عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب – لم تكن هذه هي المرة الاولى التي ازور السلطنة ، وقد لا تكون الاخيرة اذا قيض الله لنا عمراً فقد زرتها قبل حوالي ثلاثين سنة لحضور انعقاد دورة مجلس التعاون الخليجي الاولى في السلطنة وظلت زياراتي تتكرر وفي كل مرة كنت ازور كان يستوقفني اظطراد التنمية والتطور والانتقال الى مراحل اخرى ..
فقد جرى الاستثمار في الانسان العماني وبدأت سياسات التعمين تعطي ثمارها كما اخذ التعليم وخاصة العالي طريقه باتجاه بناء المزيد من الجامعات والمعاهد العامة والمتخصصة ..
من يمر في شوارع مسقط يلفت انتباهه جمال المدينة ونظافة شوارعها وتنظيم السير فيها فانت لا تسمع ابواق السيارات ولا تشهد ازدحامات خانقة من تلك التي تشد الاعصاب او تعطل عجلة العمل .. والمدينة تجمع ما بين مشاهدة البحر والجبل والصحراء واستحضار التاريخ حين تشاهد الحصون القديمة والقلاع المنتشرة على اطرافها وطرقها الرئيسية ..
كنت في مسقط قبل ان تاتي موجات الحر واستمتعت بايام ربيعية جميلة وقد اتيحت لي رحلة بحرية بدعوة من صديق يملك قارباً حيث ابحر بنا الى الجنوب من مسقط وعلى بعد مائة وخمسون كيلو مترا شهدنا شواطىء جذابة واستراحات سياحية ومناطق بكر واقتراب الجبال من البحر ودخولها عليه وتشعب البحر داخل اليابسة في خلجان متعددة يتوقف فيها الموج ويستمتع المبحر فيها وهو يراها تختفي ثم تظهر من وراء الجبال ..
في عُمان يعيش الزائر عبق الماضي بشكل عميق كما يعيش سواء في جغرافيتها التي مازالت تمسك بالتاريخ وتحافظ عليه او في اسواقها وتحديدا سوق مطرح حيث البخور واللبان والحناء والتوابل وكل ما كان يمت للماضي بصلة وتجارة وشهرة فقد كانت عُمان ام اللبان ومسوقة البخور في كل كنائس اوروبا قبل الاسلام ومعه ..
كما ان رجالها ركبوا البحر وعرفوا العالم القديم بالتجارة واساليب الصيد ومنها جاء الفنيقيون من صور العمانية الى صور اللبنانية ليركبوا المتوسط ويبنوا حضارة الفنيق الشهيرة وهو ما اكدته الروايات التاريخية وشواهدها ..
اخلاق العمانيين وحسن معشرهم وصدق انتمائهم لبلدهم وتمسكهم بنظامهم منذ الجلندري الاول قبل الاسلام وحتى السلطان قابوس باني عمان الحديثة مرده الى عمق حضارتهم وتراكم خبرتهم ونزوعهم الى السلام والاستقرار بعد ان جربوا في تاريخهم وقبل استقرار دولهم الحديثة كل اشكال الصراعات قبل ان يدركوا نبذ العنف والصراع والامساك بالجوهر من الدين والعقيدة والابتعاد بها عما يخالطها من بدع ..
نعم يتميز العمانيون عن سواهم في التعامل معهم سواء كان السواء من محيطهم واقليمهم ام من البعيد ممن يشاركهم عروبتهم واسلامهم ويدرك ذلك من يزور عمان ويتعامل مع اهلها ..
قال عنهم الرسول ( ص) ” آمنوا بي قبل ان يروني ” وقال من اراد الخير فليقصد عمان . وقد كان لقدراتهم البحرية والبرية وصلابة مقاتليهم ان انشاوا دولة امتدت الى شرق افريقيا واقامة امبراطورية هي احدى سلطاتهم الممتدة في اكثر من دولة اميزها الدول البوسعيدية المتعددة التي اخترقت تاريخاً يقارب الثلاث قرون ومازال يمتد ..
ما اكتبه انطباعات انشاتها زيارتي الاخيرة وقد جندت عمان نفسها لتقديم النافع والابتعاد عن الضار فيما ينفع الامة والجوار ومن بين النشاطات التي انشغل عنها الاخرون لغياب الاستقرار وقلة التدبير والانصراف الى وقائع اللحظة .. كان انعقاد مؤتمر تطوير الفقه وهذه الدورة الثالثة عشرة التي تشهد حوارات بين المذاهب الاسلامية الاساسية كافة .. وقد جاء اليها علماء وباحثون ومؤلفون واكاديميون وطلبة علم من كل انحاء العالم العربي ليشهدوا منافع البحث وتاصيله فيما يهم الاسلام والمسلمين والاجيال الطالعة التي تعاني غياب المرجعيات وانحراف النهج وسيادة التطرف والاخذ بالعنف..
وجدت عُمان وهي تتمتع بالاستقرار تملك ترف المحاولة والوقت وترصد مالاً لانجاز ذلك يتواكب من انصرافها لبرامج تنموية واستثمارية مدهشة حدثني عنها وزير الاعلام الدكتور عبد المنعم الحسني الذي التقيته في مكتبه واستمتعت بالحوار معه وكسب المعرفة وضيافة حلاوة التمر الطيبة وهذا ما سأتحدث عنه في حلقة اخرى ..