كتبنا كثيرا عن خطباء المساجد وكأن الإخوة الأعزاء في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وعلى وجه التحديد إدارة شؤون المساجد لا يعطون اهتماما لما يكتب بدليل أننا لا نرى أي تغيير نحو الأفضل.
قواعد خطبة الجمعة معروفة للعامة والخاصة ولست في وارد أن أشرح تلك القواعد، لكنني أجد من الضرورة التذكير بأن صلاة الجمعة لها وضع خاص بين الصلوات ونزل فيها سورة كاملة في القرآن الكريم وجاء في النص القرآني مخاطبا المؤمنين بقولة تعالى ” يأيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم” (الآية) ولن أدخل في فقه التفسير لهذه الآية الكريمة. يوم الجمعة يوم مميز يجتمع في الناس في كامل الطهر وحسن الملبس والتطيب وغير ذلك من التزين. خطيب الجمعة له صفة القيادة وعند صعوده على المنبر مخاطبا المؤمنين يختار موضوع خطبته بعناية. إن يوم الجمعة أشبه بمؤتمر للناس عامة يناقش فيها حالهم ويجدّ أمامهم في إيجاد الحلول طبقا للقواعد الشرعية.
في الجمعة الماضية خرج علينا خطيب يحدثنا عن المعاشرة الزوجية دون تحفظ في كثير من كلمات إتيان النساء ولمدة تزيد على أربعين دقيقة، ومن سوء حظ ذلك الخطيب أنه قوبل باستهجان واستنكار لموضوع خطبته من الكثير من المصلين، لقد كان بإمكان ذالك الخطيب أن يتناول حقوق المرأة في الإسلام ويتجنب ما يخص العلاقة بين الزوج والزوجة في مهجعهم فتلك الأمور لا تناقش من على منابر يوم الجمعة وإنما في حلقات الدرس والوعظ.
لقد ذهب فريق من المسؤولين عن إدارة المساجد إلى القول إن خطبة الجمعة يجب أن لا تتضمن أي قضايا سياسية ونحن مع هذا الرأي إلى أبعد الحدود، ولكن من حقنا أن نسأل هل تناول موضوع الفساد والمفسدين في خطبة الجمعة بعد حمد الله والثناء عليه محذور تناوله ويدخل في باب السياسة المنهي عنه؟ هل الحديث عن ضعف الأمة الإسلامية وما يجري عليها في أماكن متعددة من العالم أمر ممنوع تناوله؟ هل الحديث عن الإخلاص في العمل وحض الناس على أداء أعمالهم بكل أمانة ونزاهة أمر ممنوع تناوله؟ هل الحديث عن انتشار ظاهرة التواصل الاجتماعي وانشغال أفراد الأسرة الواحدة بعضهم عن بعض ولو أنهم في مجلس واحد أمر محبب أم أمر ننكره ويجب التنبيه إلى خطورة هذه الظاهرة عن طريق منابر الجمعة. أشير إلى أن هناك دراسات أجريت في بعض الدول المتقدمة عن مخاطر انشغال الناس خاصة الجيل الصاعد بملاحقة برامج التواصل الاجتماعي. إن هذه الظاهرة تجلب الرذيلة وتغذي النميمة وتنخر المجتمع بالشائعات التي تهد الأمة.
إننا معشر المؤمنين الذين خاطبهم الله في كتابه الكريم كما جاء في الآية المذكورة أعلاه نحتاج إلى خطباء يجدّون في البحث لإعداد خطبهم وتناول القضايا المهمة. أن الإمام الخطيب معين بموجب أمر سيادي إذ هو يمارس السياسة يقول ما يريده السلطان ويمتنع عن ما لا يريده، وأن إدارة المساجد تمارس عملا سياسيا فلا يجوز لنا أن نمسخ يوم الجمعة بمواضيع قد تم الحسم في أمرها منذ قرون ولا مانع من التذكير ولكن لا يجب أن يكون موضوع الخطبة ونتجاهل حال الأمة المسلمة وما تتعرض له، والخطيب العالم يعرف كيف يختار مواضيعه في شأن الأمة دون إثارة أو تحريض سياسي.
(2)
لا شك بأن التعليم له أثر في التكوين الفكري والثقافي للإنسان فإذا أحسنا اختيار رجال / نساء التعليم على أسس علمية وأعددنا مناهج التعليم إعدادا ينتقل بالإنسان من مرحلة التلقين إلى مرحلة التفكر فإننا نكون قد قطعنا شوطا كبيرا نحو النهوض بالأمة على أسس تربوية وعلمية.
يقودني هذا القول إلى أن اختيار رجال المنابر أي منابر خطب الجمعة يجب أن يكون ملما بوقائع التاريخ العربي والإسلامي، وأن يكون ملما بعلم التفسير وعلم الفقه ومعرفة المذاهب الإسلامية بامتياز من تلك العلوم يستطيع الخطيب أن يسقط أحداث التاريخ على واقع الأمة اليوم وما أصابها من موهن وضعف.
(3)
وزير التعليم والتعليم العالي أظنه يعرف الوجه الحسن عن المدارس الخاصة لكنه في تقديري قد غاب عنه معاناة الأسر ماليا وعلميا. ليكون قولي واضحا أن معظم المدارس الخاصة أسست من أجل الربح ولا غيره ومن هنا يكون توظيف أعضاء هيئة التدريس بأبخس المرتبات الشهرية في ظل ظروف التضخم الجامح الذي يجتاح المجتمع وهذا القول من السهل التأكد من صحته. في الجانب الآخر هناك مبالغة في التكاليف التي يتحملها ولي أمر الطالب على اختلاف مراحل التعليم. مثال: مدرسة من المدارس الخاصة رسوم التسجيل لأي طفل وفي أي مستوى يكون 2500 ريال غير قابلة للرد في حالة عدم تمكن الطالب من الالتحاق بالمدرسة لسبب أو آخر، كما أنها لا تخصم من رسوم الدراسة إذا انتظم الطفل / الطالب في المدرسة، أضف إلى ذلك تأجير الكتاب لطلاب الروضة من المستوى الأول إلى المستوى الخامس يبلغ 1500 ريال والحق أن الكتاب يجب أن يكون ملك الطالب وليس يؤجر على الطالب بصرف النظر عن مستواه في المراحل التعليمية. إن تكلفة طفل في سنواته الأولى أي في مرحلة الروضة تبلغ 20374 ريالا السنة الدراسية، وتتدرج إلى أن تصل إلى مبلغ 45842 ريالا للمستوى 12.
إذا افترضنا أن الواحد منا رزقه الله بطفلين أو أكثر فإن المطلوب منه أن يسدد للمدرسة مبلغ يزيد على 100.000 ريال وهذا مبلغ كبير جدا وقد لا يستطيع ولي الأمر أن يسدد ذلك المبلغ.
آخر القول: العمل بالتعليم ليس عملا تجاريا يهدف إلى تعظيم الربح، ومن حق الوزارة المعنية بالتعليم أن تتدخل لمعرفة المرتبات والأجور للهيئة التدريسية بهدف تحديد الربح لصاحب المدرسة ومن ثم تحديد الرسوم الدراسية، ونتمنى على إدارة المساجد أن لا تولي علينا من يرمض مسامعنا في خطبة كل جمعة.