى الأطراف السورية المعنية.

النقطة الثالثة، تحث الصين المجتمع الدولي على الالتزام بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية، وترى أنه لا يمكن اتخاذ تعدد المعايير في مسألة احترام السيادة، وترفض التدخل العسكري أو السعي بتعسف الى تغيير النظام ، وتعارض محاولات القوى الخارجية في فرض إرادتها على الدول العربية.

النقطة الرابعة، تدعو الصين الى فكرة المعالجة الشاملة في التعامل مع التحولات في المنطقة، بمعنى ضرورة الاهتمام بالقضية السورية وغيرها من القضايا الساخنة مع عدم تهميش القضية الفلسطينية، وتدعيم الانتقال السياسي للتغيير مع الاهتمام بدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يوفر لدول المنطقة بيئة خارجية جيدة يسودها دوام الاستقرار والأمن. ومنذ بدء عملية التغيير في الدول العربية، قدمت الصين مساعدات بقدر الإمكان. حيث قدمت الصين لمصر مساعدات قدرها 450 مليون يوان الصيني، وقدمت لليمن منحة قدرها 100 مليون يوان الصيني، وقدمت الى لاجئين في لبنان والأردن معونات إنسانية بقدر 30 مليون يوان الصيني.

عندما نستعرض تاريخ البشر، فنجد أن كل التغيرات العظيمة لم تخرج الى النور إلا من خلال المخاض. وخلال المئة السنة الماضية، مرت الصين بتغيرات تاريخية تحولت فيها من مجتمع شبه إقطاعي وشبه مستعمر الى دولة اشتراكية مزدهرة وثم قفزت الى ثاني أكبر اقتصاد في العالم. والآن يسعى أبناء الشعب الصيني الى تحقيق الحلم الصيني بجهود لا تعرف الكلل والملل. الأمر الذي يجعلنا نتفهم مطالب الشعوب العربية في تحقيق الإصلاح والتنمية ونجد لها صدى في قلوبنا. وان كلا من سعى الشعب الصيني الدؤوب  وراء الحلم الصيني وسعى الشعوب العربية وراء التغيير الذاتي، انما يعبر عن تطلعات جميلة للمستقبل من قبل المواطنين، ويجسد ثقتهم القوية في تحقيق النهضة القومية.

إن مسيرة الشعب الصيني لاستكشاف الطريق التنموية الإشتراكية ذات الخصائص الصينية لم تكن مفروشة بالورود، بل ومرت بالتعرجات الشديدة التي ساعدتنا على استخلاص الدروس والعبر منها. وفي سياق ذلك ازداد شعورنا عمقا بعزة السلام والاستقرار والضرورة الملحة للتنمية والإصلاح. فنعتقد يقينا بأن السلام والاستقرار ضمان أساسي لتحقيق الحياة السعيدة والكريمة للشعب وهو الذي يوفر شروطا ضرورية لتحقيق الإصلاح والتنمية. وإن الإصلاح والتنمية هما الطريق الوحيدة لتحقيق رخاء الشعب وبدوره تعزيز السلام والاستقرار للدولة والمجتمع. فإن الاستقرار هو المقدمة والهدف في نفس الوقت. بدون الاستقرار لن نحقق أي شيء بل سنفقد المنجزات المحققة. لذا، نتمنى من صميم قلوبنا أن تتمكن الدول العربية من استعادة السلام والاستقرار بما يهيئ ظروفا مواتية للإصلاح والتنمية ويحقق حياة أفضل للشعوب العربية. وإن الصين على استعداد لتعزيز تبادل الخبرات مع الدول العربية حول الإدارة والحكم وتحقيق التقدم المشترك معها.

لقد وفرت مسيرة الإصلاح والانفتاح التي مضت عليها حوالي 35 سنة متطلبات أساسية لتحقيق حلم الشعب الصيني العظيم الذي ظل يراوده منذ أكثر من مائة سنة ألا وهو تحقيق النهضة الكبرى للأمة الصينية، فتمكن الاقتصاد الصيني من تحقيق النمو المستمر لإجمالي الناتج المحلي بمتوسط المعدلات قدره 10% لمدة أكثر من 30 سنة متتالية، حيث ارتفعت قيمة إجمالي الناتج المحلي من 210 مليار دولار في سنة 1978 كالاقتصاد الخامس عشر في العالم الى 8360 مليار دولار في سنة 2012 وأصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الأمر الذي يشكل قاعدة صلبة منها تنطلق الصين الى مرحلة جديدة للتنمية الاقتصادية تتمحور حول إعادة الهيكلة الأقتصادية لتغليب النوعية على الكمية وسوف نحافظ فيها على معدل النمو بقدر ما بين 7 و8 في المائة. ويعتبر بعض الخبراء الاقتصاديون أن هذا المعدل يمكن أن يكون بمثابة المحرك الرئيسي لنمو الاقتصاد العالمي في ظل تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية التي تعيشها الدول الغربية، والعالم كله سيستفيد من التمو الاقتصادي الصيني للمرحلة الجديدة. فلا يجب أن يفوت الدول العربية أن تستغل هذه الفرصة وتوظفها لصالحها لأنها أكثر استحقاقا نظرا لوجود عوامل إبجابية:

أولا، ليس هناك أي عقدة تاريخية تحول بين الصين والدول العربية سواء كانت سياسية أو اقتصادية، فلم يعرف تاريخ التواصل الصيني العربي أي تصادم في المصالح، إنما كان يجمعهما طريق الحرير ومؤتمر باندونج وتضامن الشعب الصيني مع الشعوب العربية بمظاهرات المليون ضد العدوان الثلاثي في أيام حرب قناة السويس والمبادرة الى توفير قطع الغيار للطائرات المصرية خلال حرب أكتوبر في حال امتناع الاتحاد السوفيتي عن تقديمها. وصحيح أنه لم يكن في الشارع العربي الاهتمام الكافي بالصين بسبب دورها المتواضع في الماضي ولكن على الأقل ليس هناك شعور بالاستياء والتشكيك والاستبعاد عندما تذكر الصين مثل ما في حال بعض الدول الكبرى وهو الذي يشكل دعما شعبيا وجماهيريا لأي تقارب وتعاون بين الصين والدول العربية، فإرادة الشعوب هي أساس نجاح أي خيار سياسي أو اقتصادي.

ثانيا، التكامل وليس المنافسة سيكون شكلا رئيسيا للعلاقات الصينية العربية، فالصين لديها ما تحتاج اليه الدول العربية من التقنيات والكفاءات البشرية والاستثمارات. خاصة أن الصين قد تخلصت من نمط التجارة البحتة القديم لتصدير منتجاتها بالأسعار الرخيصة وبدأت تزيد توجه الاستثمار في الخارح بحيث يمكن للدول العربية أن تستفيد من الاستثمارات والتقنيات الصينية في إقامة وتطوير القطاعات الصناعية المحلية من خلال إقامة المشاريع المشتركة في نفس الوقت الذي يستفيد الجانب الصينيى من الأسواق المحلية الواسعة ومردود الاستثمار الأكثر بكثير من التجارة البسيطة. هذا النمط هو ما ندعو اليه دائما ونسميه تبادل المنفعة والكسب للكل.

ثالثا، إن معظم الدول العربية في أحوج ما تكون الى تنمية اقتصادها لرفع مستوى معيشة شعوبها بعد ما مرت به في السنوات الأخيرة من الثورات والاضطرابات. وبعيدا عن المسائل السياسية مثل الشمولية والتوريث، أقول إن السبب الجوهري لهذا الاحتقان والانفجار في الشارع العربي إنما يكمن في عدم رضا المواطنين عن حالتهم المعيشية بل والحياتية مع عدم رؤية نور في نهاية النفق. وإن أي نظام أو قيادة إذا أراد البقاء في الحلبة السياسية، فلا بد له أن يركز الجهود على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين وذلك لن ينجح إلا من خلال التنمية الاقتصادية، والتنمية الاقتصادية تحتاج بدورها الى تطوير علاقة التعاون التقتصادي والتجاري والاستثماري مع الخارج. والصين لديها الرغبة والإمكانيات للمساهمة في تطوير هذه العلاقة، فهي أفضل شريك للعالم العربي من تلك الدول التي تتخبط في المستنقعات المالية والاقتصادية وتنتظر من يساعدها على الخروج منها.

مستقبل التعاون الصيني العربي

ومن أجل تحقيق هذا التعاون، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة التشارك في بناء “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير”. إن “الحزام” الذي يغطي مناطق الصين وغربي آسيا وأوروبا يشكل حزاما اقتصاديا معمم الفائدة على أساس المنفعة المتبادلة والكسب للجميع ويتميز بطابع الانفتاح والاستيعاب.

إن مبادرة بناء “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” تتخذ التعاون الاقتصادي كالأساس والمحور والتواصل الإنساني والثقافي كالدعامة الرئيسية، وتلتزم هذه المبادرة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولا تسعى وراء انتزاع الدور القيادي في الشؤون الإقليمية أو تحديد نطاق النفوذ في المنطقة. إن “الحزام ” ليس كيانا أو آلية، وهو سيعتمد بشكل أساسي على الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة بين الصين والدول ذات الصلة وتستعين بأطر التعاون الإقليمية القائمة والفاعلة. كما أن النطاق الجغرافي والأممي ل”الحزام ” سيكون مفتوحا، ستلعب دورا مهما فيه الدول الواقعة على طريقي الحرير البري والبحري القديمين، كما نرحب بالدول الأخرى للمشاركة فيه.

إن المضمون الرئيسي لبناء “الحزام ” يتمثل في خمس نقاط تبرز التعاون العملي القائم على المشاريع المفصلة، وسيعود بفوائد ملموسة على شعوب الدول ذات الصلة: (1) “تناسق السياسات”. يمكن لمختلف الدول إجراء التواصل الوافي حول الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالتنمية الاقتصادية، بحيث يتحقق الإلتحام العضوي بين هذه الاستراتيجيات على أساس مبدأ “إيجاد قواسم مشتركة من بين الاختلافات” ورسم الخطط والإجراءات للتعاون الإقليمي عبر التشاور، بما يعطي “الضوء الأخضر” من حيث السياسات والقوانين أمام الإندماج الأقتصادي الإقليمي. (2) “ترابط الطرقات”. إن الصين والدول ذات الصلة بحاجة الى التباحث الإيجابي في تحسين البنية الأساسية العابرة للحدود في مجال المرور، وأتخاذ خطوات تدريجية لتكوين شبكة النقل والمواصلات تربط مختلف المناطق دون الأقليمية في آسيا كما تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، بما يعالج مسائل عدم الترابط أو الترابط دون التمرير أو التمرير دون الانسياب. (3) “تواصل الأعمال”. التباحث في سبل تسهيل التجارة والاستثمار ووضع ترتيبات ملائمة، تساعد على إزالة الحواجز التجارية والأستثمارية ودفع سرعة الدورة الاقتصادية الإقليمية وحددتها. بما يطلق بشكل كامل الإمكانيات الكامنة للدول الواقعة في “الحزام” في مجالات التجارة والاستثمار، وتوسيع “كعكة التعاون”. (4) “تداول العملات”. العمل على تحقيق المقاصة بالعملات المحلية وتبادل العملات، وتعزيز التعاون النقدي الثنائي والمتعدد الأطراف، وإنشاء مؤسسات مالية للتنمية الإقليمية، وخفض تكاليف المعاملات، وبالتالي تعزيز القدرة على مواجهة المخاطر المالية من خلال الترتيبات الإقليمية، وتعزيز القدرة التنافسية لاقتصاد المنطقة ككل على الساحة الدولية. (5) “تفاهم العقليات”. إن الصين والدول ذات الصلة بحاجة الى توطيد القاعدة الشعبية للعلاقات الرسمية، وتعزيز التواصل والتحاور بين مختلف الحضارات، وزيادة التبادل الودي بين شعوب الدول وخاصة على مستوى الفئات المجتمعية الأساسية، بما يعزز الفهم المتبادل والصداقة التقليدية فيما بينها.

ويمكن للجانبين الصيني والعربي التشارك في بناء “الحزام” عبر قنوات ثنائية مع الاستفادة الكاملة من منتدى التعاون الصيني العربي، وتركيز الجهود على مجالات التعاون ذات الأولوية كما هو الآتي.

أولا، توسيع التجارة والاستثمار بين الصين والعالم العربي، ووضع آليات وترتيبات مناسبة لتسهيل التجارة والاستثمار. في الخمس سنوات القادمة، سيبلغ حجم الاستثمار السنوي للصين في الخارج 100 مليار دولار، بينما يبلغ حجم واردات السلع لها تريليونين دولار سنويا، ويرحب الجانب الصيني بل ويدعم حصول الدول العربية على حصة أكبر من هذه الاستثمارات والواردات. ومن أجل تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي بين الصين والعالم العربي وتحرير وتسهيل التجارة الإقليمية، يحرص الجانب الصيني على المشاركة في بناء “الممر الاقتصادي لقناة السويس” ومنطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري في مصر، ويأمل في استئناف المفاوضات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي حول إنشاء منطقة التجارة الحرة والتوصل الى اتفاقية في وقت مبكر، كما يستعد لبحث الامكانيات لإنشاء مناطق التجارة الحرة مع الدول العربية الأخرى.

ثانيا، تعزيز التعاون الصيني العربي في مجالات السكك الحديدية والطرق العامة والموانئ والطيران المدني والاتصالات وغيرها، بما يعزز الترابط على مستوى البنية التحتية. إن الصين مستعدة للمشاركة بما لها من القوة التكنولوجية القوية والخبرة الوافرة في مجال السكك الحديدية الفائقة السرعة، في بناء شبكة السكك الحديدية في شبه الجزيرة العربية والمشاريع الأخرى ذات الطابع الاستراتيجي.

ثالثا، توسيع التعاون في مجالات جديدة تشمل المالية والطاقة النووية والفضاء وغيرها، بما يرتقي بمستوى التعاون العملي الصيني العربي. إن الجانب الصيني سيعمل على إنشاء صندوق استثماري مشترك بين الصين والإمارات في يوم مبكر، وهو على استعداد للتباحث مع الجانب العربي في التعاون في إقامة المشاربيع في مجالات الاستخدام السلمي للطاقة النووية وصناعة وإطلاق الأقمار الصناعية وغيرها، بالإضافة الى التعاون في التبادل الفني وتدريب الأفراد في المجالات ذات الصلة.

رابعا، تعميق التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي من المجرى الأعلى الى المجرى الأسفل، وتوسيع التعاون في مجال الطاقة المتجددة وفي مقدمتها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بما يحقق الالتقاء بين خطط الجانبين طويلة المدى لتنمية الطاقة. وبذل جهود مشتركة لحماية الممرات الاستراتيجية للطاقة، بما يضمن الأمن في الإمداد والاستهلاك للطاقة على الساحة الدولية.

خامسا، توسيع التواصل في المجالات الثقافية والتعليمية والصحية والرياضية وغيرها من المجالات الإنسانية، وتعزيز التواصل والحوار بين مختلف الحضارات، وتعزيز الفهم المتبادل بين الشعب الصيني والشعوب العربية.

وتحدوني ثقة كاملة أن علاقات التعاون الصينية العربية مقبلة على مرحلة جديدة تكمن فيها امكانيات هائلة ومنجزات واعدة اذا توفرت لدى الجانبين الإرادة المشتركة والجهود المتضافرة لتحقيقها وشكرا.

Related posts

الذكاء الاصطناعي والاتصالات: أهلاً بالسرعات الاستثنائية، وداعاً للمشاكل التقنية!

البنك العربي الراعي البلاتيني للجمعية العامة السابعة والخمسين للاتحاد العربي للنقل الجوي

الكشف عن أسماء الفائزين بجوائز ديليفرو الإمارات لأفضل المطاعم لعام 2024